مع الشيخ عيسى قاسم
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
تُبطل مملكة آل خليفة حلول العقل والحكمة، وتستبدل القانون بالمخابرات والعمل البوليسي الترهيبي مع شعب قدّم أروع مثال في المطالبة السلمية عن حقوقٍ له مشروعة. تجنّبت المملكة الإصغاء للناس ووجدت أنّ القمع هو السبيل لتدجينهم وإيقافهم عند حدّ لا يتجاوزونه!
تظهر المملكة من خلال وسائل إعلامها أنّ غزواً خارجياً يهدّد كيانها وليس شعباً مهمّشاً ومحروماً ينزل إلى الشوارع بسبب التمييز والعنصرية والسياسات الطائفية التي تسعى لتبديل شعب أصيل بأشخاص طارئين يجنّسون لتغليب فئة على فئة، ومع ذلك هي تصرّ على أنّ تسجل لنفسها براءة أبدية في العفة والتسامح والالتزام بالمسؤولية تجاه مواطنيها! فكيف ذلك ومسلسل العنف الذي تمارسه حكومة آل خليفة في البحرين متواصل بوتيرة متصاعدة بحملات قمعية، واعتقالات تعسفية، وسحب الجنسيات عن رموز أصيلة ومتجذّرة في البلاد، ثم تجميد عمل جمعيات معارِضة كجمعية الوفاق وحلّ عدد آخر، وسجن حقوقيين ونفي ناشطين وصولاً إلى الخطوة الأكثر بلاهة واستفزازاً وجنوناً والمتمثلة بإسقاط الجنسية عن سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم.
هذا التصرف الأرعن لا يمكن السكوت عنه والذي يتضح من خلال العديد من المؤشرات أنّ وراءه المملكة السعودية التي تدفع لجرّ المنطقة إلى مزيد من التوتر. إذ لم تكتفِ بإشعال نيران الفتنة في سورية والعراق، ولم تكتفِ بحرب شعواء مدمّرة على الشعب اليمني، بل واصلت تغذية الإجراءات الظالمة بحق الشعب البحريني وتحويل المطالب الوطنية أزمة طائفية.
ونحن نسأل: لماذا يلجأ الحكم البحريني إلى وصم كلّ مطلب اجتماعي أو سياسي بالمطلب الطائفي؟ لماذا كلّ من يرفع لواء المعارضة يتحوّل عميلاً فيُزجّ بالسجون أو يُنفى إلى خارج البلاد، أو تُسقط عنه الجنسية؟
لقد تجاوزت التدابير القمعية في البحرين الخطوط الحمراء. حتى بدأت صحف غربية تطالب حكوماتها باتخاذ خطوات عقابية ضدّ مملكة آل خليفة. إنه من المؤسف اليوم هذا الصمت المدوّي في العالم العربي والإسلامي الذي باتت فيه مناصرة شعب البحرين المظلوم شبهة وتهمة. وهو ليس في الواقع إلا ضعفاً وتخاذلاً وتردّياً وتراجعاً نفسياً وأخلاقياً. فمتى كانت مناصرة ومساندة المظلوم موضع شبهة وتهمة إلا ّإذا غلّفت بألف ألف رداء وستار. هل في العالم حكومة تُسقط الجنسية عن مواطن أصيل. يمكن أن تقاضيه وتحاكمه إذا تجاوز القانون، ولكن يبقى ابن بلده لكن في البحرين الحكومة هناك لا تريد مواطنين يمكن أن يكون لهم صوت. فإما الخضوع وحينها تحصل على جنسية وإما النفي والطرد والإبعاد إذا قمت بعمل ينافي المشيئة والذات الملكية! فأيّ نظام هذا النظام ثم يحدّثونك عن الملك الأب، والملك العادل، والملك الحاضن، وصفات تقرّب من صفات الأنبياء. أكذب أكثر من ذلك؟ يعتقلون ويشرّدون ويقتلون ثم يسبغون على أنفسهم ألقاب الأنبياء والأولياء…!
أما الموقف الأخلاقي الإنساني القومي فهو أن نبقى نناصر الشعب البحريني ولو قيل أكثر مما يُقال اليوم. لأننا إنْ لم نفعل ذلك اليوم، فسيُقال لنا ممنوع عليكم أن تناصروا الشعب الفلسطيني أو الشعب العراقي أو أيّ شعب مظلوم آخر. وبالتالي سنكون بالاسم مسلمين، أما في الواقع فنحن نحمل ديانة أخرى. ديانة ليس فيها مساعدة الفقراء ولا مناصرة الضعفاء ولا إغاثة الملهوفين ولا إقالة المكروبين. فهل نحن من أهل الإسلام أم من أهل عقيدة أخرى وثقافة أخرى! إذاً لن نقبل بهذا المنطق الذي يفرّق بين أبناء الإسلام وبين أبناء الإنسانية، إنّ الواجب والمسؤولية تتجهان إلينا جميعاً لفهم ما يجري من عسف وظلم بحق البحرينيين واتخاذ الموقف المناسب الذي يمليه علينا ديننا وأخوّتنا وجيرتنا. وحتى لا يُقال إنّ الكوبي أو الفنزويلي أو البرازيلي أكثر إسلاماً من المسلمين أنفسهم. كما يُقال حالياً بخصوص القضية الفلسطينية إذ إنّ هولاء أكثر تفاعلاً وتضامناً مع الشعب الفلسطيني من العرب المسلمين الذين تقاعسوا عن نصرته، بما يجب أن يكون من الالتزام والإقدام والتضحية. وعليه سنكون، حيث يجب أن نكون مع كلّ شعب مظلوم، ومنه الشعب البحريني، وسنبقى نناصر الشعب الفلسطيني الذي يُراد أن ننأى بأنفسنا عنه وسنبقى مع كلّ شعبٍ مظلوم يُطالب بالعدالة والحرية.
إن الأعداء يريدون إيصالنا إلى مرحلة لا يبقى فيها مسلم ينصر مسلماً، ولا تبقى قضايا المسلمين قضايا مترابطة، وعندها تسقط الأمة في وحول المذهبيات والطائفيات والقوميات والحساسيات والكراهية المتبادلة. لا نقبل بذلك ويجب أن نبرهن أنّ مصير شعوب المنطقة واحد وأنّ تحالف الخير سيكسر تحالف الشيطان، ولو كان قرنه قوياً، فمَنْ يتوكل على الله، فهو حسبه!