حذار مخطط «إسرائيل» وأميركا لتصفية القضية
جاك خزمو
لا بدّ من الاعتراف بحصول تراجع كبير في دعم الأخوة القادة العرب، والشعوب العربية، وقادة العالم الإسلامي، للقضية الفلسطينية، إذ كانت ماضياً، وقبل عشرات السنين، القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية. قد نتساءل: من المسؤول عن هذا التراجع الملحوظ والكبير؟ هل نحن الفلسطينيين، أو القادة العرب، أو المعطيات الدولية وأهمها أن العالم كلّه يعيش أزمة «أخلاق كبيرة» إذ كنّا وما برحنا في عصر الغاب؟
قد نتحمل نحن المسؤولية لأننا أردنا أن يكون قرارنا الفلسطيني مستقلاً، وقبلنا باتفاق «أوسلو»، وكنا السبب في انفتاح بعض الدول العربية على «إسرائيل»، إذ أعددنا الارض الخصبة لذلك. وساهم القرار الفلسطيني المستقل في ابتعاد غالبية قادة العرب، وساهم في تخليهم عنا، والتنصل من مسؤولية حل القضية الفلسطينية، وتركوا لنا أعباء كبيرة في مواجهة «إسرائيل» وصلفها وتعنتها، وسياستها الاستيطانية التوسعية، إلخ.
يتحمّل العرب يتحملون أيضاً المسؤولية فبعضهم لهث وراء التطبيع مع «إسرائيل» إرضاءً لأميركا، وللحفاظ على مصالحهم الذاتية، حتى أن دعمهم للشعب الفلسطيني بدأ يضمحل، وكان الدعم سخيّاً. أما اليوم فهو «بالقطارة»، مع شروط، وبعد إلحاح كبير!
وما حصل للعالم العربي، حصلت نسخة طبق الأصل عنه مع قادة دول مجلس التعاون الاسلامي الذين أقاموا علاقات مع «إسرائيل» ونفضوا أياديهم من هذه القضية، تاركين عبئها وثقلها على الشعب الفلسطيني وحده!
أصدقاء الأمس الذين قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» بعد حرب تشرين 1973، يقيمون اليوم علاقات قوية مع «إسرائيل». وكنا في السابق نحكم ونسيطر على الساحة الدولية لكننا فقدنا اليوم هذا التأثير، وها «إسرائيل» تتوغل في القارة الأفريقية وتحاصر العرب هناك من قلب أفريقيا.
هل يحدث ذلك كله لأننا مقصرون، أو لأن ثمة أسباباً أخرى؟
بلى، هناك أسباب أخرى ساهمت في هذا التراجع الخطير في دعم قضيتنا الفلسطينية العادلة، ومن أبرزها انهيار الاتحاد السوفياتي ووجود قطب عالمي واحد هو الولايات المتحدة التي عملت استناداً إلى مصالحها ومصالح حلفائها، خاصة الحليفة المدللة «إسرائيل»، حتى أن جميع قرارات الأمم المتحدة التي كانت ضد «إسرائيل» والصهيونية والعنصرية شُطبت، أو جمّدت بأكملها، وأصبحت «اسرائيل» الجسر الذي لا بدّ من العبور منه للحصول على دعم أميركي.
عندما كان في العالم قطب واحد، بدأت الأخلاق السياسية والاجتماعية والدولية تشهد انحلالاً وانحطاطاً، وخير مثل على ذلك أن الإدارة الأميركية خدعت العالم وكذبت عليه بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل، فبررت احتلالها له عام 2003. وبحجة الاعتداء الإرهابي على أميركا في 11 أيلول 2001، احتلت أميركا افغانستان. وهذا الانحطاط في الأخلاق أدى الى تدمير دول، والى حدوث فوضى كبيرة في العالم. تصوروا أن «إسرائيل» تشن حرباً على لبنان في تموز 2006، وبعض الدول العربية، بدلاً من دعم لبنان ومقاومته للتصدي لهذا العدوان الواسع الغاشم، أدانت حزب الله وحملته مسؤولية اندلاع هذه الحرب، علماً أنها كانت مخططاً لها «إسرائيلياً» أساساً.
عام 2006 أجريت انتخابات في المناطق الفلسطينية، وفازت فيها كتلة حماس الانتخابية، ورغم اعتراف «إسرائيل» وأميركا بنزاهة الانتخابات إلا أنهما عاقبتا الشعب الفلسطيني على نتائجها بفرض حصار على قطاع غزة. وتمادت أميركا في تصرفاتها اللاأخلاقية من خلال توجيه رسالة ضمانات في نيسان 2004 إلى رئيس وزراء «إسرائيل» آنذاك آريئيل شارون تؤكد فيها دعم أميركا لمطالب «إسرائيل» ومواقفها: لا تنازل عن القدس، لا لإزالة المستوطنات، لا لحق العودة للشعب الفلسطيني، لا للعودة إلى حدود 4 حزيران 1967 إلاّ بعد إجراء تعديل على ذلك.
وها هي تتمادى ضد روسيا التي قبلت بضم شبه جزيرة القرم إليها، بناء على رغبة أبناء القرم، فتفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وتعتبر رأي شعب القرم غير قانوني ومرفوض.
خلاصة القول إن وجود قطب واحد في الهيمنة العالمية، وعدم تحلي هذا القطب بأخلاق رفيعة، وتصرّفه بحرية ضارباً بعرض الحائط سائر القوانين الدولية، ساهم في ما يحدث في هذا العالم من فوضى ودمار.
أليست أميركا مسؤولة عما يعانيه العراق اليوم؟ أليست هي المتآمرة الأولى على سورية وتتحمل مسؤولية ما يحدث فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات؟ ألم تساهم في تقسيم السودان؟ أليست هي التي تخلّت عن زعماء كانوا مرتمين في أحضانها؟
كل ما ذكر معروف، لكن المعطيات الدولية بدأت تتغير، وبدأت أقطاب تظهر على السطح متحدية هذا القطب الاميركي الظالم، ولذلك علينا إعادة حساباتنا ودراسة الوضع مجدداً بعمق وهدوء.
آن الاوان لنعمل مجدداً على إعادة الاعتبار إلى قضيتنا الفلسطينية كي تعود القضية المركزية. وحان الوقت كي نوحد صفوفنا، فلسطينيين وعرباً. ولا بدّ من الحذر من مخطط خطير جداً تعده «إسرائيل» بالتعاون مع أميركا يتضمن تصفية هذه القضية عبر اتفاقات ملغومة تفرض علينا وقد تؤدي الى ترحيلنا عن أرضنا.
الضغوط على شعبنا كبيرة، لكن ثقتنا بقيادتنا كبيرة أيضاً في إفشال هذا المخطط من خلال التمسك بحقوقنا الشرعية كافة، وعدم التنازل عن ثوابتنا الفلسطينية، مهما تكن الظروف والضغوط والمعطيات والأجواء السلبية.
ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيادر السياسي»، القدس المحتلة