الأعمال المصرية تعاني من كيفية المعالجة واستحياء التنفيذ

جهاد أيوب

لم يعد وهج الدراما المصرية بمستوى ما كان عليه سابقاً على رغم الجهود المبذولة، وهي لم تعد تحترم عقول مشاهديها بقدر اهتمامها بعقل البطل ومتطلباته، وبطلها يفقه كلّ مفردات لعبة الدراما، فيتدخل في النص لصالحه، ويحدّد من سيشاركه، ويلفت انتباه هذا وذاك، ويفرض نظرياته الإخراجية، ويحدّد المشاركين معه تمثيلياً وفنياً، والأخطر ما يضعه من شروط قد تربك العمل، وهذا حال كواليس غالبية أعمال السنة.

كما لا تزال الأعمال المصرية تغيّب الرؤية الاجتماعية التي تسبق الحدث في واقعها، وتصرّ على أن تدغدغ المشاعر الوطنية والمصرية من دون داع، على رغم الانفصام الحاصل في المجتمع المصري سياسياً ودينياً. وإذا تطرقت إلى موضوع معيّن تعمل على مبالغات ملّ منها المُشاهد المصري المدرك وجود بدائل في دراما مختلفة كالسورية. وسارع المُشاهد العربي بالهروب منها، فالاختيارات متاحة ومتعدّدة.

الدراما المصرية هذه السنة حاولت الخروج من نفق تعاني منه قبل أزمتها السياسية الاقتصادية الراهنة ولم توفّق. في السابق كانت عقدة النجومية، وأسعار النجوم الخيالية هي التي تتحكم بطبيعة العمل. واليوم زاد على هذه العقد البعد السياسي الاقتصادي والعمل الخليجي، بحيث أصبحت فضائيات دول مجلس التعاون تنتج الأعمال التي تشبهها على أكثر من صعيد، فنافست المصري في لعبة السوق الخليجي، وقلّلت شراءه وعرضه في شهر رمضان، وهذا جعل غالبية الأعمال المصرية تُعرض في مصر وعلى فضائياتها المتعدّدة. صحيح أنّ سوقها كبير وأوسع، لكن سعر الحلقة يتواضع أمام سعرها في الخليج.

وعلى رغم الكمّ الكبير الذي نُفّذ هذه السنة، لم تستطع الدراما المصرية الخروج من عنق الزجاجة المنغمسة فيها، ولم توفق بصناعة حبكة جديدة تبعدها من شيخوخة التكرار، وإيقاف الزمن عند حدود «حدوتة» مكرّرة، و«الجوازة دي مش لازم تتم»، والثأر، والميراث، وأحداث القتل غير المبرّر بحجة الأكشن، وعقدة الخواجة، والإصرار على أن تنفذ المسلسلات قبل شهر من رمضان، وتعمّد السرّية مع أن جميع الوسائل الإعلامية نشرت الخبر، و«هات تربيح جمايل ونق لأن البطل أو البطلة وصلا الليل بالنهار حتى ينجزا العمل»، والنتيجة تكرار و«سلق».

وكي تكون الأفضل والأكثر حضوراً وانتشاراً كما الماضي، أصيبت هذه السنة بالكمّ على حساب كيفية المعالجة. وهذه النقطة وجب الوقوف عندها مطوّلاً، وتحديداً بين المخرج والمؤلف، والاتفاق على وضع رؤية تنفيذية تخدم العمل ككل، وليس حركة البطل ومتطلبانه لكونه صاحب الاسم الكبير.

المشكلة الأهم في الدراما المصرية تكمن في كثرة الاقتباس الذي تقع فيه، ووقعت فيه هذه السنة، وعلى رغم الاعتراف بأن المسلسل أخذ من هناك، أو لا يعترفون بأن فكرته سُرقت من ذاك الفيلم، ولكن هذا لا يبرّر التصرف، وكأن لا مشاكل في الشارع المصري، والجوّ بديع والرقص ربيع والناس «آخر وناسة».

وكذلك، عدم وجود رؤية لتنفيذ قصة جميلة، ولكثرة صراخ البطل، وتعصيبه بمناسبة ومن دونها تضيع الحكاية، وكل الجهود تنطلق من كلاسيكيات إرضاء السوق والمستهلك الخليجي والنجم، والاستخفاف بدور المتلقي المصري من دون إدراك أنه تطوّر، وأصبح يحدّد اختياراته، ويناقشها حتى الرفض، وأن الفضائيات العربية كثيرة. صحيح لا استخفاف بلعبة البطل الذي يأخذ نصف ميزانية العمل كما حصل مع عادل إمام ويحيى الفخراني، وتكتب غالبية المشاهد له، ويصبح النصّ إنشائياً، والحوار إذاعياً، ولا يسمح البطل بأن يخرج من الشاشة الا نادراً. ولكن الدراما جماعية، وفريق عمل، و«الحدوتة» تتطلّب مجاميع فاعلة وليست رفع عتب… هذا ما لم يفهم في الفنّ المصري حتى البرهة، لذلك نستطيع القول إن الدراما المصرية لهذه السنة أصيبت باستحياء التنفيذ والمتابعة كما العهود السابقة.

غريب وعجيب

ومن اللافت اعتماد الدراما المصرية في عناوين مسلسلاتها على أسماء العَلم، أي أسماء شخصية مثل: ونّوس، وأبو البنات، ومأمون، وزينة وعزّ، والغول، وميكي، ودافنتشي، والغراب، والأسطورة، والقيصر، وفيصل، ووعد، والمغني، ويونس ولد فضة، إلى جانب صناعة أجزاء جديدة من أعمال لم تحقق أي نجاح يذكر، ومنها «يوميات زوجة مفروسة أوي»، و«هبة رجل الغراب» مع استبدال إيمي سمير غانم بناهد السباعي.

وإلى جانب ذلك، كانت ظاهرة غريبة تستحق أن نقف عندها، وهي مشاركات أبناء الفنانين في صناعة العمل، ومنهم عادل إمام مع ابنه المخرج رامي إمام، ويحيى الفخراني مع ابنه المخرج شادي الفخراني، ومحمود عبد العزيز مع ابنه محمد كمنتج لمسلسل «رأس الغول»، وهذا يأتي من باب التوفير المالي، أو عدم الايمان بجهود الآخرين، وتعمد الممثل المشهور أن يحدد دوره وحركته كما يشتهي على حساب النص والحوارات.

أما خلافات الفنانين التي انتشرت بشكل عجيب قبل الاتفاق على تصوير الأعمال، وخلال التصوير وبعده، ووصلت إلى الإعلام عن طريق النجوم أنفسهم، وقد يكون محمد رمضان وغادة عبد الرزاق وعمرو سعد، ومحمد منير الأكثر تداولاً، إلى جانب فريق «مأمون وشركاه»، و«المغني»، و«أسطورة»… هي خدعة ترافق الدراما المصرية منذ زمن، وهذا دليل إفلاس ليس أكثر.

ـ «القيصر»، إخراج أحمد نادر جلال، تأليف وبطولة يوسف الشريف، وريهام عبد الغفور، وخالد زكي، وطارق النهري.

يعتبر هذا المسلسل الأكثر مشاهدة في مصر، واستطاع يوسف شريف أن يستثمر نجاحاته السابقة بعيداً عن المشاكل والشوشرة، وقدّم أجمل أدواره. وبالطبع يعيب العمل التطويل، وكثرة الصراخ، وعدم خروج البطل من المربع أي الشاشة.

ـ «رأس الغول»، تأليف وائل حمدي وشريف بدر الدين، إخراج أحمد سمير فرج، بطولة محمود عبد العزيز، وميرفت أمين، وفاروق الفيشاوي، وبوسي، ولقاء الخميس.

اجتماعي ضاحك استطاع أن يحجز متابعة لا بأس بها عربياً ومصرياً، وخفة دم محمود عبد العزيز لا توصف، فنان كبير من درجة التميز، الحوار منه يصبح أجمل، هذا الفنان المبتعد لو يعيد دراسة خطواته الفنية لأعاد مجد الدراما المصرية… وفاروق الفيشاوي متعة في الاداء.

ـ «ونوس» تأليف عبد الرحمن كمال، إخراج شادي الفخراني، وبطولة يحيى الفخراني، وهالة صدقي، وإنعام سالوسة، وحنان مطاوع، ومحمد شاهين، هياتم، محمد الكيلاني.

كوميدي اجتماعي فيه مساحة للخرافة وعدم المنطق، ومع ذلك يؤدي يحيى الفخراني دوره بدراسة وعناية وتفوق، فنان الادوار المركبة، ولو أن الدور أسند إلى غيره لتاه في زحمة الأعمال. يحيى على رغم أهميته هو وعادل إمام ويسرا لكنهم يشكلون عقبة في ابقاء نمطية الدراما المصرية، وعدم تفوقها لأسباب كثيرة ذكرناها آنفاً، ومنها كتابة الحوار بمجمله للبطل الذي لا يغيب عن الشاشة، والأجر الخيالي، وتأدية الدور الواحد بغالبية مراحله.

ـ «مأمون وشركاه» تأليف يوسف معاطي، إخراج رامي إمام، بطولة عادل إمام، ولبلبة، ومصطفى فهمي، وتامر هجرس، وخالد سليم، وريم مصطفى، وخالد سرحان.

لا جديد على صعيد الدراما المصرية، مواقف مقحمة في «حدوتة» مكرّرة، وتجميع قصص مألوفة لم تعد تليق بإمام، ولم يستطع العمل ككل الخروج من معالجة درامية محددة ومقيدة بالبطل من دون تداعيات مهمة. وعادل إمام يطلّ للسنة الخامسة مع الفريق ذاته وهذا ليس خطأ إذا كان الفريق منسجماً، لكننا لم نشاهد أيّ تطوّر لا في الإخراج البعيد عن الرؤية، ولا في زوايا التقاط مشاهد البطل عادل المكرّرة والنمطية شكلاً ومضموناً. أما لبلبة، فهو العمل الثاني الذي تلعبه مع إمام بعد «صاحب السعادة». إمام يصرّ أن يكون كل المسلسل والباقي مجرّد كومبارس، إضافة إلى أن أدواراً كهذه لم تعد له، ولا يستطيع أن يضيف إليها، هو أصبح نمطياً يكرّر ذاته وحركاته. كنا قد دعوناه إلى تقديم التراجيديا بعيداً عن الكوميديا التي تتطلب جهداً شبابياً كبيراً، واليوم نعاود الفكرة والدعوة حفاظاً على ما تبقى له من وهج.

لبلبة فنانة مجتهدة، ومحببة لكنها بالغت في تجسيد دورها حتى غابت عن الاقناع، كانت تمثل والتمثيل يحتاج إلى عفوية، والعجيب أن تكون عجوزاً منهكة وفجأة تصبح رشيقة لم يمر عليها الزمن والتعب.

ـ «أفراح القبة»، إخراج محمد ياسين عن رواية الاديب نجيب محفوظ، سيناريو نشوى الزايد، بطولة جمال سليمان، ومنى زكي وسوسن بدر، وإياد نصار.

ليس مهماً أن يكون كاتب القصة أديباً مشهوراً، المهم كيفية صناعتها لتصبح عملاً درامياً صالحاً للمشاهدة. كما أن هذه الرواية لم تجد النجاح حينما أصدرها محفوظ، على رغم أنني أعتبرها على الصعيد الشخصي أفضل رواياته، ومع ذلك الأدب المكتوب يختلف عن النصّ التلفزيوني. من هنا جاء العمل ركيكاً، شخوصه كرتونية لا حسّ فيها ولا حياة. حاولت منى زكي أن تكون مختلفة لكنها بالغت كثيراً، ووقعت في تقليد السندريلا سعاد حسني، أما جمال سليمان فدوره أقل من عادي، ولا يتطلب الجهود، والغريب في العمل عدم انسجام الحوارات مع طبيعة المشاهد وكأن انفصاماً قد وقع. عمل متواضع أخذ شهرة إعلامية وإعلانية كبيرة، ولكن عند الامتحان تختلف المكرمة والهوية.

ـ «فوق مستوى الشبهات» تأليف هبة مشاري حمادة، بطولة يسرا.

ـ «أبو البنات»، إخراج رؤوف عبد العزيز، وتأليف أحمد عبد الفتاح، بطولة مصطفى شعبان، وصلاح عبد الله، علا غانم، هنا شيحة، عبد الرحمن أبو زهرة، هشام اسماعيل. العمل تعرض لخضات كثيرة، وكاد يؤجل عرضه هذه السنة، ومع ذلك مشكلته تكمن في أن الرائعة يسرا تخطّت هذه النوعية من الأعمال والادوار، عليها أن تتروى بالاختيارات المقبلة، وتقوم بجلسة مصالحة مع المرحلة الجديدة من عمرها، وطبيعة الدور الذي يناسبها، نحن هنا لا ننتقدها لكون العمل ليس مكتملاً، والفوضى في تركيب المشاهد والحوارات الركيكة غاية لا يحسد فريق العمل عليها، أما الاخراج فكان همه التقاط المشهد ليس أكثر، نحن هنا نرغب بالمحافظة على فنانة مهمة اسمها يسرا وجب أن تبقى في القمة بشرط أن تعرف هي قدر ما وصلت إليه سابقاً.

ـ «هي ودافنتشي» تأليف محمد الحناوي، إخراج عبد العزيز حشاد، بطولة ليلى علوي، وخالد الصاوي، ومنى سليم، وإنجي أباظة، وريم هلال وتيم عبده، وأحمد سعيد عبد الغني.

ليلى علوي هي الحدث، وهي المسلسل، رشاقة، جمال، أناقة واداء جميل، ولكن العمل مضطرب، مشوش غير منهجي، يفتقد الرؤية ولا نعرف لماذا كل هذه الثرثرات والمبالغات… عمل كوميدي شكلاً وفارغ مضموناً، فقط المتعة في مشاهدة ليلى علوي التي تصغر وتصبح أكثر جمالاً مع الزمن.

ـ «المغنّي»، إخراج شريف صبري، وسيناريو أحمد محيى ومحمد محمدي، بطولة محمد منير، ورانيا فريد شوقي، وميريهان حسين، وساندي، ومحمد عادل.

عمل غير مقنع، وصاحبه يفرض علينا قصته فرضاً، علماً أن اختلاف وجهات النظر مع محمد منير فرضت تغيير أكثر من كاتب، وكان واضحاً الإرباك في العمل ككل، ولا ندري الغاية من سرد قصة منير وهو على قيد الحياة وأمامه المشوار الطويل، وربما حدثت معه أمور أهمّ مما ذكره المسلسل. وأهم من الاقحامات الدرامية التي زرعت هنا وهناك من دون طائل، ومن دون نجاح العمل. قد ينزعج محمد منير من هذا الكلام، وهو الذي أحاط العمل بهالة إعلامية ضخمة، ولكن النتيجة مجرّد عمل فنّي بعيد عن لعبة الدراما، والسيرة الذاتية مقحمة ومزعجة. الجميل في العمل ما غنّاه محمد منير.

ـ «الخانكة»، تأليف محمود دسوقي، إخراج محمد جمعة، وبطولة غادة عبد الرزاق، ومشيرة اسماعيل، وماجد المصري، ونهى العمروسي.

المشاكل التي حاصرت هذا العمل لا تعد، وخلافات غادة مع المؤلف أو المخرج بسبب تدخلاتها كادت توقف العمل أكثر من مرة. غادة ممثلة جيدة، ولكن عليها بعد هذا العمل أن تشارك في أعمالها نجوم الصف الأول لضمان استمرارية النجاح. الغرور يقتل موهبة الفنان، ويجفف وهج حضوره. أما على صعيد التمثيل في «الخانكة»، فنستطيع القول إنه مسلسل الصراخ، والتعصيب. وغادة، وغير ذلك ليس مهماً، العمل مكتوب للبطلة، والبطلة تصرّ أن تكون الاقوى، والعمل ليس قوياً، ولم يكتب له التفوق والنجاح.

ـ «يونس ولد فضة»، تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج أحمد شفيق، ومن بطولة سوسن بدر، وعمرو سعد، ومحمد التاجي، وسهير الصايغ، وريهام حجاج.

من أفضل الأعمال المصرية لهذا الموسم، غنيّ بالاداء، وسيناريو مكتوب بخبرة وجمالية لكل المشاركين، أما سوسن بدر فهي فعلاً قديرة، وتؤدّي باتّزان وبسهولة الإقناع، هذا العمل حقق نسبة عالية من المشاهدة، وسيستمر بالنجاح بعد أن يوزع على الفضائيات العربية بعد رمضان.

ـ «غراند أوتيل»، تأليف تامر حبيب، إخراج محمد شاكر خضير، بطولة عمرو يوسف، ودينا الشربيني، وسوسن بدر، ورجاء الجداوي، وشيرين، ومحمد ممدوح، وأحمد داود. من الأعمال المشغولة فنّياً بإتقان، ويحتاج إلى وقفة نقدية مستقلة ومطوّلة لأعطاء العمل والممثلين حقهم. وكذلك بالنسبة إلى مسلسل البوليسي «الخروج»، تأليف محمد الصفتي، وإخراج محمد جمال العدل، وبطولة شريف سلامة، أحمد كمال، وسلوى محمد علي، وإنجي أبو زيد. هو من الأعمال الجيدة إخراجاً ونصّاً وحبكة درامية وتمثيلاً.

ـ «يوميات زوجة مفروسة أوي»، بطولة داليا البحيري. العمل في الجزء الأول لم يحقق النجاح، وأصرّ الانتاج أن يكون له جزء آخر، والنتيجة مضيعة للوقت، ولا يستحق المتابعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى