التوقيت السياسي للهجوم الإرهابي في اسطنبول
حميدي العبدالله
التوقيت السياسي لتنفيذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطار أتاتورك في اسطنبول، وأدّى إلى مصرع 36 شخصاً وإصابة أكثر من 160 شخص آخر بجراح، كان في مصلحة الجهات التي خططت ونفذت الهجوم.
الاعتداء الإرهابي جاء بعد مرور ساعات قليلة على تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب وبين أنقرة وموسكو. كما أنه جاء بعد ساعات قليلة من تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء التركي وتحدّث فيها عن سعي أنقرة لتحسين علاقاتها مع دول جوار تركيا، وليس فقط مع الكيان الصهيوني وروسيا.
بديهي أنّ خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وزعماء حزب العدالة والتنمية صوّرت هذان الطرفان، أيّ روسيا والكيان الصهيوني في فترة سابقة على أنهما عدوان. تل أبيب بسبب حصارها لقطاع غزة وقتل 9 أشخاص أتراك كانوا على متن السفينة «مرمرة» التي ذهبت لفك الحصار على غزة وتضامناً مع أهاليها.
أما الحملات التي استهدفت روسيا، فعلى الرغم من أنها وصلت إلى مستوى غير مسبوق بعد إسقاط الطائرة الروسية، إلا أنها سبقت ذلك، حيث هاجم حزب العدالة والتنمية وأجهزة إعلامه روسيا لمساندتها سورية في مواجهة الإرهاب، وفي مواجهة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية السورية. إضافةً إلى كلّ ذلك نظّم حزب العدالة والتنمية حملات متواصلة يزعم من خلالها انه لن يتخلى عن دعم شعوب المنطقة في مواجهة حكامها، واستناداً إلى ذلك لم يعاد الدولتين السورية والعراقية وحسب، بل أيضاً وقف ضدّ دول أخرى مثل مصر. وقد خلق كلّ ذلك رأياً عاماً مؤيداً لحكم حزب العدالة والتنمية القائم على الدعاية التي تناهض الكيان الصهيوني وتدعو إلى فك الحصار عن قطاع غزة، وشجب دعم روسيا لسورية في مواجهة الإرهاب، ومعاداة مصر بذريعة التضامن مع «النظام الشرعي» الذي كان يمثله الرئيس المخلوع محمد مرسي، إضافة إلى وقوفه مع الإرهابيين ضدّ الحكومتين السورية والعراقية.
فجأة وفي غضون أقلّ من أسبوع يسمع الرأي العام التركي الذي حقنه حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكلّ هذه الأفكار والمفاهيم والشعارات، تخلياً عنها من قبل الحكومة التركية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني من دون الحصول على ما كانت تضعه شروطاً لتحقيق عودة العلاقات إلى وضعها قبل الهجوم «الإسرائيلي» على سفينة «مرمرة»، ويعتذر أردوغان خطياً للرئيس الروسي عن إسقاط الطائرة، ويعلن رئيس وزرائه استعداده لتحسين علاقات تركيا مع دول البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود بما في ذلك مصر، الأمر الذي شكل توقيتاً سياسياً يبرّر لأيّ جماعة الخروج عن انعطافة الرئيس التركي الجديدة واتهامه بالخيانة.
قد لا تكون هجمات مطار أتاتورك وليدة هذه اللحظة، ولكن توقيتها السياسي يصبّ في مصلحة الإرهابيين وليس في مصلحة أردوغان.