جنبلاط: استراتيجية «صفر مشاكل»
يوسف المصري
أمام النائب وليد جنبلاط فرصة زمنية تمتدّ حتى نهاية هذا الصيف لإثبات أن دوره «كبيضة قبان» صالحة للمرحلة الجديدة. ثمة من يؤكد داخل محيطة أن هذه المعلومة وصلت إليه من قبل غير دولة خارجية… وكتطبيق لها، يمارس جنبلاط منذ أسابيع عدة سياسة انفتاح على جميع أطراف الساحة اللبنانية، تحت عنوان أنه يعمل لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة الأزمة العالق فيها منذ نحو ثلاثة أشهر. ومؤخراً زار جنبلاط السيد حسن نصر الله ويستمر بالوقت عينه بحوار مباشر أو بالواسطة مع الرئيس سعد الحريري، والتقى قائد الجيش العماد جان قهوجي بعد انقطاع قاربت قطيعة نفسية، ولم ينس الذهاب إلى الرابية ليهدي زعيمها الجنرال ميشال عون كتاباً، ولا أيضاً بنشعي. هذا إضافة إلى أن كواليس الصالونات السياسية اللبنانية مليئة هذه الأيام بأخبار موائد العشاء البعيدة عن الأضواء التي تجمع جنبلاط مع قادة أحزاب البلد على مختلف مشاربهم، كل على حدا. أما صلته برئيس مجلس النواب نبيه بري فهي تتعدى كونها موسمية.
وفي قرارة أعماق جنبلاط يوجد بحسب مصادر مقربة ثلاثة هموم أساسية في هذه المرحلة، تفسر سر نشاطه المكثف:
أولها قناعته بضرورة أن عليه بذل الجهد المناسب واللازم لهندسة عهد رئاسي جديد توجد فيه بصمات وزنه كقوة وسطية مقبولة من طرفي الصراع في لبنان. وهذا ما يحدوه إلى اتباع استراتيجية «صفر مشاكل» في علاقاته مع كل محيطه السياسي اللبناني. وأصل هذه الفكرة تعود للنصيحة الآنفة إليه، ومفاده أنه ليس مضموناً أن يستمر دوره في المقبل من الزمن بيضة قبان نتيجة ما اعترى البلد والمنطقة من تغيرات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
الهم الثاني وهو أكثر من جدي يتعلق بخشية جنبلاط من أن يكون لإرهاصات الأحداث المذهبية الجارية في منطقة جبل الشيخ القريبة من الجولان بين سنة سورية ودروزها، استتباع لها داخل لبنان، خصوصاً أن التوزع المذهبي الموجود في تلك المنطقة في سورية لديه نفس التوزع في المنطقة المحاذية لها في لبنان.
ويبدو أن هذا الهم له جردة حساب طويلة ودقيقة عند سيد المختارة. فمن ناحية لا يريد جنبلاط للدروز أن يكونوا وقوداً داخل مرجال التوتر السني الشيعي، لإدراكه بأن ذلك يقود لإلحاق كارثة بهم. وبنفس الوقت هناك سؤال طالما ووجه لجنبلاط من «نادي دول أصدقاء الشعب السوري»، مفاده أنك تطرح نفسك زعيم دروز المنطقة وليس فقط زعيم دروز لبنان، فأين إسهامك في جعل دروز السويدا والمناطق الأخرى السورية ينخرطون في القتال مع «الثورة السورية» ؟؟ .
وقرر جنبلاط بمواجهة إحراجه بين فكي معادلة «خوفه على الدروز من كارثة» وخوفه من «تراجع أهميته التمثيلية الإقليمية»، أن يتبع أسلوباً يحتار في تفسيره البعض، وهو إبداء تقارب كبير في لبنان مع حزب الله مع بقائه على موقفه المعادي بشدة للنظام السوري. وكل هم جنبلاط من وراء موقفه هذا، هو ضمان توازن «لا يفني الدروز» ولا يقيض «قيمته الاستراتيجية» كزعيم لطائفته عابر لحدود لبنان.
الهم الثالث خاص وله صلة باستدامة زعامة المختارة، وضمان انتقال الوراثة منه إلى تيمور. ويتوقف المقربون منه في هذا المجال، عند نقطة في تصرفه يعتبرونها أكثر من مقصودة وتؤشر إلى ذكائه الحاد في تقليب حسابات المعادلات المقبلة: فجنبلاط في زيارته هذا الأسبوع إلى الوزير سليمان فرنجية أوثق حلفاء الرئيس بشار الأسد، تقصد أن يصحب معه نجله تيمور بمقابل أن الأخير دعا نجله لحضور اللقاء. والسبب الضمني الذي دفع جنبلاط لاصطحاب تيمور للقائه مع فرنجية، هو ذات السبب الذي جعله غير مرة يكلف نجله بتمثيله في حضور احتفالات مركزية لحزب الله يكون فيها السيد حسن نصر الله خطيباً. فجنبلاط يريد من تطير رسالة تفيد بأن تيمور مستعد ليمد يد الصداقة في الوقت المناسب لسورية الأسد على رغم خلافي الحالي معها، تماماً كما أنني صافحت الرئيس حافظ الأسد متجاوزاً خلافه آنذاك مع والدي.
وقصارى القول إن حسابات جنبلاط في هذه المرحلة التي تقوم فيها سياسته على نظرية «صفر مشاكل» مع الآخرين السياسيين، لا تلحظ فقط مصالح دوره في العهد الرئاسي الجديد الذي يسعى لإنتاجه، بل هي تنظر بعيون ثاقبة إلى مصالح نجله في مراحل صعبة مقبلة يستشرفها منذ الآن.