أردوغان والرهان الخاسر…

العمري مقلاتي

في خضمّ الأحداث الجارية في سورية العروبة والكفاح كان الأوْلى بدين وأخلاق وضمائر وإنسانية كلّ حكام الدول العربية ودول الجوار أن تتكتل وتؤازر سورية في محنتها مساهمة منها في ذلك بإقرار السلم والمصالحة والحوار والخروج بهذا البلد الشقيق إلى برّ الأمان بدلاً من صبّ الزيت على النار والتسابق على عسكرة الأزمة لصالح طرف على الأخر.

تساؤلات عديدة تطرح نفسها اليوم… لماذا يساند هذا التيار أولئك الذين فقدوا كلّ ضمير حي وخانوا أوطانهم وباعوا أنفسهم من أجل مصالح زائلة ودراهم معدودة. إذ تعتبر تركيا أردوغان مثالاً حيّاً على ذلك. أردوغان الذي لم يتوان منذ بداية الأحداث في سورية عن تأجيج الصراع وتقديم الدعم اللا محدود لكلّ المسلحين الوافدين من مختلف أصقاع العالم، هذا التعاون الوثيق بين حكومة أردوغان وما يسمّى المعارضة السورية لم يعد يخفى على أحد من المتتبّعين ومن شرفاء الأمة العربية، التي قدر لها أن تعيش المحن تلو الأخرى.

صاحبنا رجب طيب أردوغان الذي طالما تغنّى ونادى بتطبيق الديمقراطية المزعومة في سورية تناسى هو الآخر ما قامت به سلطات بلاده من مضايقات وفك احتجاجات أبناء شعبه في ساحة «تقسيم» بالهراوات والغاز المسيل للدموع مع اعتقال النخب من دكاترة ورجال القانون، واصفاً إياهم بالمخرّبين والغوغائيين الذين تحرّكهم أياد أجنبية، ليزيد الطين بلة تطبيعه الشامل مع كيان العدو الصهيوني كاشفاً بذلك وجهه الحقيقي أمام الجميع ومع توالي هذه الأحداث فالعدّ التنازلي قد بدأ فعلياً وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فالشعب التركي أدرك أخيراً حجم تآمر وانجرار حكومته في مستنقع الدم السوري والذي حتماً ستترتّب عليه نتائج وخيمة ستطال كلّ الشركاء في سفك الدم السوري وما تشهده تركيا هذه الأيام من تذمّر للطائفة الكردية بخصوص الوضع المأساوي في مناطق الأكراد زيادة على التصريحات الأخيرة لنائب الرئيس الأميركي جون بايدن والذي اتهم فيها صراحة حكومة أردوغان بتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية المتطرفة، لخير دليل على ذلك، والدور سيتوالى حتما على ما تبقى من هذا المحور… محور الإنبطاح والخذلان.

أردوغان الذي كان متحمّساً جداً لتدخل قوات الحلف الأطلسي في ليبيا عمر المختار تحت مسمّى «الربيع العربي» آنذاك، أراد دعم وتكرار هذا السيناريو الدامي في سورية قصد تمرير مشروع «الشرق الأوسط الجديد» فوق جثث الأبرياء، هذا مما تسبّب في تراجع شعبيته في العالمين العربي والإسلامي إثر تعاونه الوثيق والمتميّز مع الأعداء التاريخيين للأمة العربية.

إنّ سياسة الكيل بمكيالين والتحالف مع قوى الشرّ والتدخل الغير أخلاقي في الشأن العربي عموماً والسوري بشكل خاص لن تؤتي ثمارها ومآلها الفشل والخيبة والخسران المبين.

أردوغان الذي لم يحرك ساكناً حين كانت قوات العدو الإسرائيلي تمطر ركاب سفينة «مرمرة» بوابل من رصاص الحقد الدفين، تراه اليوم تغيّر 180 درجة وأقدم بشكل مهين على التطبيع مع «إسرائيل»، وبذلك تسقط كلّ أوراق التوت التي كانت تغطي غابة النفاق السياسي المعتمدة من طرفه، وتناسى هذا الأخير ضلوعه المباشر في الأحداث الجارية في قلعة العروبة سورية ولبس ثوب الواعظ والمدافع عن الحريات، متناسياً الدور الريادي لسورية في الوطن العربي وما قدّمته من تضحيات طوال أجيال للحفاظ على الأرض والعرض ودفاعاً عن شرف الأمة العربية.

إنّ دماء السوريين ستبقى في أعناق كلّ هؤلاء الذين تأمروا وغرسوا في شباب هذه الأمة ثقافة الانبطاح والخنوع والرجوع إلى الوراء. سورية مهد الحضارات وقلب العروبة النابض لن تركع اليوم كما لم تركع طوال تاريخها المجيد وستبقى قلعة حصينة للصمود والتحدّي ومحجاً لكلّ الشرفاء.

كاتب وصحافي جزائري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى