«داعش»… إلى أين؟
د. إبراهيم علّوش
إلى أين تذهب «داعش» بعدما رسمت لها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية خطوطاً حمراً على تخوم المناطق الكردية؟!
على الأرجح سوف تفيض «داعش» جنوباً وغرباً في اتجاه بغداد وحلب، ولن تكون إدارة أوباما أو حلف الناتو معنيّةً بالتدخل ضدها هناك، باستثناء بعض التصريحات، وربما تستلقي باسمةً بسمةً صفراء في انتظار نداءات الاستغاثة المطالبة بـ«تدخل المجتمع الدولي»، أي تدخل الناتو، لحماية سورية والعراق من إجرام «داعش»… فإذا حدث مثل هذا، سيكون الوقت قد حان لفرض تنازلات سياسية في سورية والعراق ترضي الولايات المتحدة، وإذا لم يحدث، فلتدمر «داعش» الهلال الخصيب، ولتذبح أهله وتهجرهم وتنهبهم إلى ما شاء الله… ولتأتِ «اللحظة الأميركية» إلى المنطقة المنهكة الغارقة بدمائها متأخرة قليلاً، لا يهمّ…
لمحافظة الأنبار العراقية حدودٌ طويلة مع السعودية والأردن، ومع محافظتي دير الزور وحمص في سورية، وليست زيارة أبو بكر البغدادي لبلدتي راوة والقائم غرب الأنبار بلا معنى في هذا السياق، في حين يبدو أن التقدم شمالاً، عبر البشمركة المدعومة غربياً، متعذرٌ، وأن التقدم شرقاً، بعد ديالى، التي تسيطر «داعش» على أجزاء منها، يضع «داعش» وجهاً لوجه مع إيران، من دون أن يمنع ذلك محاولة السيطرة على بعقوبة وبقية محافظة ديالى ضمن استراتيجية تطويق بغداد وصولاً إلى إسقاطها.
حتى لو كان زومبيّو «داعش» بلا ذرة عقلٍ أو ضمير، فإن المعارك التي خاضتها قوات «الدولة» حتى الآن تدل على أن ثمة تخطيطاً عقلانياً ما للعمل العسكري، على المستوى العملياتي تحديداً، ومنه كيفية توظيف العناصر الانتحارية تكتيكياً كعناصر صدمة معنوية تستخدم في الآن عينه كرأس حربة لفتح ثغر متعددة في محيط دفاعات المواقع المحصنة التي تستهدفها «داعش»، كما في دير الزور مثلاً. إذن، لا بد أن القائمين على مثل هذا التخطيط يدركون أن مناطحة الجدران الأكثر صلابةً شمالاً وشرقاً يجب أن تؤجل إلى مرحلة «تمكين» أمتن، فخاصرة وسط العراق وشرق سورية أقل صلابةً الآن، ولذلك يمثل استكمال السيطرة عليها هدفاً استراتيجياً أكثر جدوى وأقل كلفةً. كأن الأميركيّين الذين يعرفون أن الضربات الجوية الناعمة لا تحسم معركة يريدون توجيه «داعش» في ذلك الاتجاه، على ما سبقت الإشارة.
لكن تعزيز السيطرة على محافظة الأنبار مثلاً يفتح خيارات تمدد «داعش» في اتجاه الأردن والسعودية. وسبق أن وصلت «داعش» إلى الحدود الأردنية مع الأنبار قبل أسابيع، عند معبر طريبيل، واختبرت المياه، ثم قفل المئات من مسلحيها عائدين في اتجاه الرطبة في الأنبار، حيث دخل سلاح الجو السوري لضربهم بقسوة هناك، وتتموضع «داعش» على بعد نحو مئة كيلومتر من السعودية حالياً، مع أخذ المد والجزر في مسرح العمليات في الاعتبار.
المهم أن الأنبار هي بوابة «داعش» للأردن والسعودية، ولا شك في أن تعزيز سيطرة «داعش» على الأنبار، إذا تحقق، سيجعل من النظامين السعودي خاصة، ثم الأردني، «عدوين قريبين» أولى بالقتال من العدو البعيد، بحسب «فقه الجهاد» لدى «القاعدة» و«داعش» الذي أوصلهما إلى ترك التناقض مع الإمبريالية والصهيونية لأجل تفجير المجتمع واستهداف الدول والجيوش العربية. ويمكن أن نستنتج من دون كبير عناء هنا أن حراك العشائر السنية في الأنبار ضد «داعش» مدعوم أردنياً وسعودياً بالضرورة، في محاولة لاحتوائها بعيداً عن حدودهما قدر الإمكان. لكن ماذا لو قررت «داعش» إغلاق بعض جبهاتها الشمالية والشرقية وتوجيهها نحو الأنبار، قبل أو بعد محاولة السيطرة على بغداد وحلب؟ كم ستصمد تلك العشائر عندئذ في وجه «داعش»؟ وكيف نفهم تدخل سلاح الجو العربي السوري في الأنبار الشهر الفائت، تبعاً لإصرار وزارة الدفاع الأميركية، في هذا السياق؟
كان لافتاً تصريح السيد حسن نصرالله في الجزء الثاني من مقابلته مع جريدة «الأخبار» قبل أيام أن قطر وتركيا تدعمان «داعش» وأنه مقتنع بخشية السعودية منها. ومن المؤكد أن مثل هذا الكلام لا يصدر خبط عشواء عن السيد حسن الذي لطالما عُرف باتزانه وهدوئه وبعد نظره، خاصةً في اللحظة التي «ظهر» فيها أن قطر قد تكون أقرب إلى إيران من غيرها. فإعلان «دولة الخلافة» من الموصل يسحب المشروعية من النظام السعودي أكثر حتى من دولة «الإخوان» في مصر. والسعودية التي قامت مشروعية نظامها على الوهابية باتت تعتبر مرتدةً عنها من قبل «القاعدة» وبناتها وحفيداتها. وإذا كانت لعبة استخدام الوهابية كأيديولوجيا لشرعنة السلطة السياسية لآل سعود في المملكة اصطدمت أكثر من مرة من قبل بالغول الوهابي الذي أطلقته المملكة ومنه الصدام العسكري بين السعوديين والوهابيين في معركة السبلة عام 1929 ، والذي يحظى باحتياطي شعبي كبير، فإن انفلات «دولة الخلافة» على السعودية، واتصالها بقواعد الوهابية هناك، سوف يورط السعودية في معارك لا نهاية لها، ويمهد لتفكيكها، وهو مخطط أميركي-صهيوني معروف بدوره، سوف يشغلها عن محور قطر-تركيا-«الإخوان» طويلاً، الذي بات يصارع لأجل البقاء بعد أفول دولته في مصر، «متعربطاً» بيديه وقدميه بورقة القضية الفلسطينية أيضاً كأنها ملكية حصرية له.
إذا صح ما سبق، فإنه يخلق بالضرورة نقاط تقاطع إيرانية-سعودية جزئية في الإقليم، وإمكانات انفراج نسبي من العراق إلى لبنان، مروراً بسورية، وغطاءً جزئياً لتحسن العلاقات المصرية-الإيرانية، والسورية-المصرية، وحتى السعودية-الإيرانية، من دون أن يلغي ذلك ثبات التناقض الجغرافي-السياسي بينهما، المتلفع بأردية طائفية وقومية وغيرها.
أمامنا الآن احتمال انقضاض «داعش»، بعد ارتدادها عن مناطق الأكراد، على: 1 بغداد، 2 حلب، 3 السعودية عبر الأنبار، و4 الأردن عبر الأنبار، وليس بالضرورة بهذا الترتيب تماماً أو بتسلسله. ومن يظن أن الأميركيين لن يسمحوا لـ«داعش» بدخول الأردن خوفاً على الحدود الطويلة مع العدو الصهيوني، نقول إن المنطقة الشرقية من الأردن، المحاذية للسعودية، قد لا تكون خطاً أحمر أميركياً.