دعوة للخروج من أوهام الحمايات والمظلّات
علي بدر الدين
منذ بداية الاستهداف الإرهابيّ التكفيريّ المدعوم من محاور وأحلاف إقليميّة ودوليّة لسورية، ولبنان لم يغبْ عن «أجندة» المشاريع الإرهابيّة المرحليّة أو الاستراتيجيّة ولا عن خريطة أهدافها المُعلَنة والخفيّة، وهي لم تستثنِ يوماً طائفة أو منطقة أو حزباً لبنانيّاً بعينه، وإنْ أوحت بمواقف ملتوية ومتلوّنة وتمويهيّة بإبعاد أو استثناء بعضها مرحليّاً عن ضرباتها الانتحاريّة بالأجساد أو السيارات، غير أنّ الواقع يدحض هذه الإيحاءات، لأنّ الإرهاب الذي يستهدف لبنان لا يميّز بين اللبنانيّين أو مناطقهم أو انتماءاتهم الدينيّة وتوجّهاتهم السياسية. وبلدة القاع البقاعيّة المسيحيّة كانت ميدان إجرامهم، وهي في القياس الطائفيّ تخلو من مذاهب وأحزاب وقوى يُفترض أنّها الهدف وأنّها المقصودة في كلّ عمليّة إرهابيّة على الأراضي اللبنانيّة، وهي تعرّضت لعمليّات انتحاريّة مزدوجة التوقيت، وبعدد الانتحاريين غير المسبوق، وبأسلوب ربما غير معتاد يُظهِر مدى الحقد الإرهابيّ التكفيريّ على البلدة وأهلها، وعلى تاريخها المتآخي والمتآلف مع مثيلاتها البلدات البقاعيّة المتنوّعة الانتماء الطائفيّ والمذهبيّ. ولكن قوى حزبيّة طائفية كالقوّات اللبنانيّة وملحقاتها، أبدت مواقف سياسيّة طائفيّة من خارج النص الوطنيّ العام وكأنّها فوجئت باستهداف الإرهابيّين لبلدة القاع، وكأنّها خارج لبنان أو في كوكب آخر، أو كأنّها تعيش في جزيرة نائية بعيدة عن المشاكل والأزمات مُصانة ومحصّنة من كلّ التداعيات والإرهاب الذي يضرب العالم والمنطقة ولبنان في صلبهما، وهو القويّ بشعبه وجيشه ومقاومته، وليس القوي بضعفه أو في انغماس بعض مكوّناته في مشاريع سياسيّة أو محاور عربيّة أو إقليميّة شكّلت عوامل رئيسيّة للواقع السياسي السيّئ والرديء بامتياز، الذي يشهده لبنان.
فالقاع بلدة لبنانيّة بامتياز، وأهلها لبنانيّون أباً عن جد، ومسيحيّتها، وتحديداً في البقاع، قيمة مضافة إلى منطقة البقاع، وقد حظيت برعاية واهتمام الإمام السيد موسى الصدر إبّان الحرب العبثيّة الأهليّة في العام 1975. وما يصيبها يصيب المنطقة بأكملها، ولا يمكن التعاطي معها باستثنائيّة أو تمييز وكأنّها بحاجة إلى العطف، وهذا ما أشّرت إليه كثافة المواقف والزيارات غير المسبوقة إلى أيّ منطقة أو بلدة أصابها الإرهاب وسقط فيها مدنيّون وعسكريّون شهداء على مذبح الوطن، والواجب الوطنيّ يقتضي في أزمات المحن والشدائد الوقوف إلى جانب الأهالي الذين فقدوا الأحبة وخسروا الممتلكات وجنى العمر، كما في أزمات السّلم حيث المسؤوليّة أيضاً مضاعَفة، وتستدعي مساعدة الناس من خلال إعطائهم حقوقهم الخدماتيّة والحياتيّة في الكهرباء والماء والإنماء والطبابة والتعليم.
ما أعقب العمليّات الإرهابيّة من استعراضات مدنيّة ونيابيّة مسلّحة، ومواقف ليست في وقتها وأوانها، تؤشّر إلى أنّ القاع لا تشبه غيرها من البلدات البقاعيّة التي هي هدف يوحي للإرهاب، وهذا خطأ وخطير، لأنّ لبنان بكلّ مكوّناته وطوائفه ومذاهبه ومناطقه هدف للإرهاب، وعلى بعض الأفرقاء السياسيّين والحزبيّين الخروج من دائرة الدلال السياسيّ والغنج الطائفيّ والاعتقاد الخاطئ والوهميّ أنّه على العالم بأسره أن ينتفض من أجلهم. هذا العالم الذي بات أسيراً لهذا الإرهاب الآخذ في التمدّد وقد ضرب دولاً أوروبية في عقر دارها وفي مطاراتها وشوارعها المكتظة، وهي تبحث عن طوق نجاة من هذا الإرهاب الذي إمّا دعمته وإمّا صمتت عنه أو غضّت الطرف، حتى استفحل وتحوّل إلى ضيف دمويّ ثقيل تجب مواجهته واستئصاله.
لا خيار أمام القوى السياسيّة والحزبيّة التي تنشط بعد كلّ حدث أمنيّ بفعل الاستهداف الإرهابي، وترمي بأطنان من المواقف والتصريحات الإعلاميّة بعد صمت مطبق وعجز قاتل، ما دامت تملك هذه الطاقة من الكلام، لمَ لا تُقدِم على معالجة الأسباب وتخفيف الأعباء والإمساك بزمام الأمور والمبادرة من أجل تحقيق الحدّ الأدنى المطلوب لحماية لبنان وصونه من التحدّيات والاستهدافات والإرهاب؟ ولماذا لا تتحمّل مسؤوليّاتها وتُنجح الحوار، وتنتخب رئيساً للجمهورية، وتطوّر قانون الانتخاب، وتفعّل عمل الحكومة ومجلس النواب، وتوقف الفساد المستشري ونهب المال العام والكثير من المتطلّبات والضرورات الوطنيّة؟
المطلوب، والأهمّ، دعم الجيش بكلّ الإمكانيات العسكريّة والماديّة والسياسيّة، لأنّه جيش الوطن الواحد الذي نجح في مهمّاته العسكريّة والأمنيّة، والذي يحمي لبنان واللبنانيّين.