داعش تنهش حاضنتها

د. خيام الزعبي

أصبحت تركيا الداعمة لداعش وأدواتها في سورية تتخبّط في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأهمّ مشاهد التخبّط على الساحة التركية ما حدث من تفجيرات إرهابية، وتغييرات سياسية نجمت عن الموقف الدولي والإقليمي والنظرة إلى ما يحدث في المنطقة برمتها.

إلى وقت قريب كانت تركيا تتدخل بعمق في مفردات الصراع في سورية، لكنها اليوم ثبت بالدليل القاطع أنّ تركيا لاعب رئيسي من وراء الأستار والحدود، إذ تتلاعب بالأحداث والأوراق وتخفي وراءها أطماعاً مؤجلة في سورية يصعب في ظلّ تداعيات الأوضاع بالمنطقة من تحقيقها الآن…

من الطبيعي أن يعيش النظام التركي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائه وسندان تمويله لتنظيم «داعش»، الدعم المالي وتسهيلات عبور الحدود وتسليم الأسلحة،، كلّ ذلك انعكس على الداخل التركي، ومع ذلك استمرت تركيا بدعمها للفوضى وعدم الاستقرار في سورية، إلا أنّ ارتداد الإرهاب على أنقرة، بعد أن قامت داعش باعتدائها الإرهابي في مطار «أتاتورك» باسطنبول، وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إنّ هناك عاملاً جديداً دخل الى معادلات الداخل التركي، وهو الإرهاب بكلّ أبعاده والذي بدأ يضرب تركيا…

على خلفية هذا المناخ يسجل اعتداء اسطنبول تغييراً في الاتجاه في استراتيجية تنظيم داعش، فتحركاته في تركيا ركزت حتى الآن على أهداف كردية، وقد استهدفت للمرة الأولى السياحة التي تعدّ قطاعاً رئيسياً للاقتصاد التركي.

في سياق متصل طرحت الإعتداءات التي تعرّض لها مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول أسئلة حول الأسباب التي تجعل تركيا هدفاً مركزياً لهجمات الإرهاب، في هذا الإطار يمكن القول إنّ استهداف اسطنبول ومطارها بالذات يتقصّد منه إلحاق أضرار بشرية ومادية ومعنوية كبيرة، بما يراه خبراء الجماعات الإسلامية انتقاماً واضحاً تمارسه تلك الجماعات ضدّ حكومة أردوغان التي قد تكون بدأت بالتخلي عن حلفائها القدامى، وبذلك يتوقع الخبراء هجمات اخرى على أراضي تركيا التي وفرت تربة خصبة للتنظيم وأزالت الصعوبات أمام تجنيده عناصر جديدة.

وفي السياق ذاته أكد الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية روكميني كاليماشي أنّ تركيا بدأت بحصاد نتائج الإرهاب الذي دعمته وموّلته في سورية وأنّ الهجوم الذي وقع في مطار أتاتورك الدولي أكبر دليل على ذلك، إذ قام أردوغان على مدى سنوات طويلة بتسهيل عبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية وحوّل تركيا إلى ملاذ وقاعدة لانطلاق التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش، كما لعب دوراً رئيسياً ومحورياً في نشأة وتمدّد هذا التنظيم، وذلك لتحقيق مكاسب سياسية من خلال تدمير سورية، وبالتالي بمعنى إنّ تصاعد هذه العمليات الإرهابية يأتي نتيجة للسياسات التي اتبعها النظام التركي في دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية في سورية، فكان أردوغان أول من رفض الدخول في تحالف مع قوى الغرب ضدّ داعش، تحت زعم أنّ التحالف ضدّ القوى الإسلامية مرفوض ولا يعدّ إرهاباً، وخرج كثيراً في المحافل الدولية يدافع عن التنظيم، وإزاء ذلك الدعم منقطع النظير، شهدت تركيا خلال السنوات الماضية عمليات إرهابية ضخمة، بعدما انقلب سحر أردوغان عليه، لينقلب هو الآخر على وليده الذي ظلّ يطعمه سنوات عديدة، ويشنّ غارات عسكرية على معاقل داعش تحت اسم بداية حرب متزامنة على الإرهاب.

وسط هذه الأجواء يواصل الجيش السوري مهمته الوطنية في ملاحقة القوى المتطرفة ونفذ سلسلة عمليات قضى خلالها على عشرات الإرهابيين…

مجملاً… إنّ القتل والترويع لن يغيّر حلم السوريين وتطلعاتهم إلى وطن مستقرّ آمن خال من التطرف، فالشعب السوري قادر على مواجهة مخططات الإرهاب والمؤامرات المشبوهة وإفشالها بوحدته الداخلية وبإرادته وجيشه العربي التي لن تستطيع ايّ قوة أو إرهاب أن تكسرها، والآن وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة فإنّ تركيا أمام وضع من اثنين… إما أن تقرّ بأنّ الإرهاب ليس سلاحاً يعتمد عليه وهو يرتدّ على من يحمله، وعند ذلك تنخرط في حرب عالمية حقيقية جدية ضدّ الإرهاب كما تفعل سورية وحلفاؤها، أو أنها تستمرّ في الازدواجية والتغطية وتبقى ضحية لهذا الارهاب.

كاتب سياسي

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى