تركيا و»إسرائيل»: تنافس على الدور وليس اختلافاً

بلال شرارة

في مقدّمة كتابي الصادر عام 1994 بعنوان: «تركيا وإسرائيل أسئلة وأجوبة قلقة» جاء تحت عنوان فرعي «كلام هامس وسيناريوات» ما مفاده بالنص من بعض الكلام الهامس الذي يدور في أروقة دبلوماسية وإعلامية أنّ حقيقة ما يجري بين تركيا و»إسرائيل» هو التنافس على دور قيادي في الشرق الأوسط، أو بالأحرى التنافس على دور شريك الولايات المتحدة في إرساء مشروع الشرق الأوسط الكبير الأداة التركية الرئيسية في التمهيد لاستعادة موقع السلطنة في الحياة السياسية للشرق الأوسط كان الاستثمار على الإسلام الإخواني للإمساك بالسلطة في أعقاب كلّ ربيع عربي وحيث تدعو الحاجة مثلاً في سورية والعراق واليمن . ويتوقع حدوث مقامه إطلاق استراتيجية عمل الفوضى البناءة كأداة رئيسية من اجل استدراج تحالف راغبين جوي وبري إذا لزم الامر لتمهيد الطريق لبناء نظام متفاهَم عليه خاضع للولايات المتحدة الاميركية ومقبول ومتوازن بشكل دائري مع مصالح الجوار الإقليمي وبعكس الاستراتيجية التي رسمها احمد داوود اوغلو وتبناها رئيس الوزارء التركي اردوغان وحزبه حزب الأكثرية ــــ الرفاه والتنمية بعنوان: صفر مشاكل مع الجوار. فحيثما نظر الثنائي أردوغان ــــ أوغلو عبر الحدود اشتعلت حرب حدودية او حرب أهلية او تمرّد مسلح بداية.

ألا تعبّر عن ذلك الحرب على إقليم كرباخ بين أرمينيا وأذربيجان؟ وكيف يمكن أن نفسّر انقلاب موقف احتجاجي في سورية الى تمرّد مسلح! كيف يمكن لنا أن نفك طلاسم دولة داعش الإسلامية في العراق وسورية ؟ وكيف لنا ان نفهم التدخلات التركية في الشؤون المصرية والليبية والتونسية وأدوار تركيا الفلسطينية؟ الآن وما كاد أردوغان يطيح بحليفه السابق من الحكومة والحزب حتى بادر الى محاولة إلصاق مسؤولية سياسات حكومته الخارجية قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية وسياسات حكومة خليفته أوغلو بالأخيرة، خصوصاً انّ تلك السياسات جعلته يبدو بنظر أوروبا بمثابة صندوق للاجئين ويبدو أنه تهديد لوحدة الأرض والشعب والمؤسسات في سورية، بل وأكثر من ذلك كمدمّر لمركز حلب الاقتصادي – الصناعي وكتهديد للسلطة المركزية في العراق وكحليف غامض للمملكة العربية السعودية وكمتحدٍّ صلف للسياسة الروسية تجاه سورية، وكمتلاعب بموازين القوى اللبنانية، وكحليف للطموح القطري الى أدوار إقليمية في المشرق والمغرب العربي وكمستثمر لدور النظام السوداني و… قبل ذلك أغرى أردوغان الإدارة الأميركية بإمكانية أن يحلّ محلّ «إسرائيل» بكلفة أقلّ في لعب دور شرطي المنطقة، بل المخفر العسكري الممثل لحلف شمال الأطلسي، وأنه يستطيع أن يوجّه ويقود المنطقة عبر إسلام إخواني جاهز ومتحفز للسلطة، وهكذا بدأ الربيع العربي بغزو الجمهوريات العربية دون مختلف أنماط السلطة العربية الأخرى ومن أجل تحييد دولة «إسرائيل» أطلق أردوغان وعود السلام والتسوية ورعاية الوطن البديل في غزة وشمال سيناء، إلا أنّ واشنطن طلبت إلى أردوغان ان يكون أكثر تحديداً. ففي 2/7/2004 نشرت صحيفة يديعوت احرونوت «الإسرائيلية» خبراً مفاده انّ الرئيس الاميركي جورج بوش ناقش الأزمة الحالية بين تركيا و»إسرائيل» مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة دول حلف شمالي الأطلسي في اسطنبول.

وقالت الصحيفة إنه يستدلّ من تقارير سرية تلقتها جهات سياسية رفيعة في «إسرائيل» أنّ بوش طلب الى أردوغان تعزيز العلاقة مع «إسرائيل»، موضحاً أنّ قيام علاقة سوية بين تركيا و»إسرائيل» يعتبر مصلحة أميركية، إلا أنّ تطورات كثيرة جرت أطاحت بالطموح التركي، أبرزها:

1 ـ صمود سورية وتماسك النظام، رغم الضربات القوية التي تلقاها وضمنها اغتيال أهمّ القادة العسكريين والأمنيين، وسقوط مناطق كثيرة بيد المعارضات المسلحة.

2 ـ ثورة 30 حزيران في مصر التي أعادت الأمور الى المربع الأول في مصر وأطاحت حكم الإخوان.

3 ـ سقوط حزب النهضة المدوّي في الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس.

4 ـ انفراط عقد التحالفات الإسلامية الإسلام السياسي التي سيطرت على ليبيا وظهور أكثر من حكومة وبرلمان إضافة بروز اللواء خليفة حفتر.

5 ـ استعادة الحكومة العراقية المبادرة وإطلاق عمليات هجومية على أكثر من محور وسقوط تهديد داعش للحكومة المركزية وللأكراد.

لقد طمحت تركيا الى أدوارٍ سورية وعراقية عبر مشاريع منها منطقة حظر جوي في سورية أو تدخل في العراق تحت ذريعة إقصاء دور حزب العمال الكردستاني، وبعد فشل سياساتها الخارجية في الاتجاهات كلّها، ورغم لعب دور الوسيط في نقل العديد والعتاد المموّل خليجياً – أصبح – جُلّ ما تطمح إليه اليوم هو إبعاد الأخطار المترتبة على التفصيلات الشمالية العراقية ومحاولة الإيحاء بأنّ النيات الاستقلالية الكردية إنما تمثل تهديداً لسورية والعراق وإيران كما تركيا، وما لم تكن تركيا تتوقعه هو أن تبرز المشاكل انطلاقاً من الدور الكردي في سورية… وهكذا وبعد الفشل التركي المتعدّد عاد أردوغان الى محاولة لملمة صفوفه، انطلاقاً من التضحية بحليفة أوغلو وتشكيل حكومة تنفذ خطته صفر مشاكل مع الجوار بدءاً من خلع قناعه الفلسطيني ومصالحة «إسرائيل» وصولاً الى الاعتذار من روسيا. ولم يُبقِ أردوغان من سياسته السورية سوى الاستثمار على جواره السوري لاشتراط أن تستعيد حلب دورها الصناعي لمنافسة البضائع التركية، وبالتالي أن تكون سورية سوقاً مفتوحة للسلع التركية، وداخلياً أن يعترف الغرب باختيار تركيا للنظام الرئاسي، أما «إسرائيلياً» وعندما سقطت أحلام أردوغان في منافسة الدور «الإسرائيلي» فإنه اختار أن يعود خطوات الى الخلف وأن يتفاهم مع «إسرائيل» ولو على حساب الفلسطينيين، خصوصاً على قطاع غزة المنفصل عن السلطة الأمّ في الضفة الغربية. فقد أنهى الاتفاق التركي «الإسرائيلي» سنوات ستاً من القطيعة التي بدأت مع إطلاق جنود «إسرائيليين» النار على السفينة التركية مرمرة التي كانت تحاول كسر الحصار «الإسرائيلي» على غزة، والاتفاق الذي نشرت نصه وسائل الإعلام لا ينهي حصار قطاع غزة، بل يحوّله سوقاً للسلع التركية التي يجري تفتيشها في ميناء اشدود «الإسرائيلي» كما تشترط «إسرائيل» في الاتفاق ان لا تنفذ أية اعمال ارهابية او عسكرية ضدّ «إسرائيل» من جانب حماس انطلاقاً من الأراضي التركية، إضافة الى إعفاء الجنود «الإسرائيليين» من الدعاوى في المحكمة الدولية جراء إطلاقهم النار على السفينة التركية. اتفاق من بنود عدة يؤكد تطبيعاً كاملاً للعلاقات وتطويرها والعودة للتعاون الأمني والاستخباري.

وبعد وبعد… هل يا تُرى كان التباعد التركي «الإسرائيلي» لاسباب ايدولوجية؟ سياسية؟ تنافس سلعي؟ ام انه تنافس بين دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وبين كيان مقيم تحت مظلة الأطلسي؟ برأيي المتواضع، فإنّ الدور التركي سيكون أشدّ شراسة في إثبات الولاء لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية، وإثبات انّ تركيا و»إسرائيل» لم يعودا صديقين لدودين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى