القدس… وحلم السفر لقرع جرس عودتها!

هيلانة عطا الله

عمل الإعلامان الغربي والعربي المتصهين بشكل ممنهج على تسويق قضايا ثانوية استقطب من خلالها جيل الشباب في العالم العربي وجعل لها أولوية على حساب قضية العرب المركزية أعني القضية الفلسطينية. ونجح إلى حدّ كبير في تشتيت المفاهيم والأولويات وبدعم من الأنظمة الغربية ذات التوجه العدواني تجاه العرب والمسلمين تمكنت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإلكترونية من تضليل الرأي العام العالمي حول طبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني. ولذا، فإني أرى في المبادرة العظيمة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام الخميني عام 1979 بتخصيص يوم الجمعة الأخير من رمضان سنوياً يوماً عالمياً للقدس واحداً من أهم المشاريع المقاوِمة من أجل إعادة القدس إلى الواجهة. و تحديد هذا اليوم يحمل رسالة موجهة إلى المسلمين في أقطاب العالم ليكون لهم دور في تحرير فلسطين وحق العودة. ومع ما لهذا الأمر من أهمية، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن القدس ليست لفئة من أبنائها دون غيرها. ولا أبالغ إن قلت إن القدس قضية إنسانية لاعتبارات تاريخية ولاهوتية وحضارية وديموغرافية لا يتسع المجال للخوض فيها. ولذا، فقد توسّعت المشاركة في هذا اليوم من قبل الكثير من الشرفاء. فالشريف يفهم هذا بطويّتِه النقية وانزياحه للحق والحقيقة، إلا أن المثقف العربي أكثر قدرة على توضيح أبعاد هذه القضية وحيثياتها وكشف اللثام عن الإرهاب المنظم الذي يقوم به الكيان الصهيوني بحق أهلنا في فلسطين، والمراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية منذ «وعد بلفور»، مروراً بالنكبة عام 1948 والنكسة عام 1963 وحرب تشرين التحريرية عام 1973 إلى يومنا هذا، ورصد ما يحصل في القدس بشكل خاص وما تشهده من محاولات لطمس معالمها التاريخية ورموزها الحضارية بما يخدم الرواية الصهيونية بأنها «أرض الميعاد»، وقيام سلطات الاحتلال بتوسيع رقعتها الجغرافية حتى كادت تكون أكبر عاصمة في العالم من حيث المساحة وحشد أكبر عدد من المستوطنين الصهاينة فيها وفي مدن أخرى قليلة، في الوقت الذي تكاد تخلو بقية المدن منهم باستثناء وجود قواعد عسكرية فيها، مع مالهذه الإجراءات من مدلولات بمنتهى الخبث تتوارى خلفها إرادة الصهاينة بتحقيق مقولة «تهويد القدس» لأنها الغاية القصوى لأصحاب التلمود الصهاينة.

كشاعرةٍ، أرى حلماً يسافر بي إلى «مدينة الله»، وينهمرُ في أركان روحي أذان الأقصى وجرس كنيسة القيامة كانهماراتِ الديمة السكوب فأوقن بالله الذي بارك تلك البلدة وأنها لا بد ستعود إلى أبنائها طاهرةً من رجس المعتدين. أستكين بين حارات القدس العتيقة فتنتعش روحي بعبقها وأسمع حجارتها المرصوفة منذ الأزل تهمس بالبقاء، وتستطيل الأزقة وتتعرج صعوداً وتحملني معها إلى تخوم الغيم فتتندى أناملي بهفيف الطلِّ القدسيّ، ثم تعيدني لأعانق صلصالها موطئ الأنبياء والأولياء الصالحين، وفي لحظة اليقظة أصحو وفي كفي جمرةٌ أقبض عليها وأتألمُ لدمع الطفولة يسفحه البرابرة ويشربون نخب الدم الفلسطيني، ويندى جبيني لمشهد المهجّرين قسراً وأجزاءٌ من أرواحهم مغروسة في الوطن الأم، وأسمع أنين الخيبة… هي الخيبة من تخاذل بعض العرب تواكب مشهد القدس في ذاكرتي، منذ الطفولة أحملها غصةً على فلسطينيي الداخل تحت نير الغزو وقوانينه الجائرة وحصاره اللئيم وعلى فلسطينيي الشتات المعذبين. هكذا، نحن السوريين، نشأنا على حب الوطن والقدس قلبه، واليوم يشنّون علينا حرباً غير تقليدية لم يشهد العالم مثيلها بالإرهاب والتكفير، ولكننا لن ننثني عن ثوابتنا الوطنية والقومية وسنبقى متمسكين بنهج المقاومة حتى التحرير الكامل للأرض العربية. نستولد الأمل من قلب المعاناة ونقول لأهلنا الفلسطينيين: شعبٌ لم يهن، لم يمت على مدى 68 سنة لن يموت أبد الدهر، وفي عروق كل طفل فلسطيني دماءٌ تعشق الوطن تجعل منه مشروعاً مقاوماً.

لن تدخلَ القدس سراديبَ النسيان مهما طال الزمان ومهما وتجبَّر الطغيان.

أديبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى