مشاريع الوحدة ترتبط بالصعود الإمبراطوري فما حال وحدتنا؟

توما عباس

تطالعنا اليوم آخر مستجدات الاتحاد الأوروبي والانسحاب البريطاني منه بعدد من التقييمات والحسابات لواقع الاتحادات العالمية، من حيث كيفية التشكّل والمقوّمات والتحديات التي ترافق مسيرة الاستمرار وأسباب الانهيار، وبالتالي واقع الوحدة العربية وإمكانية حدوثها وأسباب فشلها ومقوّماتها الحقيقية، وخاصة أنها تحتلّ الكثير من شعاراتنا وتتحكم بالكثير من سياستنا.

إنّ النظرية التي تقول إنّ الاتحاد قوة هي نظرية لا عيب فيها مطلقاً، فكانت محاولات تجميع دول عدة على نقاط تتلاقى فيها سواء على شكل منظمات تعاون اقتصادي او أسواق مشتركة أو فيدراليات أو كونفدراليات او حتى اندماج كامل. الأهمّ في هذا كله هو نظرية تحليل الحاجة الى الوحدة، وهي تعني ربط الوحدة بنظرية الامبراطورية التوسعية، أيّ في حال تحقيق أيّ دولة في العالم نسب تقدّم وتطوّر صناعي معيّن، فهي ستبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها وعن أيدي عاملة بأسعار رخيصة، وتصبح لديها أحلام توسعية ورغبة في السيطرة، ولتحقيق هذا الشيء لا بدّ لها من خوض الحروب وفرض التوصيات والأوامر، ولتقدر على هذا لا بدّ من الاتحاد مع بعض الدول التي تربطها معها مصالح مشتركة ووحدة جغرافية معينة وامتداد سكاني بحكم الجغرافيا والتجاور، فتبدأ بخيار الوحدة الذي يناسبها ويحقق مصالحها… فكانت الاتحادات على مختلف أنواعها وأشكالها من الاتحاد السوفياتي الى الاتحاد الأميركي الى الاتحاد البريطاني الى الاتحاد الإسباني فالاتحاد الأوروبي إلخ… وبما أنّ الاتحاد الأوروبي يشكل الحدث الأبرز على الساحة السياسية والدولية مؤخراً، وما شكله انسحاب بريطانيا عن طريق الاستفتاء، وما يمكن أن يحدثه من تناذرات سواء على صعيد الاتحاد الأوروبي أو على الصعيد العالمي… فمن الطبيعي أنّ الاتحاد سيكمل مسيرة الانفصال، وهناك ما يبرّر لكلّ من المانيا وفرنسا هذا الانفصال فلن تكون قادرة بعد رحيل بريطانيا على حمل أعباء الاتحاد المالية مع أنها قد تبقى تكابر لمدة من الزمن، رغم المشكلات المالية المعروفة وخطر مواجهة الإرهاب والحرب عليه. وبالتالي ستتغيّر خارطة العالم السياسية بهذا الانهيار المتوقع وستعيد كلّ دولة حساباتها على حدة، وتتجه صوب الأقوى على الساحة سواء الى روسيا وإيران، حيث منابع الطاقة والاقتصاد أو الى الصين حيث اليد العاملة الأقلّ كلفة… مما يؤذن بسقوط امبراطوريات وظهور امبراطوريات، وبالتالي نظام عالمي جديد، وبالحديث عن الوحدة العربية التي شكلت أحلاماً واسعة لأجيال وتنادينا فيها صباحاً ومساء وكانت شعاراً للكثير من الأحزاب على امتداد الأقطار العربية… الوحدة التي بدأت فعلاً كحلم إمبراطوري خرج من الجزيرة العربية باسم الإسلام ونشر الدين الإسلامي في حين أنها كانت حلماً إمبراطورياً توسعياً استمرّت في عصر كلّ من الدولة الأموية والدولة العباسية واستمرّت كنوع من الاتحاد في زمن الاحتلال العثماني وبدأت التفرقة عندما صارت الأراضي العربية مجرّد مكاسب تتقاسمها الدول الأوروبية التي كانت تحمل أحلاماً توسعية وإمبراطورية بدورها وسط الضعف والتفكك العربي والرجل المريض العثماني… واستمرّت أحلام الوحدة تداعب أحلام العروبيين ولها مريدون في الأوساط المثقفة الى أن قامت الوحدة بين سورية ومصر وفشلت، وبغضّ النظر عن أسباب فشل الوحدة بين سورية ومصر إلا أنها كانت تمثل نواة لا بأس بها كان من الممكن أن تكون وحدة عربية شاملة…

الآن وفي ظلّ الظروف الحالية ضرب من الجنون والأحلام الواهية الحديث عن وحدة عربية والتغنّي بها ورفعها ولو شعاراً صغيراً… وسط التشظي والتشرذم واختفاء الأحلام الكبيرة بين مجاميع العرب وطغيان سيطرة المجموعات الإرهابية التي صدّرتها السعودية والفكر الوهابي الى أغلب الدول العربية… وانهيار الصناعة والسياحة والزراعة والتجارة… حيث أصبح جلّ ما يفكر به الفرد العربي أو الدول العربية هو الأمن الغذائي، وتحوّل معظم الدول العربية من مصدّر للقمح والقطن الى مستورد لهما وابتعادها عن المنافسة في الأسواق التجارية.

لا حلم امبراطوري تعيشه الآن الدول العربية، جلّ أحلامها الفوز في الحروب الطائفية ورهن مقدّراتها لحساب الآخرين… الحلم الإمبراطوري الوحيد تمثل في مشروع البحار الخمسة للرئيس بشار الأسد والذي كان سبباً في تكالب الدول الغربية والعربية مثل السعودية وقطر عليه وعلى سورية، فقد كان مشروعاً للتحكم بالطرق التجارية وإغلاق المنطقة واقتصارها على الحليف والمتعاون لما تمثله سورية ودول البحار الخمسة من أهمية جيوستراتيجية كلّ ما يمثله العرب حالة الأخوة الأعداء الآن.

الوحدة قوة وأحلام وتوسّعات وحروب وسيطرة وتجارة واقتصاد، لا عواطف مشتركة ولغة مشتركة ودين مشترك وأحاسيس مشتركة، بل لا يهمّ إنْ كان حليفك له لغتك الكلامية بل يكفي ان يكون له لغتك في القوة والتحدّي، ومشروعك بالتوسّع وتأمين ما يلزم لأمنك الاقتصادي والعسكري والسيادي… هكذا هي الوحدة وهكذا يجب أن تكون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى