تقرير شيلكوت: هل هو بداية المساءلة والمحاسبة؟
زياد حافظ
تقرير شيلكوت الذي صدر في لندن منذ بضعة أيام، وإن جاء بعد ثلاث عشرة سنة من احتلال العراق من قبل التحالف الأميركي البريطاني، فإنه يعلن بشكل رسمي، ما عرفته جماهير منطقتنا العربية وأحرار العالم الذين تظاهروا احتجاجاً له ولمنعه قبل حصوله، أن مبرّرات العدوان على العراق واحتلاله وتدمير مؤسساته كانت أكذوبة القرن كما كانت أكذوبة تبريرات زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، فإنّ الدولة التي روّجت لزراعته هي الدولة نفسها التي روّج حكّامها لبلطجة العصر في احتلال بلاد الرافدين وكما هي الآن في تبريراتها المزيّفة للعودة إلى احتلال العراق وسورية بحجة القضاء على الإرهاب. فحكومات الغرب تكذب وتدفع جماهيرنا وشعوب دول الغرب ثمن الأكاذيب.
وإذا كان التقرير إدانة رسمية لسياسات حكومة انطوني بلير فلا بد لتلحقها مساءلة ومحاسبة قانونية جزائية لمسؤولي تلك السياسات. كما أنها يجب أن تشمل ليس فقط مسؤولي السياسة البريطانية والاسترالية والإسبانية الذين ساهموا ودعموا العدوان، بل أيضاً مسؤولي السياسة الأميركية من رئيس ونائب رئيس ووزراء ومسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي والوزارات والكونغرس والإعلام الأميركي ولكل من حرّض وروّج للعدوان والاحتلال والقتل وتدمير القدرات العلمية ونهب الذاكرة والثروات العراقية.
كما يجب أن تشمل المساءلة والمحاسبة الحكومات العربية التي تواطأت وحرّضت على العدوان بما فيها من العراقيين، والذين روّجوا لاحتلال العراق لتصفية حسابات سياسية ضيّقة، ولإقامة نظام سياسي ادعوا أنه أكثر ديمقراطية بل هو أكثر فئوية وفساداً من النظام الذي أسقطه الاحتلال وليس الشعب العراقي، وذلك على حساب وحدة العراق وعروبته. ومسؤولية الحكومات العربية في احتلال العراق هي نفسها التي غطّت عدوان الحلف الأطلسي على ليبيا وما نتج عنه من سفك دماء ودمار لوحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي.
إن تداعيات الاحتلال من قتل لأكثر من مليون مواطن عراقي وتهجير لأكثر من خمسة ملايين مواطن ولزرع ذهنية التقسيم والتفتيت لا بد من يُحاسب عليها من سبّبها من غربيين وعرب، وذلك خدمة للكيان الصهيوني ولتصفية القضية الفلسطينية. كما أن إفرازات جماعات التوحّش والغلو على كافة تشكيلاتها الفئوية التي سبّبت المجازر البشعة والمآسي، من الموصل إلى الفالوجا إلى الكرادة إلى مختلف المناطق في بلاد الرافدين، لتدمير النسيج الاجتماعي والثقافي يجب أن يُحاسب عليها، ومن روّج لها ودعمها سياسياً ومادياً وعسكرياً وفكرياً. ونجد أن مَن استثمر في الاحتلال هو مَن يستثمر في الفتنة المذهبية ويُمعن في تقسيم أقطار الأمة وتدمير مؤسساتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي. فكل هذه الصراعات لمصلحة الكيان الصهيوني ولدوره الوظيفي في الهيمنة على المنطقة العربية وإلغاء هويتها ونهب ثرواتها.
كما يجب أن يُحاسَب كل من أراد تشويه صورة المقاومة للاحتلال في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وتشويه صورة الإسلام في الوطن العربي وفي العالم.
وإذا كنّا نحيّي ما جاء في تقرير شيلكوت فعلينا، أن نسأل لماذا الآن ولم يكن من قبل؟ وهل إشهار التقرير بعد التصويت الشعبي في المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الاوروبي يتلازم مع ضرورة المراجعة لسياسات ليست فقط الحكومة البريطانية المستمرة في عدائها لسورية ومحور المقاومة، أو للجم الدعوات الصادرة عن بعض الرؤوس الحامية في مراكز القرار والبحث في الحلف الأطلسي والكيان الصهيوني وبعض الحكومات العربية والتي تدعو لمغامرة أخرى غير محسوبة في مواجهة عسكرية مع روسيا ومع محور المقاومة؟ هل صمود سورية في وجه العدوان الكوني مهّد لمراجعة في ضمير بعض النخب الحاكمة، خاصة أن مصالحها وحتى وجودها في كياناتها أصبح مهددّاً بسبب تداعيات الحرب على سورية من هجرة لاجئين يتوجهّون في وقت الضيق الاقتصادي في الغرب إلى مقاسمة لقمة العيش مع مَن لم يعد يستطيع تأمين رفاهيته بسبب السياسات المغرضة التي تتبعها حكومات الغرب؟
وهل ظاهرة الإرهاب التي أوجدوها بسبب الاحتلال والسياسات الداعمة له لاستنزاف القدرات العربية أصبحت تهدّد بشكل مباشر أمن واستقرار دول تلك الحكومات هي الحافز لمراجعة تلك السياسات؟ فهل نرى بداية جادة لمراجعة مجمل السياسات الغربية تجاه المنطقة التي تفتقد الحد الأدنى من القيم التي تدّعي حملها للعالم؟ الإجابة نعم، إذا استمرّ الضغط على المطالبة بمراجعة تلك السياسات المدمّرة في المحافل الرسمية والشعبية، وعبر التمسّك بنهج المقاومة وبصمودها في وجه الظلم المفروض على جماهيرنا، وإذا جنحت جماهير هذه الأمة ونخبها إلى الحد الأدنى من الوحدة.