المنارة التي لن تنطفئ!
حنان عابد
يعود فجر الثامن من تموز كلّ سنة، حاملاً معه ذكرى ما غابت يوماً عن ذاكرة السوريين القوميين الاجتماعيين، وذاكرة انتصاراتهم، ومن يحملون فكره ونهجه. ففي الثامن من تموز عام 1949، نفّذ الجبناء مؤامرتهم ضدّ مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده، فكان أن حيكت خيوط المؤامرة في أقبية أعداء أمتنا من الخارج والداخل وسراديبهم.
يزخر تاريخنا بأسماء مناضلين وقادة استشهدوا في سبيل قضايا آمنوا بها، إما على مدى التاريخ القديم أو الحديث، لكن خصوصية أنطون سعاده تأتي من خصوصية الفكر الذي جاء به ليصارع أعداء أمتنا، فكان صراع وجود بالمطلق، تميّز بقيامه على أسس ثابتة الرسوخ، ترتكز على أدلة علمية وعملية، حدّد من خلالها أسباب الصراع وآلياته وطرق المواجهة والأهداف من وراءه. لم يكتف سعاده ببيان وكشف حقيقة عدو الأمة، بل ذهب قبل ذلك لبيان حقيقة الأمة نفسها وهويتها التي كان لا بدّ لنا من الوقوف للدفاع والذود عنها، فكيف لمن لم يعرف حقيقته وهويته أن يدافع عنها؟
في مفهومه للأمة والهوية والوجدان القومي، حدّد سعاده الدوافع التي ننطلق منها في حربنا الوجودية، فكان بذلك قد عين المشكلة، وضعها قيد التحليل، وشخّصها، ومن بعد ذلك قدّم الحل الشافي لها. وبهذا يكون قد ضرب المخطّط اليهودي في الصميم وعرّاه من كل القشور التي تخفّى حولها. لذا كان لا بدّ من وضع حدّ لهذا الفكر المهدد للوجود اليهودي، فبدأت المساعي لتصفيته واغتياله.
أيقن سعاده أن هذا الاعتقال سيكون الأخير، وأنه ذاهب بلا عودة، كان باستطاعته ومن معه من رفقاء أن يقاوموا ذلك الاعتقال، لكنه آثر حفظ دماء القوميين، وتقدم للفداء بكل خطى ثابتة، عرف أنه ذاهبٌ ليمتشق صهوة الموت فعانقه لينير درب من يأتي بعده.
وها نحن اليوم، على نهج سعاده الفادي، وما زالت قوافل الشهداء تعمد الأرض ويرويها طهر دمائهم، وحيثما طلبهم الواجب لبوا النداء، ولا أدل على عظيم النجاح لعقيدة سعاده وحضوره الحي، على رغم غياب جسده، أكثر من هذه الاستمرارية لحزبه وتلاميذه في كافة الميادين، فمنهم من تقدم للمواجهة بصدره وقدم دماه في سبيل قضية تساوي وجوده ووجودنا، ومنهم من يخوض غمار الكلمة والموقف فيسطرون أروع وقفات العز كل من مكانه ومسؤوليته وتكليفه.
من هذا كله تأتي خصوصية الثامن من تموز، فهو المنارة التي أضاءت سماء سوريا في 1949 وما انطفأت شعلتها إلى اليوم، تنير طريق أبناء الحياة، تعلن أن وقفات العزّ، تخلد ولا تموت.