الزعيم المدهش
عبد الحليم حمّود
مدهش هذا الرجل! جمعَ الفكر بالنضال، وصولاً إلى مرتبة الاستشهاد في سبيل قضيته وعقيدته.
أنطون سعاده، مبدع من هذه البلاد، غرف من تاريخها، ونسج ثوباً من فلاسفتها، وعمّر صرحاً من تلك الحضارة الضاربة في عمق الزمن.
من ذاك العرزال في الشوير راكَم الرؤى، وحدّد الهدف، ومشى بخطى واثقة نحو فلسفته السورية القومية الاجتماعية، وسار خلفه كثرٌ ممّن آمنوا بعقيدته التي تشبههم. ولهذا السبب انسابت أفكاره في سياق طبيعيّ نحو مستقرّ لها مهيّأ لاستقبالها. ولذلك، كلّ من ولد في سوريا الطبيعية هو، قوميّ شاء أم أبى، ومهما كانت العقيدة التي اختارها.
في طفولتي، أذكر أنّني تعرفت إلى الحزب عبر ابن عمّتي علي نوفل، الذي كان يعلّمنا رسم الزوبعة. وكنا نفرح بهذا الرمز السيميائيّ الأحمر الذي يأخذ حركة الدائرة المتحرّكة، بشفرات حادة عاصفة. سنوات مرّت قبل أن يستشهد علي نوفل في حرب نيسان 1993 في جنوب لبنان، وعلى مذبح القضية التي آمن بها، وضدّ العدوّ الذي يهدّد حاضر بلاد الشام وماضيها. أجل، الأفكار التي يرويها الدم القاني، هي سلسلة من الأرواح التي تأخذ شكل السهم العابر نحو هدفه: إشهار «الهوية» في زمن العولمة واندثار الهويات.