تركيا تحصل على منطقة خالية من داعش وترمّم اقتصادها
د. هدى رزق
اعترفت وزارة الخارجية التركية بوجود تعاون عسكري ثنائي مع الولايات المتحدة بشأن العملية على منبج، معقل «داعش» لكنها أعرضت عن إعطاء تفاصيل عن العملية التي يخوضها الأكراد والعرب، بدعم من واشنطن في محافظة حلب المجاورة للسيطرة على منبج منذ أكثر من شهر.
وفيما قامت تركيا ببناء جدار على جزء من الحدود السورية، ادّعت أنه من أجل حماية حدودها من الإرهاب، تمّ تأكيد الاتفاق على خطة عسكرية بينها وبين الولايات المتحدة، بهدف إزالة الإرهابيين من الحدود التركية السورية، وإحياء المشروع القديم الجديد أي منطقة «خالية من داعش».
تأتي خطة العمل هذه كجزء من صفقة شاملة بين الدولتين الحليفتين، بحيث تمّ «تغيير قواعد لعبة» في مجال مكافحة «داعش»، إذ تمّ الاتفاق على اخلاء المنطقة من «داعش» على مسافة 98 كم وبعد 40 كيلومتراً، وهي المنطقة التي تقع تحت سيطرة «داعش» وتقع على خط مارع جرابلس. وتعهّدت تركيا بعدم السماح لأيّ من الإرهابيين بدخولها بعد تحريرها. وتمّ التأكيد على تسميتها «منطقة خالية من داعش» بدلاً من «المنطقة الآمنة» بعدما أكدت واشنطن أنّها لا تريد اعطاء إشارات خاطئة للنظام في سورية فضلاً عن روسيا وإيران وأنّ الهدف الرئيسي من المعركة المشتركة التركية – الأميركية هو القضاء على «داعش» وليس قتال الجيش السوري.
كما اتفق على أن تنفذ الطائرات الأميركية ضربات جويّة ترافقها الطائرات التركية فقط، عند اقتضاء الأمر كما سيتمّ استخدام وحدات المدفعية التركية البعيدة المدى، ومع ذلك لا يمكن تصنيف هذه العملية كمحاولة لبناء منطقة حظر الطيران فوق المجال الجوي السوري.
وهكذا عززت تركيا وجودها العسكري على طول الحدود عبر خط مارع – جارابلس، بعد أن بدأت «داعش» تهدّد «الجيش الحر» شمال غربي البلاد ودرءاً لتدفق اللاجئين إليها.
وتتوقع الخطة التي وضعت من قبل أنقرة وواشنطن نشر وحدات هيئة للرقابة في هذا المجال، بعد أن يتمّ القضاء على «داعش» حيث بدأ الكثير من أفرادها بالتسرّب والعودة إلى بلادهم أو إلى مناطقهم في تركيا.
وهكذا سيتمّ منع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي من مواصلة توسيع نفوذه نحو الغرب من الفرات كما سيتمّ خلق بيئة آمنة للسوريين حسب الأتراك، أو أولئك الذين يرغبون في العودة إلى سورية.
وفيما كانت تركيا تنتظر من قمة الأطلسي ثلاثة بنود هامة. أولها التعاون والتنسيق في سورية وبناء منطقة آمنة بين إعزاز وجارابلس في شمال سورية، وزيادة تعاونها مع الولايات المتحدة في هذه العملية بدت الأمور سائرة نحو التنفيذ.
أما البند الثاني فهو يتصل بسورية أيضاً، وفحواه مد نشر أنظمة الدفاع الصاروخي إلى تركيا، التي من شأنها تعزيز الدفاع عن المجال الجوي التركي. ولهذا بالضبط قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بالقول الأسبوع الماضي أنّ الناتو بحاجة إلى الوفاء بوعوده لتركيا بعدما سحبت كل من ألمانيا والولايات المتحدة صواريخ باتريوت من تركيا مؤخراً، إذ لم يبق سوى بطاريات صواريخ باتريوت إسبانيا وايطاليا للدفاع عن الحدود الجنوبية لتركيا. لا سيما في أعقاب الأزمة مع روسيا وتزايد التهديدات القادمة من الجنوب، وكانت الولايات المتحدة قد وعدت بنشر نظام الدفاع الصاروخي هيمارس في جنوب تركيا، المتوقع في منتصف آب، بالنتيجة اتفق قادة الناتو 9 في القمة على مجموعة من القرارات المتعلقة بحماية حدود التحالف، بما في ذلك بدء التدريبات الجديدة في العراق، ودعم بناء القدرات فيها واستخدام طائرة المراقبة أواكس في السماء التركية، من أجل حماية ضربات التحالف ضد «داعش».
وفيما يتعلق بالبند الأخير في الجدول والذي يتعلق بمهمة الناتو في بحر إيجة الذي بدأ منذ شباط من أجل ردع العبور غير الشرعي إلى أوروبا. ورغبة الناتو في توسيع البعثة التي تقوم بمطاردة المافيات التي تتاجر بالمهاجرين قالت تركيا إنّ بإمكانها القيام بهذه الدوريات لأنّ هذا الأمر قد خلق صورة أنّ أنقرة لا يمكنها إدارة هذا الموضوع بنفسها.
تكتسب تركيا اليوم أهمية كما في زمن الحرب الباردة بعد مقرّرات الناتو بالنسبة إلى روسيا إذ تواصل لعب دور نشط في الحلف، وإنْ كان لا يخلو من التحديات، تحت حكم الرئيس أردوغان، حيث تظلّ تركيا شريكاً مثيراً للجدل في الغرب، ولكنه يظلّ هو شريك المهمّ والعضو في الناتو ويبقى لتركيا أهمية حيويّة في أوروبا، وبالتالي حلف شمال الأطلسي، بدأ من أمن الطاقة. فهي المدخل إلى القوقاز وحوض بحر قزوين الغنية بالموارد ويتحكم مضيق البوسفور، بواحد من أهمّ مضائق الشحن في العالم. ويتمّ من خلال تركيا. تشغيل عدة خطوط أنابيب النفط والغاز الرئيسية كما أنّ حقول نفط جديدة وضعت في دول آسيا الوسطى، ويمكن توقع أن تلعب تركيا دوراً متزايد الأهمية في مجال أمن الطاقة في أوروبا، التي تراهن على التخلص من سلطة الغاز الروسي.
لكن إعلان الحرب الباردة على روسيا أتى في الوقت الذي تعيد فيه تركيا علاقاتها مع روسيا وتعززها بغرض تطبيعها ومناقشة المواضيع المتعلقة بالتجارة الحرة بين موسكو وأنقرة. فيما يتعهّد وزير الاقتصاد التركي بعقد سلسلة من الاجتماعات الوزارية في المستقبل القريب مع روسيا، على مستوى وزراء الاقتصاد، والمالية، والسياحة، والزراعة ووزيري طاقة البلدين بشأن مشروع «السيل التركي».
تحاول تركيا في استدارتها في السياسة الخارجية العودة إلى صفر مشاكل، وارسال بعثة إلى مصر لكي تناقش سبل إعادة العلاقات كذلك تحاول تمكين اقتصادها الداخلي الذي تراجع رغم الأرقام التي توردها النشرات الرسمية لا ينسى حزب العدالة والتنمية أنّ الاقتصاد هو السبب الأساسي في كونه لا زال يحكم تركيا. فتراجع الليرة التركية وتضاءل حجم العملات الأجنبية، من جراء تراجع ثقة المستثمرين فجعلت الاقتصاد التركي يواجه أزمة سيولة خطيرة، مما حفز انقرة على بذل مزيد من الجهود لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ومنح الجنسية للمتموّلين الأجانب الذين يضعون أموالهم في البنوك التركية ويحنفظون بعقاراتهم دون بيعها لمدة خمس سنوات. ويجلبون العملات الأجنبية ويتعهّدون بإبقائها في البنوك لمدة سنتين على الأقلّ، كذلك لأصحاب الشركات الذين يساهمون بخلق فرص عمل شرط أن تكون قيمة هذه الاستثمارات عالية. ووفقاً للبيانات الرسمية، يملك المتمولون السوريون شركات تمّ انشاؤها برأس مال أجنبي في عام 2015، بالإضافة إلى ذلك أودع رجال الأعمال السوريون ما يقرب من 2 بليون ليرة تركية في البنوك في الربع الأول من عام 2016، وبذلك تقوم تركيا بتجنيس العائلات الثرية من جهة، والمتعلمة من جهة أخرى، واليد العاملة السورية التي تحتاجها هذه المصانع وقدرت بـ300 الف شخص. فالعديد من رجال الأعمال السوريين، قاموا باستثمارات في غازي عينتاب، منذ بدء الحرب في سورية عام 2011، أما في ما يتعلق بالشأن العقاري فلقد تصدّر العراقيون قائمة المشترين الأجانب إلى جانب الروس والأفغان والكويتيين، أما السعوديون فقد بلغت حجم استثماراتهم حالياً 6 مليارات دولار…