الحقائق الأربع في أحداث عرسال
يوسف المصري
يوجد أربع حقائق تقف وراء الإحساس بالخطر في لبنان من تمدّد حرب داعش إلى أراضيه. وقبل استعراضها لا بد من التأكيد على أن تداولها يتم خارج السجال السياسي في لبنان، بمعنى أنها معلومات جدية وتستند إلى دلائل ووقائع ويتم نقاشها في إطار الرغبة ببلورة تقدير موقف واقعي ورزين ومسؤول لمستوى الخطر المتوقع على لبنان نتيجة تمدد الإرهاب التكفيري في بلدان الجوار.
أمر آخر يجب إدراجه أيضاً، وهو أن كل الكلام عن وجود فرق بين داعش وجبهة النصرة هو محض هراء وجزء كبير منه يرمي إلى شد عصب البيئة السياسية الحاضنة للإرهاب التكفيري في لبنان. فالفرق بين داعش والنصرة له صلة بصراعهما داخل مكون انتمائهما للقاعدة، ولكن حظ لبنان منهما واحد وهو زرع الخراب والفتنة والقتل فيه على نحو ما يحدث في الموصل والرقة، الخ…
أما الحقائق الأربعة فهي الآتية:
أولاً – توجد لدى المستويات الأمنية معلومات لم يعد يرقى إليها الشك بأن سيناريو الهجوم على عرسال، كان فعلاً يمثل خطراً كبيراً على مجمل الأمن في لبنان. فمسلحو الجماعات التكفيرية التي هاجمت عرسال كان هدفها أبعد من السيطرة على البلدة وأخذ جنود لبنانيين كرهائن. وكان هدفهم الأساس شن هجوم على عدد من البلدات الشيعية اللبنانية المجاورة للحدود مع سورية، وإنشاء جبهة قتال فيها لإشعال الفتنة المذهبية في البلد.
وتقول هذه المصادر الأمنية إن حزب الله كان لديه معلومات مسبقة عن هذا السيناريو. وهذا ما قاده إلى إجراء تعزيزات احترازية بمواجهته. ويبدو أن الجماعات المسلحة اكتشفت في لحظة متأخرة من بدء تورطها بتنفيذ خطتها، أن أي هجوم تقوم به على البلدات الشيعية سيلحق بها خسائر غير مسبوقة، ما قادها إلى تعديل خطتها باتجاه أخذ جنود لبنانيين كرهائن والمفاوضة عليهم مع لبنان من أجل الضغط على دمشق لإرغامها على تأمين طريق آمن لنحو 3000 إلى 3500 مقاتل من داعش والنصرة وأخواتهما، لنقلهم عبره مع كل أسلحتهم إلى الرقة. وتستبعد هذه المصادر أن توافق دمشق على هذا الشرط. وفي أحسن الأحوال ستقبل بدراسته في حال تضمن خروج المسلحين بأسلحتهم الفردية فقط.
الحقيقة الثانية تتصل بمعلومات تفيد أن حزب الله كان أجرى قبيل حصول هجوم الإرهابيين على عرسال، مناورات عسكرية كبيرة في بلدات لبنانية مقابلة لمواقع جماعات داعش والنصرة في القلمون السوري، وذلك من باب التحسب لحصول اقتحامات مفاجئة من قبل الجماعات الإرهابية للمنطقة بهدف تحفيز خلق حالة فتنة مذهبية فيها.
الحقيقة الثالثة تتعلق بأن خطط الجماعات التكفيرية وفي مقدمها داعش لتكرار هجومها انطلاقاً من سورية على الأراضي اللبنانية لا يزال وارداً وبنسبة عالية الوتيرة. والمعلومة المؤكدة عن هذه الخطط تفيد أن الجماعات الإرهابية لا تفكر بأن يطاول هجومها في بدايته أي منطقة يقطن فيها لبنانيون سنّة، بل سيتركز هجومها على مناطق شيعية أو مسيحية ومن ثم التحرك انطلاقاً من مناطق السنة. والهدف من ذلك توريط سنّة لبنان، وبخاصة في الشمال، في حربها، ومن ثم قيامها بالتمدد داخلها لمصلحة إقامة خلافة إسلامية فيها. ولا تستبعد هذه المصادر أن تحدث مفاجأة أمنية في شمال لبنان، كحصول هجوم عسكري لداعش أو لمجموعات تكفيرية مشتركة على مناطق واسعة فيه، وذلك في وقت واحد.
الحقيقة الرابعة تؤكد أن حلم داعش بالسيطرة على ميناء مدينة طرابلس ليكون منفذ إمارتها على البحر هو أمر جدي. فداعش لم يعد ينقصها المال ولا السلاح ولا الأرض الواسعة، ولكنها بحاجة لمعبر تتصل به بالخارج، وعينها على ميناء طرابلس ليكون هذا المعبر.