المتغيّرات العالمية والاقتصادات العربية

بشير العدل

يتعرّض العالم لمتغيّرات اقتصادية عدة، تؤثر بالتبعية على الاقتصادات العربية، وتفرض بطبيعة آثارها على حكومات الدول في المنطقة ومنها بلادي مصر، ضرورة انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تكون قادرة على مواجهة تلك التغيّرات، وامتصاص آثارها السلبية، بما يسمح بالمضيّ قدماً في تحقيق معدلات النمو المستهدفة.

فقبل أيام شهد العالم وتحديداً في قارة أوروبا متغيّراً جديداً تمثل في قرار البريطانيين بخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وما يستتبع ذلك من آثار اقتصادية على العالمين الدولي والعربي، ومن قبله كانت أزمة النفط العالمية التي ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد الدولي حتى الآن، والتي فرضت بالفعل سياسات اقتصادية جديدة، تحديداً على الدول المنتجة للنفط سواء من داخل منظمة الدول المصدّرة «أوبك» أو حتى من خارجها، نظراً إلى ما خلّفته الأزمة من تراجع حادّ في أسعار النفط، ومن ثم تهاوي إيرادات الدول النفطية وتحديداً العربية والخليجية منها.

وسبقت ذلك كله الأزمة المالية العالمية التي فرضت على العالم ما يشبه الدخول في صراع جديد من أجل العملات واستقرار أسعار الصرف، وهو الأمر الذي دفع بالقوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية للتدخل من أجل الحفاظ على عملتها قوية في مواجهة العملات العالمية الأخرى.

كلّ تلك المتغيّرات تفرض على الاقتصادات العربية ضرورة اتباع سياسات جديدة تعمل على الحدّ من حالات الانكماش والتراجع التي تتعرّض لها بعض الاقتصادات والنهوض بها من كبوتها، خاصة في ظلّ تراجع معدّلات الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يمثل بدوره عاملاً رئيساً في حصيلة العملة الأجنبية.

وقد بدأت دول عربية وخليجية اتخاذ سياسات بديلة لمواجهة الآثار السلبية لتلك المتغيّرات، فأعلنت التوجه نحو سياسات توسيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية، وإعادة النظر في سياسة الدعم والنظم الضريبية، فضلاً عن اتفاقات خارجية لدعم التجارة الخارجية، بما يعزز من الأداء الاقتصادي للدول العربية.

غير أنّ الاقتصادات العربية، ومنها مصر، ما زالت في حاجة إلى سياسات أخرى تتعلّق بالسياستين النقدية والمالية، والتي تتصل اتصالاً مباشراً بالادّخار ومن ثم تشجيع الاستثمار، وكذلك معدّلات الفائدة على الودائع والقروض، والذي يؤدّي ذلك كله الى تشجيع الاستثمار سواء عن طريق تحويل مدّخرات القطاع العائلي إلى الاستثمار أو عن طريق تقديم تسهيلات ائتمانية لتمويل المشروعات والتوسّع في القروض بشروط ميسّرة، وذلك نظراً إلى ما يمثله الاستثمار من أهمية كونه أحد دعائم الاستقرار الاقتصادي في الدول العربية.

غير أنّ الواقع الاقتصادي يقول إنّ الدول العربية، وتحديداً الخليجية ليست لها استراتيجيات اقتصادية واضحة، يمكنها اللجوء إليها لمواجهة التداعيات السلبية لتلك المتغيّرات العالمية، وذلك نظراً لاعتمادها وبشكل كبير على عوائد النفط، كمصادر لتمويل الموازنات، مما عرّضها لعجز كبير خاصة في الدول التي تعتمد في جزء كبير من إيراداتها على عوائد النفط، وتحديداً من داخل منظمة الدول العربية المصدّرة للنفط «أوابك» كالسعودية والإمارات وقطر وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يعني أنّ الاقتصادات العربية مرشحة لمزيد من النتائج السلبية، على الأقلّ في الأجل القصير نظراً لعدم امتلاكها لسياسات اقتصادية بديلة جاهزة للتطبيق، مما يجعلها تدخل دائرة التجربة/ الخطأ وما يستتبعها من تقلبات اقتصادية تنعكس على المواطن العربي.

الدول العربية إذن في حاجة إلى مكاشفة اقتصادية وإعادة النظر في طبيعة العلاقات التي تربط بينها، والعمل على تعزيزها بما يسمح بمزيد من التكامل الاقتصادي ليس حفاظاً على الاقتصادات الساعية للتقدّم، ولكن أيضاً للحفاظ على اقتصادات الدول الكبيرة.

كاتب وصحافي مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى