أين قضى المسؤولون اليمنيون إجازة عيد الفطر؟

د. يوسف الحاضري

لا يخفى أنّ معظم المسؤولين في اليمن كانت إجازاتهم السنوية وأيضاً العيدية فرصة لهم للهرب خارج اليمن للاستمتاع في أرض غير الأرض التي هم مسؤولون عن بنائها وتنميتها، وليتعايشوا مع أناس غير الناس الذين هم مسؤولون عن حياتهم ومعاشهم، من منطلق أنّ اليمن ليس فيه ما يلبّي رغباتهم بذلك القدر الذي يجدونه دوماً في شواطئ أميركا أو ملاهي أوروبا أو مناظر آسيا أو فنادق الدول العربية. فيجدون في أرض اليمن العذاب النفسي والبدني لهم يتوجب عليهم أن يتحمّلوا هذا حتى تأتي فترة الإجازات للانطلاق إلى الخارج للترفيه عن أنفسهم. متناسين أنّ مسؤوليتهم التي جعلتهم يتربّعون على المناصب هذه ويتحكّمون بأموال العباد وثرواتهم هي التي يتوجب عليهم تهيئة اليمن ليتناسب مع ما يجدونه في الخارج من تنمية وأماكن ترفيه وخدمات راقية وغير ذلك، وليس فقط حصد الأموال من مصادر فساد خلال أشهر عدّة ليبعثروها في الخارج خلال أيام معدودة، وعندما يعودون إلى اليمن تضيق بهم أنفسهم ويفكرون أين سيقضون الإجازة المقبلة من دون أدنى اهتمام بأرضهم وتنميتها لتضاهي تلك الأرض التي أنفقوا فيها الدولارات الكثيرة لترفيه أنفسهم، وهذه كانت ثقافة أكثر من 99 في المئة من مسؤولي اليمن خلال العقود السابقة والتي أدّت إلى إفقار اليمن وتدهوره تنموياً وتفكّك أواصر الترابط مجتمعياً. خصوصاً عندما يرى الفقير انه لم يستطع أن يُكسي ابنه بثوب ثمنه 3 أو 4 دولارات، بينما هذا المسؤول أو ذاك أنفق 300 أو 400 ألف دولار في إجازة عيدية قصيرة. وأنه حتى يوم العيد لم يستطع تذوّق مرق اللحمة فيما هذا المسؤول وذاك وأبناؤهم يتباهون بصورهم المنتشرة في الإنترنت بمشوياتهم على شواطئ البحار أو قمم الجبال ذات المناظر الخلابة… هكذا كان عيد مسؤولي اليمن في ما مضى!

اليوم، ونحن نعيش فترة «أنصار الله»، ونعيش أيضاً فترة السنة الثانية من عدوان العالم أجمع بقيادة أميركا والسعودية و«إسرائيل» على اليمن وحصارهم أيضاً، فقد تربع كثيرون من «أنصار الله» على عدد من الكراسي القيادية والإدارية في اليمن وحلّوا محلّ أولئك المسؤولين السابقين، فكيف كان عيدهم هذا وأين قضوا إجازاتهم؟

انطلاقاً من شعارنا الذي أطلقناه قبيل أيام العيد بعنوان « عيدنا جبهاتنا»، لم يكن هذا شعاراً دعائياً أو استهلاكياً للنفس اليمنية أو إظهار يقظتنا للأعداء بصورة إعلامية مجرّدة، ولكنها كانت فعلاً قبل القول، عوضاً عن أنها شملت جميع المنتمين إلى «أنصار الله» من أعلى مرتبة حتى آخر فرد فيهم، وفي مقدّمهم الوزراء ورؤساء الجامعات والقيادات العسكرية والمسؤولون أجمع. فقد تحرّك الجميع منذ أولى ساعات العيد تاركين أبناءهم ونساءهم والذين كانوا يمنّون أنفسهم قضاء العيد مع آبائهم، فانتشروا جميعاً في الأرض اليمنية، في الريف والجباله والسهول والصحارى. جزء منهم تحرّك لتلك الجبهات العسكرية الحامية الوطيس كجبهة نهم وجبهة مأرب وجبهة الجوف وجبهة ميدي وجبهة تعز وذوباب والبيضاء وشبوة وبقية الجبهات ليزوروا المجاهدين من أبناء الجيش واللجان الشعبية المرابطين فيها ويقضوا معهم العيد ما بين فرحة ورقصات شعبية وجلسات تذكيرية وغير ذلك، ووجدنا أيضاً وزراء ومسؤولين وقيادات عليا انتشروا في مديريات وقرى عدد من المحافظات ليقضوا أيام العيد معهم خاصة مديريات عمران وحجة وصعدة وإب وتعز والبيضاء والحديدة وغيرهن، متنقلين خلال فترة 4 الى 5 أيام من هذه القرية الى هذه المديرية يجتمعون مع المجتمع اليمني ويحتفلون بلحظات عيدية ويتناولون معهم طعام الغداء من الأكل نفسه الذي يأكلونه من دون إسراف أو تكلف، وينهون يومهم باجتماع عصري مقيل لجميع أبناء المنطقة يتذاكرون فيه نعمة الله على اليمن في ظلّ العدوان العالمي الظالم الغاشم وواجب الجميع في الصبر والمصابرة واليقظة وغير ذلك، ما انعكس إيجابياً وبشكل كبير على نفسيات الشباب اليمني بعد أن رأوا مثلاً وزير التعليم العالي يقضي عيده في هذه المنطقة النائية البسيطة التي لا مغريات الدول الخارجية فيها، ويجدون مثلاً وزير التعليم الفني أو وكيل وزارة الصحة أو التربية أو غيرها يتناولون معهم طعامهم العيديّ المتعارف عليه ولن يجدوا لهم ولأبنائهم صوراً في الإنترنت وهم في تلك الملاهي العالمية او الشواطئ الماجنة يبعثرون ثروات الأرض والإنسان اليمني. ويجدون رئيس جامعة صنعاء ونوابه ونواب جامعات أخرى كجامعة إب وعمداء عدد من الكليات يجتمعون معهم في فترة العصر ويجلسون على الفرش نفسه ويتكئون على «المداكي» نفسها التي يتكئ عليها أبسط إنسان في تلك المنطقة، ويتحاورون معهم في نقاشات تهمّ الوضع الحالي والتخطيط المستقبلي على جميع الأصعدة من دون أيّ حاجز يفصلهم عن هؤلاء، وهم الذين كان الوصول إلى أسلافهم في ظروف عملية والتي فيها المسؤولية تحتم عليه استقبال المواطن ضرباً من الخيال والاستحالة إلا في ما ندر، ووجدنا كثيرين من كبار الإعلاميين والثقافيين والمشرفين في هذه المسيرة يقضون أيام أعيادهم في متراس عسكري في جبهات القتال والذوْد عن حمى الوطن.

إجمالاً للموضوع، فقد تجلّت أدبيات كثيرة أسّسها الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي في ما يسمّى «مَلازم»، وواصل مسيرته منذ استشهاده وحتى اليوم أخوه السيد عبد الملك الحوثي على نفسيات كثيرين من أنصار الله، وتلاشت بينهم تلك الطبقية الناتجة عن المسؤولية الوظيفية قيادية كانت او إدارية، عوضاً عن أنّ من يتلقى توجيهات بأن يكون مسؤولاً في عمل ما ومنصب ما فإنّ ذلك لا يعفيه بتاتاً من القيام بواجبه الجهادي في باقي المجالات، سواء كانت واجبات مجتمعية أو ثقافية أو تعبوية أو غير ذلك، ما يجعل من ناتج هذه التوجّهات تنعكس على النجاح في العمل وعلى نفسية المسؤول بحيث يشعر بوجوده في كلّ حاجيات المجتمع سواء تلك التي تندرج تحت خصوصياته الوظيفية او التي لا تندرج، ويعاد إليه شعوره الحقيقي الوطني أنه من تراب هذا الوطن وعليه التزامات وواجبات هذا الانتماء والذي يقوده إلى عدم التفريط بواجباته سواء الرسمية او الواجبات الأخرى.

درس آخر يقدّمه السيد عبد الملك الحوثي للمسؤول والمواطن اليمنيَين على حدّ سواء، من خلال الاهتمام بأن يكون العيد هذا وكلّ الأعياد المقبلة على هذا المنوال وهذه الوضعية، لأن فيها كلّ عمل إيجابي يكون مباركاً ومسدّداً وفيه كلّ الخير والنجاح، فأعيادنا جبهاتنا، لا فنادق الغرب وشواطئه وملاهيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى