بعلبك تتحضّر لمهرجاناتها الدولية
محمد أبو إسبر
تتهيّأ مدرجات معبد باخوس لاستقبال ثمانية أعمال ضمن فعاليات مهرجانات بعلبك الدولية، تتنوّع ما بين المحلية والعربية والعالمية، وتحاكي الثقافات والأذواق الفنية المتنوّعة والمتعدّدة، إلا أن لؤلؤة المهرجانات لهذه السنة، ستكون المسرحية الغنائية الراقصة لمسرح كركلا «إبحار في الزمن»، في عمل يستعيد طريق الحرير ليؤكد أهمية التلاقي بين الشعوب والتفاعل بين ثقافاتها، أعدّه أحد أبرز عمالقة الفنّ في العالم الفنان عبد الحليم كركلا خصّيصاً للذكرى الستين لانطلاقة المهرجانات في مدينة الشمس، وحشد له ما يقارب مئة وثمانين فنّاناً، العشرات منهم من فِرق صينية وهندية، إضافة إلى مطربين وفنانين من شيراز وأصفهان والبندقية شكلوا قيمة مضافة إلى فرقة كركلا والفنانين اللبنانيين.
عمل «كركلا» الضخم يحمل رسالة إنسانية تغوص في التاريخ، وتحاكي الأزمنة الغابرة قبل العودة إلى الحاضر الذي انطلقت منه في رحلتها، وتنهل في تطوافها لوحات فنية من الحضارات الممتدة ما بين الشاطئ الفينيقي وبلاد السند والهند وصولاً إلى أعماق آسيا الوسطى وأقاصي الشرق، لتطلّ على حضارة بلاد الرومان خلال الترحال، فتصل ما بين ثقافات الشرق والغرب.
أما جديد كركلا فأمران، أولهما أن العمل بكامله شعراً وألحاناً ولوحات وكوريغرافيا وإخراجاً من إبداعات فرقة كركلا من دون إشراك أحد، وثانيهما سيطلّ من عليائه صوت الشاعر سعيد عقل خلال العمل في إلقاء قصيدة من كلمات «شيخ الشباب» المرحوم عباس كركلا والد الفنانين عبد الحليم وعمر كركلا ترسم شعراً عظمة معابد قلعة بعلبك، ومطلعها:
«حجرك يلي انعبد
شقع جنك
والحلى بعلبك
أخد نتف منك
للوقوف على تفاصيل عمل كركلا الأسطوري الذي سيرويه الزمان، التقت «الوكالة الوطنية للإعلام» المخرج المبدع والمتألق إيفان كركلا الذي قال: «العمل أعددناه خصّيصاً للاحتفال بالذكرى الستّين لانطلاقة مهرجانات بعلبك الدولية، إنه إبحار في الزمن، مستوحى من حضارات طريق الحرير التي هي الجسر الذي كان يربط ما بين الشرق والغرب، والرسالة: عالم واحد وإنسان واحد، لأنه من خلال طريق الحرير وحضاراته حصل تبادل ثقافي وتقارب بين الشعوب، إضافة إلى ازدهار للانسان بتعرفه إلى الآخر وثقافة وأفكار وآراء الآخر، لذا فالعمل عبارة عن رسالة حضارية ثقافية فنية من مسرح كركلا إلى العالم».
واعتبر كركلا أنّ مهرجان بعلبك هو مهرجان لبنان، وشرف لكركلا إحياء هذه المناسبة التي أعددنا لها عملاً يليق بها وبالمهرجانات العالمية. والحكاية تبدأ من بعلبك وتنطلق إلى طريق الحرير عبر عمان والهند وصولاً إلى الصين، لتعبر من هناك إلى صحراء تكلمكان وسمرقند وأصفهان وشيراز، ثمّ الرجوع إلى البندقية قبل العودة إلى بعلبك محور المكان والزمان.
وقال: «يبدأ العمل بالزمن الحاضر، ثم يغوص في أعماق الماضي في رحلة طويلة تطوف على الحضارات والفنون، قبل العودة مجدّداً إلى الحاضر للاحتفال بالعيد الستين لمهرجانات بعلبك الدولية».
وردّاً على سؤال عن مشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين العالميين قال كركلا: «لنكن حقيقيين في مضمون العمل، أشركنا ثلاثين راقصاً صينياً من أهمّ خمس فِرق صينية، و16 راقصاً من الهند وستة مطربين من الهند، ومطربين من شيراز وأصفهان، وفنانين من البندقية، إضافة إلى فرقة وأعضاء مسرح كركلا وكبار نجوم المسرح والغناء اللبناني أمثال هدى حداد، إيلي شويري، جوزف عازار، سيمون عبيد، غبريال يمين، رفعت طربيه، نبيل كرم، علي الزين، روميو الهاشم، وضيف البرنامج الصوت التراثي الفولكلوري الأصيل هادي خليل».
وعن شعوره كلّما قدّم عملاً في بعلبك أكد أن تقديم العمل بين رحاب معابد هياكل قلعة بعلبك يشعرنا بعظمة المكان، فكما كانت تقدم التضحيات لآلهة الرومان قبل آلاف السنين، نقدم قرابين الفن إلى جوبيتر وباخوس وهياكل بعلبك العظيمة، وضمن العمل هناك شخصية جوبيتر الذي بعد آلاف السنين لا يزال حاضراً في المعابد، ويستقبل ضيوفه سواء في شخصية المرشد أو النسر الذي يحلق فوق معبده، ويتمثل بشخصيات شتى.
وعن العبرة من إصرار كركلا على تقديم هذا العمل على رغم كلّ المصاعب التي يواجهها لبنان والمنطقة العربية، قال: «إن الفنان يتحدّى ذاته، والفنان هو ابن زمانه، ولكن لديه استطلاع حضاري عالمي، واستشراف للمستقبل، ليكون مواكباً للمسرح العالمي، ولدى الفنان مسؤولية، من خلال فنّه يوجّه رسالة مفادها أن الروح والشخصية والثقافة اللبنانية مهما كانت الصعاب والعواصف والغيوم السوداء تحيط بنا، فستبقى رسالة الفنان اللبناني مستمرة وتلمع وتضيء ما حولها. وافتتاح مهرجانات بعلبك بهذا العمل الضخم لفرقة كركلا الذي يحاكي عظمة معبدي باخوس وجوبيتر هو دليل بأننا كلبنانيين بألف خير، وبأننا نحمل شعلة الحضارة في منطقة الشرق الأوسط، ونتمنى أن يساعدنا المحيط في إيصال هذه الرسالة إلى العالم، لا إلى لبنان فقط».
وتابع: «نوجّه التحية إلى لجنة مهرجانات بعلبك الدولية للتعاون بهذا العمل الصعب جداً وبهذا التحدّي، وبالتعاون لنصل معاً إلى نتيجة ليس فقط تليق بنا وببعلبك، إنما لإعادة الفرحة إلى أهالي بعلبك ومدينة بعلبك التي هي الأساس في المهرجانات وهي منبعها، وكذلك الأمر لنعيد التألق للبنان كل لبنان».
وختم الفنان إيفان كركلا بالقول: «تجوب فرقة كركلا مسارح العالم، ولكن فرحتها الكبيرة عندما تنجح في بلدها، وتنطلق من بلدها إلى العالم لإيصال رسالتها الفنية والحضارية والإنسانية. هذا المسرح هو الأمل، وهذا الجمهور هو الأمل، وهذه الشعلة الثقافية التي لم تنطفئ منذ أيام الفينيقيين مروراً بالعهود الرومانية واليونانية والبيزنطية والصليبية والعثمانية وما عانيناه من استعمار واحتلال عبر الأزمنة، ستبقى مضاءة ولن تنطفئ أبداً».
البرنامج
وفي ما يلي برنامج حفلات مهرجانات بعلبك الدولية التي تقام على مدرجات وفي رحاب معبد باخوس:
ـ الجمعة 22 والسبت 23 تموز 2016 : «إبحار في الزمن» إبداع مسرحي يجسّد حضارات طريق الحرير احتفالاً بالعيد الستين لمهرجانات بعلبك الدولية لإيفان كركلا.
ـ السبت 30 تموز 2016: موسيقى إلكترونية للفنان الفرنسي العالمي جان ميشال جار الذي بدأ نجاحه الباهر قبل أربعة عقود عند إطلاق عمله الشهير «أوكسجين».
ـ الخميس 4 آب 2016: حفل موسيقى البوب مع الفنان العالمي لبناني الجذور ميكا المتصدّر قائمة الأغاني في فرنسا مع أغنيته «بوم بوم بوم».
ـ الجمعة 12 آب 2016: الفرقة الرباعية لعازف البيانو بوب جايمس وحفل موسيقى جاز أميركي، بصحبة كارليتوس دل بويرتو على الكمان الأجهر، وبيلي كيلسون على الطبول، وبيري هيوغز على الغيتار.
ـ الجمعة 19 آب 2016: المغنية اللبنانية عبير نعمة وحفلها الموسوم بِاسم: «المتنبي… مسافراً أبداً»، الذي يحاكي محطات المتنبي وأشعاره ورحلاته من العراق إلى بلاد الأندلس، مروراً بالبادية العربية وأهازيجها وأنغام غجر بلاد المجر وفولكلور دمشق وحلب، وأغان من بلاد اليونان وأرمينيا وتركيا، إضافة إلى ترانيم روحية آرامية من سورية وأناشيد صوفية من المغرب، وتتعانق في الحفل موسيقى لبنان مع أغاني جزيرة سردينيا ومصر، وألحان وأغان من بلاد إيران والهند وآسيا الصغرى.
ـ الأحد 21 آب 2016: ليزا سيمون تخطو على وقع فنّ والدتها نينا سيمون التي غنّت على أدراج بعلبك قبل عشرين سنة. ستغنّي ليزا سيمون أغانيها الخاصة إضافة إلى ما اختارته من خوابي والدتها المعتقة.
ـ الجمعة 26 آب 2016: المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب في حفلة شرقية تنهل فيها من قديمها وجديدها.
ـ الأحد 28 آب 2016: حفل الختام على أنغام التانغو الأرجنتيني يحييه خوسيه فان دام وجان لويس راسينفوس وجان فيليب كولار نيفين، يستعيدون خلاله ألحاناً لكارلوس غارديل.