خطايا مشروع قانون الصحافة والإعلام
بشير العدل
يتصوّر البعض، خطأ، أنه بإقرار مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد، الذي أعدّته لجنة الخمسين، ورفعته إلى الجهات المعنية للنظر فيه، تمهيداً لإقراره من المجلس النيابي، يتمّ القضاء على ما يراه البعض جزءاً من الانفلات الصحافي، وكلاً من الفوضى الإعلامية.
ومن أسف أنّ من بين المنادين بسرعة إقراره، نقابة الصحافيين، التي شاركت بشكل أو بآخر في صياغة المشروع، وذلك بمساهمة النقيب الزميل الفاضل يحيى قلاش في أعمال لجنة الخمسين المكلفة بوضع المشروع، حتى اعتذر عن المشاركة فيها بعد إعلانه الترشح لمنصب النقيب في الانتخابات التي جرت العام الماضي، وكذلك المجلس الأعلى للصحافة، الذي ينادي هو الآخر بسرعة إقرار مشروع القانون، وله الحق في ذلك نظراً لمشاركة الأمين العام الزميل صلاح عيسى وبشكل فعّال في أعمال لجنة الخمسين، بجانب رئيس وأعضاء من المجلس.
والحقيقة أنّ ذلك التصوّر ليس في موضعه، لأنّ حالات الانفلات التي أصابت بعضاً من الصحافة، والفوضى التي لحقت بالإعلام، ليس مردّها عدم إقرار القانون، نظراً لوجود قوانين فعلية لضبط الأداء الصحافي والإعلامي، مثل قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996، وقانون نقابة الصحافيين 76 لسنة 1970، وميثاق الشرف الصحافي، هذا في ما يتعلق بالصحافة. أما في ما يتعلق بالإعلام فهناك قرارات من غرفة صناعة الإعلام ليس معمولاً بها، نظراً لسيطرة رأس المال الخاص عليه ومن ثم فتح المجال أمام حالات من المجاملات الخاصة، بجانب توسّع البعض منها في نفاق السلطة والمبالغة فيها، وهنا لا نقصد السلطة الحالية، وإنما الحالية والتي سبقتها.
ومشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحّد عندي يأتي ليزيد الطين بلة، فلن يكون كفيلاً بحلّ أزمات الصحافة والإعلام، بل يزيدها عدداً وتعقيداً، وذلك لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، أنه جاء بمثابة مشروع قانون لتنظيم الصحافة المملوكة للدولة، وانصبّت كلّ نصوصه في هذا الاتجاه، وتجاهل الصحف الخاصة والحزبية، والتي تمثل أكثر من 50 بالمئة من الصحافة المصرية، ليكون مشروع القانون تأكيداً على هيمنة السلطة التنفيذية على الصحافة، باعتبارها مملوكة للدولة.
وعندي أيضاً أنّ مشروع القانون حمل كثيراً من الخطايا بحق الصحافيين، وبحق المهنة، فجانب العوار الدستوري الذي يصيبه، نظراً لتعارضه مع نصوص الدستور التي تحدثت عن تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وما يعنيه الأمر من وجود قانون لكلّ جهة، بعد أن جاء مشروع القانون بوحدة متكاملة للجهات الثلاث، فإنّ تمييزاً آخر وانْ شئت قل خطايا حمله المشروع، وهو التمييز بين الصحافيين، على أساس الانتماء المؤسّسي، فقد أعطى ميزات في الحقوق، للصحافيين العاملين في المؤسسات المملوكة للدولة، ولم يتعلق الأمر ذاته بغيرهم من الصحافيين في الصحف الخاصة أو الحزبية.
ومن بين الخطايا أيضاً، أنّ تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة، والتي من المفترض فيها أنها تتعلّق بكلّ أعضاء نقابة الصحافيين، التي لا تميّز في العضوية بين الصحافيين في المؤسسات المملوكة للدولة وبين غيرهم في المؤسسات الخاصة والحزبية، جاء التشكيل خالياً من تمثيل الصحافيين المستقلين أو الحزبيين واقتصر على الصحف المملوكة للدولة، حتى في الجزء المتعلق بحق اختيار نقابة الصحافيين لبعض من أعضاء الهيئة، فقد جاء المشروع ليفرض على النقابة أن تختارهم من بين العاملين او المنتمين للصحف المملوكة للدولة.
ومن أفدح الخطايا التي جاء بها المشروع أنه أبقى على عقوبة حبس الصحافيين في قضايا النشر، حينما استبدل الحبس بالغرامة التي تصل الى نحو 300 الف جنيه. وهي القيمة التي يعجز الصحافي عن سدادها، وتمتنع مؤسسته عن سدادها خاصة المؤسسات الحزبية والخاصة، مما يعني في النهاية الوصول الى الحبس لعدم سداد الغرامة.
بجانب ما سبق فقد جاءت اختصاصات الهيئة الوطنية في مشروع القانون في 18 بنداً ليس من بينها بند واحد يتحدث عن حقوق الصحافيين غير العاملين بالمؤسسات المملوكة للدولة.
ومن بين الخطايا أيضاً عملية التمييز الفجة التى مارسها مشروع القانون بين الصحف المملوكة للدولة، وغيرها من الصحف الحزبية والخاصة، حيث حرم الأخيرة من مميّزات معطاة للأولى منها إعفاء الهيئة الوطنية للصحافة، وكذلك المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة من الضرائب، والرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج التي يتمّ استيرادها، سواء كانت معدّات، أو وسائط، أو أي أجهزة تلزم نشاط تلك الصحف، ما يعني فرض مزيد من القيود على عمليات أداء وتطوير المؤسسات الخاصة والحزبية التي تعاني بالأساس من أزمات مالية.
خطايا مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام كثيرة، ولا يتسع المكان لسردها، ويمكن تناولها في مقالات أخرى، غير أنّ مطالبات البعض، ومن شديد الأسف، وكما أسلفنا الحديث، منها نقابة الصحافيين، بضرورة إقراره بالصورة الحالية، يؤكد أنّ هناك مشاركة في جريمة بحق الصحافيين، إذا تمّ إقرار المشروع بالصياغة ذاتها التي هو عليها الآن، والتي للأسف أيضاً، لا يعلمها كثير من الصحافيين وأبناء المهنة والمهتمون بها.
وإذا كانت الدولة، ومعها الجهات المعنية بشؤون الصحافة والإعلام، تريد خيراً للبلاد والعباد، فإنّ مشروع القانون في حاجة الى إعادة نظر موسّعة، يشارك فيها الجميع، دون التأكيد على عبارات يردّدها البعض، تلقي بمسؤولية عدم عرضه على الجماعة الصحافية، بأنها مسؤولية نقابة الصحافيين، فخطايا المشروع حال إقراره لن تتوقف سلبياتها عند جهة معينة وإنما يدفع ضريبتها العباد قبل البلاد.
قلت آنفاً وأكرّر، إنّ مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام بصيغته الحالية جريمة كبرى بحق الصحافيين المصريين، لن يغفرها التاريخ لكلّ من ساهم فيها، عن قصد أو عن غير قصد، وهو ما يتطلب نقاشاً موسعاً قبل أن توافق عليه الحكومة وترفعه للمجلس النيابي لإقراره… وللحديث تكلمة إنْ كان في العمر بقية..
كاتب وصحافي مصري
مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة