«إسرائيل» نتنياهو في أحسن أحوالها!

رامز مصطفى

نتنياهو منتشياً وفرحاً، والأوكسجين يملأ صدره ورئتيه، وتعابير وجهه منشرحة رُغم قبحه، ومؤكد معه كلّ ائتلاف إجرامه الحكومي، ومن خلفهم جموع المستوطنين الذين يزداد توحشهم. كيف لا، وهو يشاهد بأمّ عينيه حالة الانحدار في كلّ شيء، على امتداد ذاك الوطن الذي ما زلنا متمسكين به، والمُسمّى الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، في زمن لم يعد فيه هذا الوطن يشبه تاريخه ولغته وأبناءه الذين استبدلوا مصيرهم المشترك بلغة السلاح وهدر الدماء والتآمر من أجل حدود دويلاتهم الطائفية والمذهبية والعرقية بدماء أبنائهم، وكأن لا تاريخ قد جمعهم، أو لا يزال شيء منه يجمعهم ولو في الحدود الدنيا.

من البديهي أن يُسارع نتنياهو الخطى في توظيفه لتلك الأوضاع التي تعيشها المنطقة في أكثر دولها حضوراً وثقلاً إقليمياً، على اعتبار أنّ الفرصة لا تلوح كما يقولون إلاّ مرة واحدة، وفرصة نتنياهو هذه المرة بألف فرصة وفرصة. فمن كيان محاصر وشبه معزول، وقد بدأت الأرض تضيق عليه في أكثر الدول تعاطفاً معه منذ نشأته على الأرض الفلسطينية، بسبب جرائمه وبكلّ عناوين تلك الجرائم وبشاعتها. لنجد أنّ الأبواب المفترض على أنها الأكثر إحكاماً في الإغلاق بوجهه، بدأت مفاتيح نقص المناعة الوطنية والقومية تدور في أقفال أوسع عمليات تطبيع مع «إسرائيل»، التي لم تكن لتحلم بذلك لولا الإعصار الذي يضرب المنطقة منذ ست سنوات.

ها هي الدول الواحدة تلو الأخرى تستقبل نتنياهو والتي كانت تعتبره ولوقت قريب منبوذاً، وتحرص على عدم الاقتراب منه أو اللقاء به. لينقلب المشهد رأساً على عقب فبدأت تلك الدول السعي لخطب ودّه والتطبيع مع كيانه على حساب ما كانت تعتبره هذه الدول بالقيم والمبادئ التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى، كما أوراق الشجر في الخريف. ولنجد بعضاً من تلك الدول امتهنوا السمسرة السياسية ليُظهروا لنتنياهو كم هم يحرصون على الكيان ومتطلباته واحتياجاته الأمنية. تلك الدول بدأت ممارسة الضغوط من أجل إنشاء منظومة عمل إقليمي ببعديه الاقتصادي والأمني بالشراكة مع «إسرائيل»، تحت ذريعة أنّ التسليف في السياسات ولو حساب الحقوق العربية والفلسطينية، هو السبيل الوحيد من أجل إقناع ساسة «إسرائيل» بالانخراط في عملية سياسية تفاوضية جادّة وإيجاد الحلّ الخديعة «حلّ الدولتين»، وهي لهذه الغاية اقترحت على بعض الدول النافذة إقليمياً، إدخال تعديلات جوهرية على المبادرة العربية، بحيث يكون حق عودة الفلسطينيين من النقاط المطلوب إسقاطها من المبادرة.

من تركيا الأردوغانية التي صعدت أعلى قمة الشجرة في مواجهتها لـ«إسرائيل» على خلفية سفينة «مرمرة»، نجدها اليوم تتهاوى إلى أسفل تلك الشجرة التي أنزلها عنها نتنياهو، مسقطاً كلّ اشتراطاتها في عودة العلاقات والتطبيع معها، خصوصاً ما يتعلق بفك الحصار الكامل عن قطاع غزة، ليتحوّل إلى تخفيف القيود عن القطاع من دون فك الحصار.

إلى توطيد العلاقات الروسية «الإسرائيلية»، والزيارات المتتالية التي قام بها نتنياهو إلى موسكو، التي تعمّد ومن الكرملين القول إنّ الجولان باق كجزء من الكيان «الإسرائيلي». والمفارقة أنه وفي الوقت الذي يعمل الكيان قتلاً وحرقاً وتهويداً واستيطاناً يقوم الرئيس الروسي بوتين بإعادة الدبابة التي غنمها الجيش السوري خلال حرب العام 1982، في دلالة بالغة عن عمق العلاقة الروسية «الإسرائيلية».

لنلاحظ أنّ التطبيع بين العديد من الدول العربية وتحديداً الخليجية مع «إسرائيل» آخذ بالتطور والتسارع في خطواته، من خلفية استبدال أولويات الصراع، لتتحوّل وجهته من صراع مع «إسرائيل»، إلى صراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا ما تؤكده الاصطفافات الإقليمية التي تسير نحو التبلور، والحديث علانية أنه من الممكن الاعتماد على «إسرائيل» في مواجهة ما أسموه الأطماع والحدّ من التطلعات التوسعية الإيرانية في المنطقة، وهذا ما عبّر عنه نتنياهو في قوله خلال حضوره دورة في ما تسمّى بـ«كلية الدفاع الوطني»: «أنّ هناك العديد من الدول العربية المحيطة بإسرائيل بدأت تتفهّم أنّ إسرائيل ليست عدواً وإنما صاحبة تحالف معه». في خطوة من شأنها وبكلّ الوضوح أن تكون على حساب القضية التي لطالما اعتبروها القضية المركزية لهم، لتنتقل تلك الدول من موقع الداعم للفلسطينيين إلى موقع الضاغط عليهم من أجل دفعهم مرة جديدة إلى طاولة المفاوضات مع نتنياهو الذي قال: «قديماً كان يعتقد أنّ علاقات سلام مع الفلسطينيين تخلق توصلاً للسلام مع العالم العربى، لكن الآن الحال تغيّر، بمعنى أنّ دفع العلاقات مع الدول العربية سيخلق سلاماً مع الفلسطينيين». وفي السياق أتت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الكيان ولقائه نتنياهو حاملاً رسالة من الرئيس السيسي وصفت بالهامة وتتمحور حول المقترح المصري بما يتعلق بالتسوية بين السلطة والكيان، والتي أتت بالتزامن مع المبادرة الفرنسية التي عمل نتنياهو على تمييعها، من خلال حديثه بإيجابية عن المبادرة العربية. وما كشفه السيد عباس زكي عضو اللجنة المركزية في حركة فتح على شاشة قناة «الميادين»، عن أنّ مقترحاً مصرياً حول عقد قمة تضمّ إلى جانب الرئيس السيسي كلاً من رئيس السلطة السيد محمود عباس، ورئيس حكومة العدو نتنياهو، يأتي في سياق الجهود التي تتخوّف السلطة الفلسطينية عن أنّ تلك الخطوات من شأنها قطع الطريق أمامها للتوجه نحو تدويل القضية. ناهينا عن زيارة نتنياهو إلى عدد من عواصم الدول الأفريقية، والتي وصفتها أوساط «إسرائيلية» بالناجحة والناجحة جداً.

لتتوّج تلك الخطوات الإنفتاحية اتجاه «إسرائيل»، وتمثلت في تسليم رئاسة اللجنة القانونية في المنظمة الدولية إلى «إسرائيل»، برئاسة مندوبها داني دانون. هذا من جهة ومن جهة أخرى تقرير الرباعية الدولية الأخير والذي جاء محمّلاً الفلسطينيين مسؤولية العنف وتردّي الحالة الأمنية في الأراضي المحتلة، ومساوياً بين الضحية الفلسطينية والجلاد «الإسرائيلي».

والمؤسف أنه في الوقت التي تُشرّع الأبواب أمام «إسرائيل»، يزداد المشهد سوءاً في المقلب الفلسطيني، من خلال ضيق مساحة وهوامش الحركة السياسية أمام السلطة، وبالتالي استمرار حالة الانقسام والمرشحة إلى المزيد من التكريس جغرافياً وسياسياً، وتراجع ملحوظ في أعمال الانتفاضة بفضل السياسات الأمنية التي تتبعها السلطة وأجهزتها الأمنية، وازدياد الصعوبات الاقتصادية أمام السلطة مع حالة من الفلتان الأمني التي تشهدها بعض مناطق السلطة، ناهينا عن الحديث الذي يدور عن صراع محموم على خلفية من سيرث الرئيس عباس في رئاسة السلطة، والطامحين إنْ لم نقل الطامعين… كثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى