قرارنا… العراق ليس مكاناً لداعش ولا للأميركان

سناء أسعد

في الحروب ليس هناك أقسى من الالتفات الى المنافقين والانشغال بالمتمرّدين الذين لا هم في صفوف العدو بشكل مباشر، ولا هم مقاتلون في قلب المعركة، بل هم أشبه بخفافيش الظلام أو الفئران المذعورة كالذين يطلق عليهم الخونة المتواطئون المتلحفون بعباءة الوطنية أو يليق وصفهم بدواعش الداخل… هذا لقب فرضته طبيعة الحروب الكبيرة التي نشهدها اليوم ونتذوّق مراراتها ونعيشها بكلّ مفاصلها من أكبر باب الى أصغر زاوية.. والتي يشترك فيها العالم كله ولكن بأدوار مختلفة وفي اتجاهات عديدة… أو الانشغال بالمتسلقين الانتهازيين الذين لا يخرج دورهم عن حيّز الادّعاءات الواهمة والتي لا تتبلور ضمن مفهوم المواجهة الحقيقية.. فقط يتشاطرون في إطلاق التصريحات والشكوك وتبادل التوقعات والاحتمالات فيخلو جدول مخططاتهم من أي عزيمة جدية صارمة للحسم خارج اطار مصالحهم وأطماعهم.. هذه معادلة ثابتة تتكسّر أمامها جميع الوقائع والمعطيات ويتمّ دائماً ترميمها وبرمجتها على أنها متابعة للجهود المكثفة ولكن ضمن آلية معينة لا تخلو من بعض الضغوط التي لا يمكن تجاهلها حتى لا تتمخض مجريات الأمور بنتائج عكسية لم تكن أبداً في الحسبان. وهذه السياسة المتلوّنة الملتوية هي الأقرب للسياسية المتبعة من قبل الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية…

فبالرغم من أنّ جميع الحروب التي تشهدها المنطقة بالكامل سواء في سورية أو في اليمن والعراق هي صنيعة المطابخ والغرف السوداء الغربية الصهيونية وبتمويل خليجي…

تحاول أميركا أن تلعب دائماً دور حمامة السلام وتقدّم نفسها على أنها المنقذ والمخلص الوحيد للانتهاء من هذه الحروب. دون أن يتعدّى دورها في الحقيقة كونه مجرّد ادّعاءات بصيغة الاطروحات والاقتراحات وغرضها الوحيد.. هو فرملة عجلة التقدّمات الميدانية التي تصبّ في مصلحة الحلف المقاوم والمواجه الحقيقي لخطر الإرهاب في الدول المذكورة سابقاً بذرائع مختلفة مثل الهدنة ووقف الأعمال القتالية وضرورة إطلاق سير المفاوضات التي لا تكثر الحاجة اليها الا من باب الململة لاستدامة الحروب الدائرة واطالة عمليات الاستنزاف الموجعة… فهي أساسا أبعد ما تكون عن ايجاد الحلول أمام حقيقة ما يجري.

عملية تحرير الفلوجة والتي اعتبرت من أكبر العمليات العسكرية في العراق منذ الاحتلال الاميركي للعراق، والتي تحرّرت بهمة وعزيمة أبطال الحشد الشعبي والقوات العراقية بالرغم من محاولة واشنطن الفاشلة لتأخيرها حيث كانت بمثابة هزيمة نكراء لتنظيم الدولة الإرهابي داعش، وكانت نصراً عراقياً وطنياً خالصاً بعد تطهيرها بالكامل من الفلول الإرهابية ورفع العلم العراقي فيها وإعلانها منطقة محرّرة بالكامل، بالرغم من أنها لم تكن حرباً سهلة أبداً بكافة ظروفها.. وتسبّبت في نزوح عدد كبير من المدنيين.. إضافة الى التهم الموجهة للحشد الشعبي بالتمييز ضدّ المدنيين السنة الفارّين من الحرب وقتلهم لهم بغية تصوير الحرب على أنها حرب طائفية بين الشيعة والسنة، وكان للسعودية دور أساسي في تسعير الحرب الدائرة في الفلوجة على أنها طائفية وذلك لرفضها ومن ورائها أميركا مشاركة الحشد الشعبي المدعوم من ايران في هذه المعركة أو غيرها…

السرعة الزمنية في تحرير الفلوجة فاجأت واشنطن لدرجة كبيرة… ولم تكن أبداً تتوقع نتائج هذا الانتصار المذهل.. ففي تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية حينها لفت الى استخدام تنظيم الدولة وسائل فعّالة لصدّ القوات العراقية من خلال استخدام السيارات المفخخة وانتشار القناصة على عدد من المباني اضافة الى استخدام التنظيم لأنفاق سرية حسب مصدر عسكري عراقي… فكان من المتوقع آنذاك ووسط تلك العوامل والمؤشرات والدلالات أنه من الصعوبة السيطرة على المدينة بشكل كامل…

وفي خضمّ الاستعدادات الكاملة وفي سياق التحضير لعملية تحرير مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة في الشمال العراقي، وعند هذه النقطة المفصلية أنّ الشيطان الأميركي العابث في أمن المنطقة وسلامها يتحوّل إلى ملاك بريء يرغب وعن حسن نية اعلامياً طبعاً ودون سابق إنذار ان يسابق الزمن ويحجز له مقعداً في سلسلة الانتصارات المحتومة على داعش، لتظهر أميركا كمشارك حقيقي في مواجهة خطر الارهاب المتمدّد والذي يطال أسياده وداعميه ومموّليه الذين هيأوا له البيئة الحاضنة في كافة أنحاء العالم، ولتحفظ لها موطئ قدم في العراق عبر اكتمال تواجدها عسكرياً في كافة القواعد الجوية في العراق حيث يتواجد مستشارون لها في قاعدة الحباينة وقاعدة عين الأسد.. وغيرها، والعين اليوم على قاعدة القيارة الجوية التي استعادتها القوات العراقية وذلك بحجة دعمها لوجستياً واستخدامها كمركز انطلاق في عملية تحرير الموصل… ليكون التحرير بنكهته الأميركية أيضاً بمثابة نصر يحتسب للفريق الديمقراطي ونقطة تسجل لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والتي يدعمها أوباما وقد حث جمهوره لانتخابها لانها الأجدر والأفضل برأيه…

في زيارة مفاجئة إلى بغداد أعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أنّ واشنطن تنوي إرسال 560 جندياً إضافياً لدعم القوات العراقية في معركة تحرير الموصل من قبضة داعش..

وقد التقى كارتر برئيس الوزراء حيدر العبادي وقائد قوات التحالف الأميركي شون ماكفرلاند. جاء كارتر وفي جعبته ما يلي:

ـ إرسال واشنطن 560 جندياً اضافياً الى العراق ليصل عدد الجنود الى 4600 جندي…

ـ مناقشة منح الحصانة للجنود والمستشارين الأميركيين العاملين في العراق.

ـ تدعيم قاعدة القيارة الجوية التي استعادتها القوات العراقية لوجستيا… واستخدامها كمركز انطلاق لمعركة الموصل.

من جهة أخرى رفض القيادي في الحشد الشعبي هادي العمري تصريحات وزير الدفاع الأميركي بخصوص إرسال 560 جندياً أميركياً للمشاركة في عمليات تحرير الموصل. حيث قال: ليعلم الجميع أنّ العراقيين قادرون على تحرير بلدهم، مثلما حرّرنا بيجي والفلوجة والقيارة سنحرّر الموصل، مؤكداً الرفض القاطع للتواجد البري للقوات الأميركية لأنّ الشعب العراقي يرفض استبدال داعش بالأميركان… وقرارنا العراق ليس مكاناً لداعش ولا للأميركان…

كما رفضت كتائب حزب الله العراق أيّ توسيع للدور الأميركي في العراق وكذلك أيّ شروط أميركية من شأنها عرقلة معركة تحرير الموصل… وهذا ما جاء على لسان الناطق العسكري باسم كتائب الحزب جعفر الحسيني، فحسب رأيه أنّ الهدف من زيارة كارتر لبغداد هو أن تقول واشنطن للعالم إنها شريكة في هزيمة داعش.. وأكد أنّ وزارة الدفاع العراقية قالت إنّ الاميركيين رفضوا تدمير قوافل لداعش كانت تفرّ من معركة الفلوجة… كما أكد رفض الحشد الشعبي المشاركة في أيّ خندق يتواجد فيه الأميركيون… وأضاف الى أن أيّ تواجد للقوات الاميركية خارج اتفاق الحكومة سيتمّ التصدّي له…

من الواضح أنه يروق لأميركا اطالة عمر المعارك التي تدور للقضاء على داعش.. وتقلقها الانتصارات والإنجازات المترابطة ببعضها في الميدانين السوري والعراقي وتحاول جاهدة تعطيلها… وتزعجها انتصارات القوات الوطنية والمقاومة في البلدين.. والتي لا تعتبر فقط نصراً للعراق وسورية وانما هي أيضاً نصر لإيران وحزب الله… وبالتالي امتداد مشروع المقاومة وتوسّعه وتكاتف أفرقائه وتماسكهم بقوة لا مثيل لها، وهذا ما يهدّد مصالحها ومصالح «إسرائيل» ومعهم مؤيدوها العربان…

وهنا يبقى السؤال عن السيناريو المنتظر… فهل تتمكن اميركا من خلق بلبلة وجدالا طويل الأمد تعرقل به المضيّ في عملية تحرير الموصل.. ام سيتحقق مطلبها وأمنياتها بما أتى به وزير دفاعها كارتر…؟

أو ستكون مقولة العامري قرارنا العراق ليس مكانا لداعش ولا للاميركان عنوان واضح وصريح ليس فقط لتحرير الموصل.. بل لتحرير العراق بكامله من قبضة الإرهاب ومن الهيمنة الأميركية وغطرستها أيضاً؟

اميركا المنتج الأكبر للحروب ولداعش الذي تدّعي انّ محاربته من أولوياتها، فيما هي المسبّب الرئيسي لمعاناة الشعوب العربية من ويلات الحروب الكارثية التي فرضتها عليها تحت حجج واهية، حفاظا على التوازنات التي تخدم مصالحها، كما رسمت هي حدودها وأبعادها، لذلك تهرع مذعورة للتحرك السريع عند ايّ انتصار ميداني سوري عراقي تفادياً لاي ّخلل يطرأ على مخططاتها ويكون من شأنه أن يأخذها الى جملة من التنازلات لحفظ ماء الوجه لا أكثر بعد ان كانت تنوي هي ان تأخذ المنطقة بأكملها الى التقسيم المحتوم كما ترغب وتشتهي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى