حركة مصر تجاه «إسرائيل»… ما الدوافع وما الأهداف؟
د. مهدي دخل الله
وزير خارجية مصر في «إسرائيل» قبل أيام، وقريباً، سوف نرى نتنياهو في القاهرة. لن يزور الرجل ضريح جمال عبد الناصر بالتأكيد وربما لن يزور ضريح السادات أيضاً، فما يحصل اليوم مع «إسرائيل» وحول «إسرائيل» لن يقبل به حتى السادات نفسه.. الرئيس الذي غلبت أوهامُه أحلامَه فكيف بواقعه؟ ماذا يحصُل؟
بدأت القصة في أيلول عام 2014، ألقى الرئيس أوباما كلمة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ورد فيها نص غريب يُقال لأول مرة. أعلن الرئيس أنه اكتشف أمراً مدهشاً في الشرق الأوسط، وهو أنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس القضية الأساسية وإنما هو قضية ثانوية.
كان هذا ضوءاً أخضر «لأصدقاء» أميركا في المنطقة كي يبدأوا بتقديم «أوراق اعتمادهم» لدى إسرائيل باتجاه تشكيل حلف أو أقله محور جديد تكون الدولة الصهيونية نواته. فما دام الصراع «الفلسطيني الإسرائيلي» ركّزوا على المصطلح، فالعرب عملياً ليس لهم علاقة بهذا الصراع ما دام هذا الصراع قضية ثانوية فلا بدّ من حلها كي نتفرّغ جميعاً لمواجهة «القضايا الأساسية».
كانت الخطة بسيطة… ينبغي إيجاد «قضايا أساسية» تتطلب مواجهتها الإسراع بحل «القضية الثانوية». اخترع العقل الأميركي هذه القضايا الأساسية من اللاشيء، إيران موجودة، لكن خطرها المزعوم على المنطقة هو ما تم اختراعه، أما الإرهاب وتضخيمه وتسليمه وإعطاؤه إشارة البدء بالهجوم فهو الخطر الثاني المخترع الذي ينبغي أن يجمع بين «معتدلي العرب» و»متطرفي إسرائيل». «العدو» المفترض الثالث هو محور المقاومة والعروبة المدعوم بمحور الاستقلال على المستوى الدولي.
هكذا تمّ إيجاد الدافع الذي يجمع بين قطر والسعودية والإمارات والأردن ومصر وغيرها مع «إسرائيل».
إنّ اتحاد الدوافع لا يعني بالضرورة اتحاد الأهداف. فمصر لا شك في أن لديها أهدافاً تختلف عن أهداف السعودية حتماً، فلن تكون مصر «عنصراً مطيعاً في الحلف المقبل»، وإنما هي تسعى لحلّ القضية الفلسطينية بغية التوصل إلى شرق أوسط ذي بيئة سلمية يتمّ فيها التعاون وليس العداء لسورية وروسيا وإيران والعروبة.
لكن مصر موجودة في هذا «الجهد الدولي لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» حتى لو اختلفت أهدافها عن أهداف أميركا و»إسرائيل» ودول الخليج. وهذا الجهد مركز على «إقناع» «إسرائيل» بإعطاء الفلسطينيين «دولة ما» ما دام العرب في أضعف حالاتهم.
والإقناع مصطلح ديبلوماسي له معنيان، إما الضغط عبر التهديد وإما التشجيع عبر الاستمالة وتقديم أوراق الاعتماد. هذا النوع الثاني برع فيه السعوديون باتخاذ أربعة إجراءات. إيقاف إذاعات المقاومة عن عربسات، واعتبار حزب الله منظمةً إرهابيةً، والدخول إلى كامب ديفيد عبر نافذة تيران والصنافير، وأخيراً اللقاءات العلنية الدافئة مع «الإسرائيليين» في المحافل الدولية.
أوروبا كان «تشجيعها» لـ «إسرائيل» أكثر مرارة، وذلك عبر الاعتراف المسبق بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى تنظيم مؤتمر باريس. واشنطن أيضاً شاركت في «الإقناع» عبر موقف سلبي ضاغط تجاه نتنياهو.
المدهش أنّ أوروبا وأميركا تضغطان على «إسرائيل» بينما السعودية تستميلها. أما مصر فأيضاً هناك محاولة لاستمالة «إسرائيل» وربما يركز العرض المصري على دور سخي في إطار حلّ مسألة غزة وحق العودة.
كيف يمكن أن يكون سيناريو الحلّ؟ هناك ثلاث مسائل مهمة، المستوطنات والقدس وحق العودة. المستوطنات لن تكون مشكلة صعبة وقد ترضى السلطة الفلسطينية ببقائها مقابل بقاء عرب /48/ داخل حدود «إسرائيل». مسألة السيادة على المستوطنات قد يتمّ حلها بما يرضي الطرفين. أما القدس فلا شك في أنّ السلطة سترضخ في النهاية للخط الأحمر «الإسرائيلي» وترضى بسيادة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة مع بقاء القدس عاصمة لـ «إسرائيل». تبقى المسألة الأصعب وهي حق العودة، وهي مسألة صعبة ليس بسبب السلطة وإنما بسبب لبنان. قد تتفق الأطراف على حل ما لتوطين عدد من الفلسطينيين القادمين من لبنان في شمال سيناء جنوب غزة مع قيام دولة فلسطينية ثانية في غزة تحت الوصاية المصرية، بينما دولة الضفة تكون مرتبطة باتفاقات أمنية قوية مع «إسرائيل». ربما يتركز إسهام مصر في حلّ الصراع على هذه النقطة بالذات، توطين بعض الفلسطينيين من لبنان شمال سيناء مع وصاية كاملة على دويلة فلسطينية ثانية في غزة.
أما روسيا، فهي ليست بعيدة عن هذا السيناريو، وستركز جهدها على مسألة الجولان الذي ينبغي أن يعود لحليفتها سورية، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. لذلك ستركز موسكو على إعادة إحياء المفاوضات السورية «الإسرائيلية» لاستعادة الجولان، وهو ما سينهي مشكلة الصراع برمّته في المنطقة. بعد ذلك ستكون خطوة موسكو اللاحقة ذات بعدين، الأول إخلاء المنطقة من أسلحة التدمير الشامل عبر إلغاء الترسانة النووية «الإسرائيلية» خاصة بعد أن تخلّت سورية عن سلاحها الكيماوي. وهذه قضية مهمة لروسيا لأن «نزع سلاح» المنطقة يقلل من احتمالات انتشار الدرع الصاروخية الأميركية فيها. أما البعد الثاني الذي ترجوه موسكو من حلّ الصراع هو إلغاء أي ذريعة لوجود «إسلاميين مسلحين» تحت راية المقاومة أو غيرها، لأنّ «الإسلام المسلح» بغضّ النظر عن توجّهاته إرهابية كانت أو مقاومة يؤثر سلباً على روسيا التي يقطن فيها أكثر من عشرين مليون مسلم.
وزير وسفير سوري سابق
mahdidakhlala gmail.com