انحناءة تركية.. ماذا عن السعودية؟

نظام مارديني

تتسابق مراكز الأبحاث في الكلام عن السيناريوهات التركية بعد دعوة رئيس وزرائها بن علي يلدريم للتطبيع مع كل من سورية والعراق ما اعتبرته صحيفة الرياض السعودية أنها خلطت الأوراق في أزمة كانت تحتلّ فيها تركيا مكانة محورية. ورأت أن الخطوة التركية المستجدّة تجاه «التطبيع» مع دمشق بحاجة إلى تفسيرات للدول الإقليمية ولما أسمته بـ «المعارضة السورية التي احتضنتها أنقرة»، غير أن «الرياض» تجاهلت أن الوقائع المتبدّلة على الأرض، بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا والسعودية وقطر، يمكن أن تُعيد رسم الخرائط ومناطق النفوذ، لأن الحالتين، السورية والعراقية، ترتبطان بالمسألة الشرقية الجديدة بكل تعقيداتها في المنطقة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تتداخل في شخصيته رقصة السلاطين ورقصة الدراويش كان يُصرّ على «كل سورية»، وليس على جزء منها فقط. وهو لطالما طبّق «ديبلوماسية الثعبان» في التأثير على الآخرين من خلال تركيب سيناريوات راعبة، إذا لم يؤخذ بآرائه وبسياساته عشية تسويات قد تفضي الى تغيير مثير في قواعد اللعبة… بعد تصريح يلدريم، لا بد أن يستتبع تصريحات متدحرجة لضبط الإيقاع الداخلي في تركيا التي تعاني الآن من الهشاشة ما يؤكد أن بنيتها السوسيولوجية أيضاً قابلة للانفجار.

وسواء كانت مواقف أنقرة الأخيرة مواقف سياسية واقعية بدافع تصفير المشكلات وتصحيح المسار أو مجرد محطة لالتقاط الأنفاس بعد فشل السياسة الخارجية التركية في المنطقة، فإنها مؤشر على رغبتها في التخلص مما هو فيها من ارتباك. وهذه الرغبة ليست كافية لكي تقوم أطراف عديدة من بينها روسيا وإيران بتقديم طوق النجاة لها قبل أن تغلق حدودها نهائياً امام دخول الإرهابيين إلى سورية والعراق. ولا ننسى هنا وجود رغبة إقليمية ودولية بحسم ملفات الإرهاب في المنطقة وذلك بعد امتداد هذا الإرهاب إلى داخل بيوتهم وغرف نومهم.

هذه الانحناءة التركية، ستتبعها عاجلاً أم آجلاً انحناءة سعودية صاغرة أمام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصاً في هذه المرحلة الجديدة التي دشنها تنظيم «داعش» لخوض معارك موجعة ضد الثلاثي «السني» كاستهداف الجيش الأردني للتأكيد على قدرته في ضرب أمن المملكة من خلال استباحة حدودها وجعلها مشرّعة لولوج عناصر التنظيمات المتشدّدة. مثلما اختار استهداف مطار أتاتورك في اسطنبول لضرب عنصري السياحة والاقتصاد اللذين يشكلان ركيزتي القوة التركية الآن. أما اختيار «داعش» لتفجيرات في المدينة المنوّرة تحديداً قرب الحرم النبوي، فيهدف الى ضرب رمزيّة محمدية تتفرد بها المملكة وهي تستعد الآن لموسم الحج، فيما التركيز على جدّة أيضاً أراد من خلاله «الدواعش» القول إنهم قادرون بالوقت نفسه على ضرب العاصمة الثانية للسعودية، ويستطيعون إدارة عمليات الهجوم لتطال أيضاً أكثر من منطقة، كما حصل مع القطيف.

يسأل أحدهم وماذا عن تصريحات الغلام السعودي عادل الجبير الذي يهدّد أن لا مكان للرئيس الأسد في «سورية الجديدة»؟

أقول للمتسائل، يذكرني الجبير بالمثل الذي يشير إلى أن العرب يعلمون أن آكل الماعز للفلفل يجعله يصدر أصواتاً غريبة طيلة اليوم، وقد أصبح هذا الموضوع مثلاً للشخص الذي يتكلم كلاماً فارغاً أو مطولاً من غير فائدة.. فلماذا الاهتمام بهذا الدنكيشوتي، الذي يحمل سيفه ولا يحارب إلا طواحين الهواء؟

للجبير حكمة مجانية كان قد أطلقها الحكيم كونفوشيوس: «الصمت هو الصديق الوحيد… الذي لن يخونك أبداً».

إلى متى سيستمر الجدل في بلاط السلطان العثماني. والجدل في البلاط الملكي السعودي: ماذا نفعل أمام التقدم السوري؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى