اللهم لا شماتة يا نيس… ولكن؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
العملية الإرهابية التي حصلت بالأمس في مدينة نيس الفرنسية وراح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء قتلى والجرحى، تثبت بأن الإرهاب لا وطن ولا دين ولا مذهب له، ولكن من الممكن أن يتجذّر في مذهب او طائفة او دولة أكثر من غيرها. العملية الإرهابية البشعة والفاقد منفذوها كلّ معاني وقيم البشرية والإنسانية من الشذاذ والآفاقين مدانة من قبلنا كشعب فلسطيني. وهي عمل إرهابي إجرامي بامتياز مقزز وحيواني. فنحن نقف ضد أنواع وأشكال الإرهاب كلها أياً كان مصدره ومنفذه والجهة المستهدفة به. ولكن على فرنسا وكل دول الاستعمار الغربي وأميركا التوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والتعاطي مع ظاهرة الإرهاب على قاعدة الانتقائية وخدمة المصالح والأهداف، عندما تخدم القوى والجماعات الإرهابية مصالحها واهدافها في المنطقة او في أي مكان آخر في العالم تصبح قوى «حرية» و«ديمقراطية» وتتجنّد حكوماتها ومؤسساتها المسماة بحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها للدفاع عنها وعندما تتعارض تلك القوى والجماعات والأفراد ومصالحها وأهدافها مع الأهداف الأميركية والغربية الاستعمارية تتحول الى قوى وجماعات إرهابية تجب محاربتها واجتثاثها!
هذه المعادلة الانتقائية والتي تميّز بين إرهاب وإرهاب، إرهاب جيد يخدم المصلحة والهدف، وإرهاب سيئ يتعارض مع المصلحة والهدف، هي مَن تعمل على توسّع وتجذر الإرهاب في المنطقة وارتداداته على داعميه او مشغليه، عندما تتعارض المصالح والأهداف، أو عندما تشعر تلك الجماعات والأفراد، بأن داعميها وحلفاءها سيتخلّون عنها في سبيل مصالحهم وأهدافهم. ونحن نلحظ كشعب فلسطيني وامة عربية اكتوينا ونكتوي بنار هذا الإرهاب تلك الازدواجية والانتقائية من خلال ما يُرتكب بحقنا من جرائم وإرهاب منظم من دولة وجماعات وأفراد، لعبت وتلعب أميركا والغرب الاستعماري دوراً رئيسياً في دعمها ورعايتها وتمويلها وتسليحها واحتضانها والدفاع عنها في فلسطين وسورية والعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.
شعب فلسطيني زرعت بريطانيا والقوى الاستعمارية على أرضه دولة الاحتلال الصهيوني، والذي احتلت أرضه وطردت شعبه، وما زالت ترتكب الجرائم بحقه، وترفض عودته وفق قرارات الشرعية الدولية الى أرضه التي طرد وشرد منها منذ 68 عاماً بفعل العصابات الصهيونية، النتيجة المهزلة قرار لما يُسمّى بالرباعية الدولية في أكبر انحياز للمحتلّ ونصرة للجلاد على الضحية، بالطلب من الضحية بالتوقف عن «عنفه» و«تحريضه»، بمعنى إدانة كفاحه ونضالاته، أليس هذا بحد ذاته دعماً وتشجيعاً للإرهاب؟ شعب يعاني من ويلات الاحتلال وجرائمه، يطلب منه أن يعتذر لجلاده، أي «عهر» وانتقائية هذه؟
وتتجلّى بشكل واضح الانتقائية والمعايير المزدوجة مع ظاهرة الإرهاب في ليبيا والعراق والضاحية الجنوبية وسورية على وجه التخصيص، حيث القوى الإرهابية والإجرامية تمّ استجلابها من أكثر من 80 دولة في العالم، سلّحت وموّلت ودربت واحتضنت ووفرت لها القواعد والفنادق الفاخرة لقيادتها ومعسكرات التدريب، من أجل إعادة إنتاج بنية سوريا وهويتها وموقفها كدولة، بما يتفق مع مصالح واهداف أميركا والقوى الاستعمارية الغربية واسرائيل والقوى العربية «مشيخات النفط والكاز الخليجية» و«السلاجقة العثمانيين» في تركيا.
«القاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و«النصرة» وغيرها من الألوية والتشكيلات الإرهابية «أحرار الشام» «جيش الإسلام» ..الخ، تمارس كل انواع القتل والتخريب والتدمير على أرض سورية، بدلاً من أن تقف أميركا والقوى الاستعمارية الغربية، كدول تدّعي أنها «حامية» قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحارب «عنيد» للإرهاب، وجدنا أنها وقفت الى جانبها تمويلاً وتسليحاً وموقفاً وحضانة ورعاية، لا لشيء سوى تصفية حسابات مع النظام السوري الذي يقف بصلابة ضد أهدافها ومشاريعها ومخططاتها في المنطقة، فرغم كلّ الدلائل والشواهد على حجم جرائم تلك الجماعات، وما تمارسه من قتل وحشي وتدمير للإرث والحضارة الإنسانية، والتطهير العرقي الكامل بحق أثنيات وأقليات كاملة كاليزيدية في العراق ومسيحيي الرقة في سورية والموصل في العراق، ما زالت أميركا وأوروبا الغربية الاستعمارية وأدواتها الخليجية العربية وتركيا تدعم إرهاب تلك الجماعات، لكي تستمر في خدمة مشاريعها واهدافها ومخططاتها في تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية، وبما ينتج سايكس ـــ بيكو استعمارياً جديداً على تخوم المذهبية والطائفية والثروات، وبما يضمن الأمن والبقاء والسيطرة لربيبتها «اسرائيل» في المنطقة لعشرات السنين المقبلة.
نحن لا نشمت لقتل الأبرياء والمدنيين، أياً كانت جنسيتهم وهويتهم في نيس او باريس او لندن او واشنطن أو حتى اسطنبول والمدينة المنورة، رغم ان شعوبنا العربية عامة وشعبنا الفلسطيني خاصة اكتوى ويكتوي بنار الإرهاب الغربي الإستعماري و«اسرائيل»، ففرنسا تاريخها وسجلها الأسود في الجزائر وقتل ما يزيد عن مليون ونصف جزائري، بدلاً من ان تعتذر عن مقتلهم وتعوّض شعب الجزائر، استمرت في دعم الإرهاب والعدوان في سورية وفلسطين وليبيا والعراق وغيره من البلدان العربية. وكذلك هي بريطانيا المسؤولة أولاً واخيراً عن مأساة الشعب الفلسطيني، وما حلّ من كارثة بالعراق جراء إحتلاله من قبل أميركا والغرب الاستعماري، استناداً لتقارير كاذبة زورها واعتمد عليها رئيس وزرائها آنذاك المجرم بامتياز قاتل أطفال العراق «توني بلير». وكذلك فعلت ايطاليا في ليبيا. وها هي القوى الإطلسية التي استقدمتها مشيخات النفط لاحتلال ليبيا، تمارس هي وعصابات «داعش» القتل والتخريب والتدمير والتفكيك في ليبيا، لكي تتحول دولة فاشلة.
نحن نقول اللهم لا شماتة يا «نيس»، ونعزي كلّ العائلات الثكلى التي سقط أبناؤها ضحايا لإرهاب «داعش». ونتمنى الشفاء لكل الجرحى. هذا الإرهاب الذي يضربكم، هو الإرهاب نفسه الذي يضرب في حلب ودمشق والكرادة وبغداد والضاحية الجنوبية وعدن وصنعاء واسطنبول والمدينة المنورة، وعندما تصل حكوماتكم العنصرية الى قناعة بأن حضانتها ورعايتها ودعمها للجماعات الإرهابية سيرتدّ عليها، حينها يصبح الحديث عن جبهة عالمية لمحاربة قوى الإرهاب ممكناً، اما ما زالت حكوماتكم ماضية في سياساتها الانتقائية والازدواجية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، فإنه سيستمر وسيتوسع في الضرب والتجذر، وسيزداد خطورة.
Quds.45 gmail.com