انتصار المقاومة… السيد نصر الله والحرب النفسية
رامز مصطفى
«لم يكن ثمة انتصار، لكننا لم نخسر في أي حال من الأحوال. حتى لو لم ننتصر، إلا أننا لم نخسر»، خلاصة المداخلة التي تقدم بها عمير بيريتس وزير دفاع الكيان الصهيوني آنذاك، حول نتائج الحرب العدوانية التي شنتها حكومة إيهود أولمرت على لبنان في العام 2006. خلاصة وعلى ما جاء فيها من تناقض ومحاولة بائسة من قبل قادة الكيان الصهيوني للتعمية على الحقيقة المرة التي لم يجرؤ أيّ من هذه القيادات بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية على التفوّه بها، لاعتبارات شتى ليس أقلها أنها تؤكد المقولة التي كان أطلقها أحد عُتاة الحركة الصهيونية، ومؤسّس الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون حين قال: «إنّ إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها».
الحرب العسكرية على قسوتها وضراوتها وعنفها ورهبتها، تبدو أمام الحرب النفسية وغيرها من الحروب هي الأسهل، لسبب بسيط أنّ الحرب النفسية يترتب عليها القسط الأكبر من نتائج الحرب العسكرية، نصراً أو هزيمة. ومن المؤكد أنّ النتائج السياسية لأية حرب هي التتويج لهذا الانتصار أو لتلك الهزيمة. من هنا إنّ المقاومة استخدمت الحرب النفسية والدعائية عبر وسائل إعلامها المرئية والمسموعة بجدارة منقطعة النظير، فهي كانت تسير جنباً إلى جنب مع إبداعات المقاومين في الميدان، في تكامل مبدع ومذهل في آن.
نعم كانت الحرب النفسية من أهمّ ركائز المعركة التي خاضتها المقاومة ضدّ العدو وقواته المتسلّلة إلى لبنان عام 2006. هذه الحرب النفسية ولأهميتها البالغة قادها مباشرة سيد المقاومة وقائدها السيد نصر الله. وقد نجح فيها بشكل مبهر ومبدع، لما يتمتع به من مواصفات قلّ نظيرها. فهو السيد نصرالله بسيط ببساطة الإنسان، وقدير بقدرة القائد الواثق بأهله ورجاله المقاومين، وفي كاريزمية حضوره وبراعة شخصيته، وفي قوة منطقه وصدق كلماته. حتى أنّ الصهاينة أنفسهم قالوا عنه أنه «أبو الحرب النفسية». والمزاج العام في الكيان يعتبر أنّ السيد نصر الله أكثر مصداقية من قيادات كيان العدو السياسية والعسكرية، حسب ما أدلى به أحد قادة الجيش حيث قال: «هذا الرجل يهزمنا بقوة شخصيته». ومسؤول عسكري صهيوني صرح بالقول: «لو كان حسن نصر الله يملك أسلحتنا لاحتلّ إسرائيل بثلاثة أيام. ولو كنا نملك حسن نصر الله لاحتلينا العالم بثلاث ساعات». كيف لا، وهم أيّ الصهاينة ومنذ انتصار العام 2000، يدركون أنّ ما قاله السيد نصر الله في خطاب الانتصار في بنت جبيل «إنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» قد فعل فعله في تهوين وعي هؤلاء الصهاينة وقادتهم. وعندما قال لهم: «لقد ولى زمن الهزائم». اعتمد السيد نصر الله في كلّ إطلالاته التلفزيونية خلال عدوان 2006 في توجيه رسالتين، الأولى للمقاومة وجمهورها، بأنّ عليكم الثبات والصمود والصبر، والنصر صبر ساعة. والثانية إلى العدو وجنوده ومجتمعه بهدف كيّ وعيهم: «بأن لا أمل في بقائكم على أرض فلسطين، وقادتكم يكذبون عليكم، ولا يجرؤون على مصارحتكم».
وعلى أهمية هذا الخطاب التعبوي الذي تقدمه القوى والأحزاب، ولكن ليس في مقدور أي شخص أن يترك هذا الأثر البالغ في النفوس وفي الاتجاهين، لو لم يتمتع بقدرات استثنائية مذهلة، دفعت خبراء في علم النفس داخل الكيان الصهيوني وفي العديد من الدول المهتمة وعلى رأسها أمريكا وكبريات الصحف العالمية، يعكفون على دراسة هذه الشخصية المؤثرة لدرجة أنها تستحوذ على العقول قبل القلوب. وحول شخصية السيد نصر الله، قال الصحافي المستشرق داني روبنشتاين في العام 2006: «إنّه شخصية عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والعرب، إلى درجة تفوق عبدالناصر في زمنه. عبدالناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أما نصر الله، فهو يحبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ منذ أربعة أسابيع».
وبدوره اختصرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الكلام عن السيد نصر الله بقولها: «بعمامته وطلعته، نصر الله هو أكبر أسرار حزب الله على الإطلاق». وصحيفة «التايمز» رأت من جهتها في السيد نصرالله أنه «رجل اللحظة الذي صعد نجمه على أنقاض الأبنية التي دمّرتها القنابل الإسرائيلية الغبية وحطامها».
ولعل من أهمّ ما خاضه السيد نصر الله في حربه النفسية خلال عدوان تموز 2006، وفي الاتجاهين، ومن خلال إطلالته ثلاث وقفات. الأولى أنه كان واثقاً بالنصر، ولطالما ردّد أعدكم بالنصر ، وصدق في وعده ليس لأنه يتنبّأ ويقرأ في الطالع، بل لأنه يعرف حقّ المعرفة نوعية الرجال الذين أعدّهم والشهيد القائد المجاهد عماد مغنية، والثانية عندما قال: «انظروا إلى البارجة في عرض البحر، كيف ستدمّر وتحترق، وهكذا كان. والجميع شاهد هذه البارجة البحرية وهي تحترق». أما الثالثة الرسالة البالغة الأثر، والتي وجهها إلى المقاومين في الميدان، حين خاطبهم بتواضع القائد مع أبنائه وأحبائه: «أنتم بعد الله تعالى الأمل والرهان، كنتم وما زلتم وستبقون الأمل والرهان، أقبّل رؤوسكم التي أعلت كلّ رأس، وأقبّل أياديكم القابضة على الزناد، يرمي بها الله تعالى قتلة أنبيائه وعباده والمفسدين في الأرض، وأقبّل أقدامكم المنغرسة في الأرض، فلا ترتجف ولا تزول من مقامها ولو زالت الجبال»، وتابع: «يا اخواني يا من أعرتم الله جماجمكم، ونظرتم إلى أقسى القوم، جوابي لكم هو شكر لكم إذ قبلتموني واحداً منكم، وأخاً لكم، لأنكم أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج الرؤوس ومفخرة الأمة».
مع توقف العدوان على لبنان وتحقيق المقاومة انتصارها المؤزر. استفاق الصهاينة في الكيان في أيلول 2006 على تشكيل «لجنة لفحص تفاصيل المعركة في لبنان 2006»، من أجل التحقيق في إخفاقات حكومة أولمرت وجنوده وآلة قتلهم في إلحاق الهزيمة بحزب الله والمقاومة في لبنان. وقد سمّيت هذه اللجنة باسم رئيسها الدكتور «الياهو فينوغراد». ومن دون الخوض في قراراتها وتوصياتها وإقرارها بهزيمة الكيان التي كان لها وقع الزلزال، فقد خلُصت لجنة فينوغراد إلى القول: «لقد كان نصرالله بارعاً في إدارة الحرب من الناحية النفسية من اليوم الأول والصحافة والتلفزيون والإعلام يساهمون في هزيمتنا لأنهم يردّدون كلامه على أسماعنا».
مع حلول الذكرى الثامنة لانتصار المقاومة في لبنان. نقول لمن لا يزال يشكك ويريد الاستمرار في شيطنة المقاومة وحزب الله، إنّ النصر بائن ومؤكد اليوم في أروع صوره على أرض فلسطين، من خلال المواجهة البطولية التي تبديها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وهي تتصدّى للعدوان الصهيوني، وتلحق الهزيمة المحققة بالكيان الغاصب.