«باقية وتتمدّد» إلا إذا…؟!
عصام عوني
يبدو المشهد سوداوياً ملطخاً بكلفة الدم العالية والتهجير مروساً بالذبح سمته الأبرز، فيما تتمدد «دولة الخلافة» المزعومة بقوة، قاضمة مساحات شاسعة من العراق وسورية «بغضّ النظر موقتاً من البلدين» وبعض الدول الجارة، وإن كان التمدّد في الخفاء بتمهيد البيئة الحاضنة إلى أن تأتي ساعة الإعلان بخصوص دول التآمر.
نجح الغرب بتمييع القضية المركزية فلسطين قسراً كما احتلالها بلفت الأنظار إلى ظاهرة سُمّيت «داعش»، وهنا لن نخوض قي صيرورة التكوين والأهداف والأسباب والأهداف، فبات واضحاً من هي «داعش».
إذن… هي «دولة الخلافة» في القرن المفترض أنه الأعظم تقدماً وتحضّراً وإنسانية، وعليه بالقلم نشرح، فتفضلوا لنقرأ سوية:
تجمع الصحافة الغربية والأميركية خاصة بوجوب إيقاف تمدّد «داعش»، واللافت صار اليوم حماية الأقلية «السنية» حسب مراكز الأبحاث الأميركية التي عادة ما تتبناها غالبية الصحف ودول التبعية والمهانة والذلّ.
لماذا لم يتحرك الغرب إبان ما أطلق عليه غزوة الموصل؟
ببساطة لأنّ مصلحة واشنطن التي هي مصلحة «إسرائيل» حتماً لم تكن في مرمى الخطر، فأربيل منذ عشرين عاماً تُعتبر المقرّ العملياتي الاستخباري الأول للاستخبارات الأميركية والموساد الصهيوني، ومنها وعليها يعوّلون كبديل عن كلّ منابع النفط والغاز من مشيخات وإمارات وممالك متهالكة.
نعم هي أربيل ما أن دقت «داعش» أبوابها سارعت واشنطن ومن ورائها العالم إلى إصدار قرار أممي تحت البند السابع لمكافحتها وتحجيمها فقط وليس القضاء عليها كون ثقل واشنطن فيها، هذا ما كشفته مصادر رفيعة المستوى إذ تواصلت غرفة العمليات هناك مع واشنطن وكانت الرسالة ومفادها «كلّ ما بنيناه سيذهب أدراج الرياح نريد الدعم الفوري والعاجل»… فكان قرار أوباما الذي تلاه قرار مجلس الأمن.
يريدون محاربة «داعش» وتأييد إيران بعيداً عن سورية، ويبدو أنّ ما حدث في العراق على صعيد الحكومة وإبعاد نوري المالكي وانتهاء معضلة عرسال اللبنانية كما انتهت، بداية لتوافق ما ولكن لن يرى النور بلا مباركة دمشق.
تركياً… ها هو أردوغان عراب العدوان على كلّ من سورية والعراق ومصر رئيساً بأقلّ من نصف الشعب، هو مثار سخرية صحف الغرب التي تتحدّث عن عنجهيته وغروره وأخذه تركيا بعيداً عن الديمقراطية وصولاً إلى ديكتاتورية طائفية مقيتة، ولكنه يبقى الحليف الضرورة وإنْ كان فوزه يشكل حصانة بلا أذرع إلى أن تتبلور الحكومة وتشكيلاتها وعليه يُبنى على الشيء مقتضاه.
حتى في الغرب يؤكدون حتمية عدم استقرار تركيا، وإنّ وصول أردوغان إلى سدة الرئاسة لن يقدم أو يؤخر شيئاً في الآتي من الأحداث.
ونبقى في العراق حيث أنّ ما يحدث من تهجير ممنهج للمسيحيين والأقليات الأخرى ليس صدفة ولا هو وليد الساعة، وهنا نعود إلى ما تطرّقنا إليه في مقالات سابقة ونؤكد عليه، أنّ المطلوب إفراغ الشرق من كلّ مكوّناته الأصيلة شرط أن يبقى المسلمون وحدهم يتذابحون لتقف «إسرائيل» وتقول: «آن أوان دولتنا اليهودية، فلم لا في هذا المحيط من الدول ذات الطابع الطائفي»؟
أما فلسطين والحدث الأبرز غزة، فخلصت كلّ مراكز الدراسات الأميركية والعالمية إلى حتمية تعايش «إسرائيل» ومن سمتهم بالأنظمة الديمقراطية مع خطر الصواريخ والعنف الذي تشكله صواريخ الحلف المقاوم، وأنّ عبثية الصراع لن تغيّر في المشهد شيئاً طالما هذا المحور يصمد بل وينتصر.
تهدئة تلو أخرى وتل أبيب تماطل ومصر تتوسط ويبدو أنّ «إسرائيل» لا تريد سوى الاستنزاف، علما أنها لن تستطيع التأقلم معه وتبعاته فيما المقاومة قادرة على البذل والتضحية والصمود.
هو الفشل الذريع لواشنطن باعتراف رئيسها وأقتبس مما قاله أوباما: «لدينا جيش لا نظير له»، ثم أضاف: «لا يمكن أن يكون التدخل العسكري المكوّن الرئيس أمام كلّ مشكلة نواجهها. فامتلاكنا أفضل مطرقة لا يعني بالضرورة أنّ كلّ مشكلة هي عبارة عن مسمار». وهذا صحيح إلى حدّ كبير، إذ يبدو أنّ سياسة عرض العضلات المتمثلة في «المطرقة والمسمار» لم تؤتِ ثمارها المرجوّة، بل عزّزت من انتشار الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. فلم تنجح براعتنا العسكرية الفريدة من نوعها في العالم، في تحسين الأوضاع في غرب آسيا، أو في أوروبا الشرقية أو في أيّ مكان آخر. حتى أنّ العمل السرّي السياسي في هذه المناطق أثبت أيضاً أنه ليس في حالٍ أفضل…» انتهى الاقتباس.
ولأنّ سورية تعي تماماً وهن وضمور أميركا فإنها لم تخضع ولم تسلّم ولم تكن إلا مدافعة عن حقها في الوجود والحياة تحت مظلة السيادة والاستقلال، وها هو إنجاز المليحة بمثابة ردّ من آلاف الردود تزامناً مع ذكرى النصر المجيد الذي حققته المقاومة اللبنانية، وما تبعه من مصالحات تمضي قدماً مع التقدّم الكبير للجيش العربي السوري على كامل الأرض السورية، وهو الخيار القرار لن تمرّوا، هنا دمشق.
وفي خضمّ الحدث وحاميات الوغى أطل السيّد حسن نصرالله، وللإطلالة ألقها المعتاد وجوهرها الثمين، قال السّيد دعوا كلّ شيء فكلّ شيء مهدّد ولنواجه معاً، وسنواجه بمفردنا إنْ لم تعوا حجم الخطر، مؤكداً ما هو مؤكد بخصوص فكر التكفيريين ومراميهم، موضحاً أنّ من استطاع دحر المشروع الشرق أوسطي الجديد بمقدوره دحر مشروع «داعش» بكلّ سهولة وسرعة إنْ توحدت البندقية، وإذا لم تتوحّد ستطول المسألة، ولكن حتمية النصر مضمونة، وكما وعد سابقاً فهو يعد مجدّداً وصدّق السيّد في كلّ ما وعد.
لن نناقش الخطر ولن نحلّل ما هو واضح وضوح الشمس، ولن نطيل، فالوقت وقت العمل والمعلوم أننا أهل العمل خاصة إنْ كان وجودنا على المحك.
وعليه… سورية ليست في وارد القضاء على الارهاب التكفيري بلا ثمن، وهي القادرة على ذلك إنْ شاءت وكيف ومتى، ولا يمكن لأحد في هذا العالم أن يحارب الإرهاب في بلد ما وأن يدعمه في آخر، وهذا ما يتمثل بسياسة الغرب وواشنطن و«ازدواجية المعايير»، ومع مرور الوقت لن تكون المصالح كلّ المصالح بمنأى عن خطر «داعش»، وهذا لا يقبل الشك.
منذ اليوم الأول للعدوان الإرهابي التكفيري العالمي على سورية قال الرئيس الأسد: هذه النار ستمتدّ وستحرق الجميع وعلى الجميع إيقاف الدعم والكفّ عن التدخل في شؤون سورية الداخلية، ودعوا الشعب يقرّر، وبعد ثلاث سنوات قرّر الشعب وسلّم العالم بما قال الرئيس الأسد.
إنّ المهمة الرئيسية لسورية والمقاومة اليوم هي منع الخطر «الداعشي التكفيري» ومحاصرته وليس دحره أو القضاء عليه، فلماذا على سورية والمقاومة والحلف المقاوم إراحتهم؟
من يُرد صادقاً محاربة الإرهاب عليه بدمشق والضاحية، فلا نهاية لهذا الإرهاب إلا بمباركة الرئيس الأسد والسيّد نصرالله، ومن دون ذلك عليكم وخاصة دول الجوار كالأردن والسعودية التأقلم مع المرحلة الجديدة الزاحفة إلى عقر دياركم التي طالما كانت عامرة على حساب خراب ديارنا التي سنبنيها ونعيد أمجادها عندما نقرّر، ومتى كان القرار كان النصر وسورية والمقاومة ليسوا على استعجال.
الأيام آتية… ودولة الخلافة «باقية وتتمدّد» إلا إذا سلّمتم بأنّ مفتاح الحلّ بيد الرئيس الأسد والسيد نصرالله، فأعقلوا وإلا لن ينفع ندم ولا من يحزنون.