استغراب مسيرات ومواقف الدعم لأردوغان… وإشكال في صيدا
واكب لبنان أوّل من أمس محاولة الانقلاب في تركيا، ولاسيما موضوع اللبنانيّين الذين علقوا في مطار أتاتورك في إسطنبول بعد إقفاله أمام الملاحة الجوية، قبل أن تتمّ إعادتهم إلى بيروت أمس بعد استئناف شركة طيران الشرق الأوسط رحلاتها إلى تركيّا.
مواقف
وكان رئيس مجلس الوزراء تمام سلام تابع «بكثير من الاهتمام الأحداث التي شهدتها الجمهوريّة التركيّة خلال الساعات الماضية، والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيّين والعسكريين، وأثارت موجة من القلق حول الأمن والاستقرار في تركيا».
وقال في بيان: «انطلاقاً من موقفنا المبدئيّ الرافض للاستيلاء على مقاليد الحكم في أيّ بلد بالقوّة المسلحة، والحريص على احترام التقاليد الديمقراطيّة في العمل السياسيّ التي تُنتج هيئات شرعيّة مُنتخبة، واحتراماً للرغبة العارمة التي عبّر عنها الشعب التركي، ولموقف المؤسّسات الدستوريّة ومختلف القوى السياسيّة التركيّة، نعلن ترحيبنا باستتباب الأمور في الجمهوريّة التركيّة لصالح الشرعيّة الدستوريّة، ممثّلة بالرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة ومؤسّسات الدولة، ونأمل أن تطوي تركيا الصديقة سريعاً هذه الصفحة المؤلمة لتستعيد استقرارها وأمنها، وتعود لتلعب دورها في محيطها وفي العالم».
بدوره أعلن المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان أول من أمس، أنّ الوزارة تابعت «باهتمام بالغ الأحداث التي شهدتها الجمهوريّة التركيّة في الساعات الأخيرة، بدءاً من مساء البارحة الجمعة ».
وأجرى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، اتّصالاً هاتفيّاً بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أدانَ خلاله «محاولة الانقلاب التي استهدفت تغيير الحكم في تركيا، وإعادة تكوين السلطة باستخدام القوة». وأكّد «ضرورة احترام الآليّات الديمقراطية في تداول السلطة، أيّ الاحتكام إلى الإرادة الشعبيّة باعتبارها أساساً للحكم».
وقد اغتنم باسيل هذه المناسبة لإعادة التأكيد لنظيره «تعاطف لبنان مع تركيا، شعباً وحكومةً، وحرصه الدائم على أفضل علاقات التضامن والتعاون معها، ولا سيّما في ظل التحدّيات الجسيمة المشتركة التي يواجهانها، وفي مقدّمها تحدّي الإرهاب التكفيريّ، وأزمة النزوح».
من جهته، أجرى الرئيس نجيب ميقاتي اتّصالاً برئيس الوزراء التركيّ بينالي يلدريم للتعبير عن تضامنه مع تركيا في هذه الظروف التي تمرّ بها. وطلب منه نقل تحيّاته إلى الرئيس أردوغان، بعد تعذّر الاتصال به.
وأكّد رئيس «حزب الحوار الوطني» فؤاد مخزومي، «أنّ المنطقة بحاجة للاستقرار»، رافضاً «الفوضى والحروب والعنف في المنطقة»، ومندّداً بـ«الحركة الانقلابيّة في تركيا».
وأعلن، في بيان، «وقوفه إلى جانب السلطات التركيّة برئاسة رجب طيب أردوغان المنتَخبة من الشعب التركيّ».
وشدّد مخزومي على «ضرورة التكاتف والتضامن، وبذل الجهود الإقليميّة والدوليّة من أجل إرساء سلام دائم في الإقليم وفي العالم أجمع».
وبالتوازي، شهدت بعض المناطق اللبنانيّة مسيرات دعماً لحكومة أردوغان، ما أثار تحفّظ جهات سياسيّة ودينيّة.
ووقع إشكال بين مشاركين في مسيرة سيارة نظّمتها «الجماعة الإسلاميّة» دعماً لقيادة تركيا وشعبها، ومرافقين للشيخ ماهر حمود، عند مستديرة القدس في صيدا، بدأ بتلاسن وتخلّله إطلاق نار في الهواء. وقد حضرت القوى الأمنيّة وعملت على فضّ الإشكال.
وفي المقابل، استغرب رئيس «جمعيّة أنصار الحق» الشيخ عبدالله جبري، في بيان «المسيرات التي خرجت في بعض المناطق اللبنانيّة فرحاً بفشل الانقلاب في تركيا»، سائلاً: «رغم إيماننا العميق وتمسّكنا بالديمقراطية، لكن ما الداعي لرفع علم غير العلم اللبناني على الأراضي اللبنانية؟ هل بتنا محافظة تركية؟ ثمّ هل نسينا أنّ حكومة أردوغان اتّخذت قبل أسابيع قليلة قراراً بإعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسيّة مع العدو الصهيوني؟».
بدوره، أبدى إمام «مسجد الغفران» في صيدا الشيخ حسام العيلاني، في بيان، استغرابه لهذه المسيرات. وسأل عمّا إذا كان منظّمو هذه المسيرات قد حصلوا «على ترخيص من الجهات المختصّة، بالمسيرات التي انطلقت في أكثر من منطقة لبنانيّة، والتي تسبّبت إحداها بإشكال في عاصمة المقاومة صيدا تخلّله إطلاق نار؟».
وختم بالدعوة إلى «الحرص على مصلحة لبنان الذي هو بحاجة اليوم إلى تكاتف أبنائه لمواجهة خطر «داعش» وأخواتها».
وفي تصريحٍ آخر، قال العيلاني: «إنّ المسلم لا يفرح، بل يحزن لما أصاب تركيا بالأمس من خراب، وعلى الرغم من معارضتنا لمواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارجيّة، خصوصاً التطبيع مع «إسرائيل» والعلاقة مع الجماعات الإرهابيّة، إلّا أنّنا نرفض الانقلاب الذي تعرّض له أردوغان، وإنْ كنّا ننتظر منه قرارات تاريخيّة كالتي اتّخذها الإمام الخميني رحمه الله عند وصوله للسلطة في إيران، والذي أول ما قام به قطع العلاقات الإيرانية مع إسرائيل».
و شدّد «المؤتمر الشعبي اللبناني» على أنّ «ما يهمّ العرب في المسألة التركيّة هو عدم التدخّل السلبي في شؤوننا الداخلية، وقيام أفضل العلاقات بين الطرفين على قاعدة الصداقة والاحترام المتبادل، ونصرة القضيّة الفلسطينيّة».
ورأى أنّ «أحد أسباب تعكير صفو العلاقات العربيّة مع دول الجوار هو التدخّل السلبي في الشؤون الداخليّة لبعض الدول العربيّة، ممّا يوجد حساسيّات وأحياناً صراعات لا يستفيد منها سوى الغرب المتربّص بنا جميعاً».
من جهته، رأى الأمين العام للتيار الأسعدي معن الأسعد، أنّ ما سُمّي بالانقلاب العسكري في تركيا مسرحيّة مدبّرة ومخطّط لها من أميركا والكيان الصهيوني، بهدف أردوغان وإعطائه جرعة دعم شعبيّة بعد فشله في سياساته الداخليّة والخارجيّة، وتوريط تركيا بنزاعات وحروب مع روسيا والأكراد والغرق في المستنقع السوري من دون طائل، فضلاً عن خسارة تركيا لأصدقائها الإقليميّين والدوليّين.
وقال: «إنّ من أهداف المخطّط الانقلابيّ إعطاء مبرّر إضافيّ لأردوغان لتحقيق حلمه التاريخي المتمثّل بتعديل الدستور وتحويل الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وهذا ما يفتح المجال أمامه لينصّب نفسه سلطاناً عثمانيّاً مع صلاحيات واسعة غير محدودة وغير مسبوقة، تمهيداً لإدخال الجيش التركيّ إلى البرّ السوريّ واحتلال وضمّ مناطق شاسعة، ومنها الرقة وحلب، إلى تركيا بذريعة إقامة المنطقة الآمنة، وهو حلم تاريخيّ للسلطان العثماني الذي طالما سعى لتحقيقه».
وأكّد الأسعد «أنّ قائد الانقلاب العسكريّ الذي تمّ تداول اسمه هو أميركيّ متصهين، أمّا أردوغان فهو صهيوني متأمرك»، مستغرباً «مسارعة دول العالم إلى إدانة الانقلاب بحجّة الحفاظ على الديمقراطيّة وتناسي ما ارتكبته السلطات التركيّة من مجازر بحقّ المعارضين، في حين أنّها تلتزم الصمت وتتواطأ وتدعم الحركات الانقلابيّة والأعمال الإجراميّة بحق السوريين، كما أنّها لا تعترف بشرعيّة الدولة في سورية التي صانت الديمقراطيّة وترجمتها بانتخابات رئاسيّة وثلاثة انتخابات نيابيّة».
اللبنانيّون في تركيا
وفي سياقٍ متّصل، أعلنت دائرة العلاقات العامة في شركة طيران الشرق الأوسط «ميدل إيست» في بيان، أنّ الشركة «ستعاود تسيير رحلاتها من وإلى مطار أتاتورك في إسطنبول كالعادة، بدءاً من صباح الأحد، علماً أنّ الشركة تسيِّر رحلتين يوميّاً إلى المطار المذكور.
وكانت الشركة أوقفت رحلاتها الجويّة من وإلى المطار ليل أول من أمس بسبب محاولة الانقلاب العسكريّ.
وعند الواحدة وخمس دقائق من بعد ظهر أمس، حطّت في مطار بيروت طائرة تابعة لـ«الميدل إيست»، آتية من مطار أتاتورك وعلى متنها 140 لبنانيّاً، في حين أنّ عدداً من اللبنانيّين وصلوا ليلة محاولة الانقلاب من بعض الدول الأوروبيّة في طريقهم إلى بيروت، إلّا أنّ ذلك تزامن مع الأحداث التي حصلت، ما جعلهم يقضون الوقت في المطار، وسط معاناة واجههوها.
في حين أنّ طائرة ثانية لـ«الميدل ايست»، وهي رحلة إضافية، حطّت عند الثانية من بعد الظهر في مطار بيروت قادمة من مطار أتاتورك أيضاً وتحمل على متنها 80 راكباً، فيما أقلّت طائرة ثالثة ليل أمس بعض الأشخاص الذين بقوا هناك لأسباب معيّنة، وبذلك يكون معظم اللبنانيّين الذين كانوا قد علقوا في مطار أتاتورك قد عادوا إلى بيروت.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخطوط الجويّة التركيّة سيّرت عدّة رحلات بين مطار أتاتورك وبيروت للإسهام بنقل اللبنانيّين من هناك.
وكان العالقون في مطار أتاتورك اتّصلوا بالسفارة اللبنانيّة لدى تركيا ليل الجمعة الفائت، فكان جواب أحد الموظفين فيها: «وضعكم في المطار أفضل من الوضع في محيط السفارة». وأفاد العالقون بأنّه خلال تواجدهم في المطار «عاشوا لحظات من الرّعب تمثّلت باقتحام المتظاهرين المطار، إلّا أنّهم كانوا مسالمين، وفي وقت لاحق سُمع دويّ انفجار في أحد أجنحة المطار». وأوضح هؤلاء اللبنانيّون أنّ السلطات التركيّة لا تفتح المجال لأيّ سؤال أو استفسار، على رغم عودة المطار إلى نشاطه الطبيعيّ منذ صباح السبت، لكن لم تحدّد بعد أيّ رحلات إلى بيروت.
وأكّد قنصل لبنان في إسطنبول هاني شميطلي، أنّه يتابع عن كثب تطوّر الأمور في مطار أتاتورك، موضحاً أنّ «توقّف الرحلات يعود إلى مخاوف من تعريض سلامة الركاب للخطر، من خلال أيّ اعتداء يمكن أن يحصل في الجو، علماً أنّ الانقلاب أصبح عمليّاً من الماضي، والسلطات تلاحق حاليّاً بعض الجيوب المتبقيّة».
وقال: «الحركة الجوية في المطار متوقّفة، إلّا أنّ المطار آمن بشكل كامل، مع الإشارة إلى أنّ عدد اللبنانيّين المنتظرين في المطار إلى تزايد، كون بعضهم على لائحة ركّاب الرحلة المفترضة اليوم. لكن الخطوط الجويّة التركيّة لم تسيّر رحلاتها بشكل عاديّ حفاظاً على أمن الرحلات. ونحن على تواصل مع سلطات المطار لمعرفة توقيت معاودة الرحلات، ولا سيما منها تلك المتّجهة إلى بيروت».
وكانت وزارة الخارجية والمغتربين توجّهت إلى المواطنين اللبنانيّين العالقين في المطارات التركية، ولا سيّما مطار أتاتورك الدولي، «بضرورة ملازمة حرم المطارات التي يتواجدون فيها حفاظاً على أمنهم وسلامتهم، وذلك بانتظار عودة حركة الملاحة الجوّية إلى حالتها الطبيعيّة واستتباب الأوضاع». وأشارت في بيان إلى أنّ «الوزارة تتابع عن كثب الوضع المستجدّ في تركيا، وتتواصل مع السلطات المختصّة فيها، عبر سفارة لبنان في أنقرة وقنصليّة لبنان العامة في إسطنبول، لضمان عودة آمنة وسريعة للرعايا اللبنانيّين إلى لبنان فور أن تُتاح الشروط المناسبة لذلك». ولفت «عناية اللبنانيّين في مطارات تركيا إلى إمكان التواصل المباشر مع بعثتيّ لبنان في أنقرة وإسطنبول في حال وجود أيّ ظرف طارئ، على أرقامهما المتوافرة على الموقع الإلكتروني للوزارة».