القرار 2170… أين الخطوات والإجراءات العملية؟

نور الدين الجمال

شكّل صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2170 بخصوص مكافحة الإرهاب، خطوة متأخرة بعد مساعٍ حثيثة قامت بها مجموعة من الدول خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً سورية وإيران وروسيا والصين، واصطدمت بالموقف الأميركي والغربي الداعم للجماعات الإرهابية في سورية والرفض لأي تجاوب مع خطوات عملية لمكافحة الإرهاب خلافاً لما تعلنه هذه الدول في مواقفها السياسية، وعلى رغم إصدار لوائح وعقوبات تشمل المنظمات الإرهابية المتحدرة من «القاعدة» وتحديداً «داعش» و«النصرة» الموجودين والمتصارعين على الأرض السورية.

التحرك الروسي باستصدار قرار دولي بهذا الخصوص بدأ منذ أكثر من سنتين واعترضت عليه كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وسرّ التوقيت الذي تحركت بريطانيا بالتقدم بمشروع القرار الذي صدر بالإجماع يكمن في تهديد المصالح النفطية البريطانية والأميركية على أرض العراق من قبل تنظيم «داعش» ومشرو ع «دولته» بعد «غزوة» الموصل.

الإجماع الذي صدر به القرار لم ينعكس بإجراءات وتدابير عاجلة لوضعه موضع التنفيذ، فلم تصدر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة ولا عن الحكومات الغربية أية مبادرة إجرائية لمكافحة الإتجار بالنفط الذي ينهبه «داعش» من سورية والعراق ويبيعه إلى تركيا، كما أنها لم تعلن عن خطوات عملية لمعاقبة الجمعيات الخليجية التي تواصل جمع الأموال وإيصالها إلى الجماعات التكفيرية في سورية والعراق وهي جمعيات معروفة وأسماء المسؤولين عنها منشورة في العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية، لأن هذين التدبيرين يمثلان الحد الأدنى لأي إجراءات تطبيقية ناتجة من قرار مجلس الأمن.

الإعلان عن اعتزام الرئيس الأميركي باراك أوباما بترؤس جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي الشهر المقبل تحت عنوان مكافحة الإرهاب يبدو أنه عامل استعراضي أكثر مما هو خطوة جدية لإقامة تحالف دولي يبادر إلى وضع الخطط والسياسات المشتركة في مكافحة الإرهاب. المعيار الجدي في هذا الموضوع كان ولا يزال الموقف من سورية الدولة الوحيدة في المنطقة والعالم التي أظهرت في السنوات الأخيرة قدرة عالية في مجابهة التهديد الإرهابي والتي تمتكلك أهم كنوز المعلومات عن الجماعات الإرهابية الجديدة المتفرعة من تنظيم «القاعدة» والتي تضم عشرات آلاف المقاتلين من مختلف الجنسيات ممن أرسلتهم دول الغرب وحكومات تركيا وبعض الدول العربية إلى سورية.

المواقف الأميركية والأوروبية مرتبكة في هذا الموضوع وتحكمها عقدة العجز عن الاعتراف بالفشل في سورية وبالهزيمة أمام الرئيس بشار الأسد، فمن الواضح أن حكومات الغرب التي يرسل العديد منها موفدين سراً إلى سورية بطلب التعاون الأمني والاستخباراتي لم تتخذ أي مواقف سياسية علنية تتناسب مع ما يقوله الموفدون في الكواليس أمام من يلتقونه من المسؤولين السوريين أو من أصدقاء سورية.

واقعياً، لا يمكن الانخراط في مكافحة الإرهاب على مستوى المنطقة من دون التعاون مع الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس الأسد والتي أثبتت على مدى السنوات الماضية أنها تمتلك قدرات استثنائية وخبرات كبيرة وتواجه على أرضها التشكيلات التكفيرية الإرهابية التي تمثل مصدراً للخطر على المنطقة والعالم، وما لم ترضخ حكومات الغرب لهذه الحقيقة هي لا تزال تناور وتتحايل أمام الخطر الإرهابي الذي لا يحتمل الإنتظار، والدولة السورية من جانبها تواصل معركتها بغض النظر عن المواقف الغربية وما سيطرأ عليها لأن من يتأخر عن دعم الجهود السورية وبناء الشراكات مع سورية في إطار الحرب على الإرهاب سيكون هو الخاسر، ومن العبث أن تستمر الحكومات الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص في فرضية محاربة الإرهاب في كل مكان من العالم ودعم هذا الإرهاب في سورية لأن نسيج الشبكات التكفيرية واحد وعابر لجميع الحدود في العالم وليس في المنطقة فقط، وهو ما يحرج دول الغرب ويضعها أمام استحقاقين لا مفر منهما، الأول الانتقال من محاربة الدولة السورية إلى الاعتراف بدورها المحوري في المنطقة، والثاني الضغط على الحكومات المتورطة في الحرب على سورية لتغيير سلوكها منها ووقف دعمها للإرهابيين وهذا يشمل تركيا وقطر والسعودية.

التجربة برهنت أن سياسات الدول الغربية تقاس بالأفعال وليس بالبيانات والتصريحات، وهذا ما تعتمده القيادة السورية في تقييمها المواقف من قرار مجلس الأمن الدولي الأخير والذي يختصر بعبارة «العبرة في التنفيذ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى