نتنياهو يتذرّع بالإسلاموفوبيا لمواجهة حزب الله
روزانا رمَّال
تتغذّى طبيعة الاشتباك بين حزب الله و«إسرائيل» بتشابه جمع غير مقصود بين الطرفين لجهة عقيدة الانتماء والتمسك بالأرض وإثبات أحقيتها وجودياً من جهة والانطلاق من مبدأ فكري عقائدي يساهم بمزيد من الاندفاع نحو خوض الحرب بكل أبوابها الممكنة لكسر الآخر كما يرغب الطرفان معتمدين على أيديولوجية غير قابلة للتجاهل تفسّر مستوى إنجاز حزب الله كمنظمة محدودة القدرة مقابل «إسرائيل» المفرطة باستخدام وسائل القوة والإبهار وتفسّر أيضاً طول أمد المعركة بين «إسرائيل» والفلسطينيين ومن الجهة اللبنانية اهتمام «إسرائيل» بتعزيز عناصر التخلّص من حزب الله بالاستفادة من كل ما تمنحه الجغرافيا والسياسة معاً، فتارة تتوجه للتخلص من حزب الله عبر التخلص من سورية وأخرى تتوجه للتخلص من حزب الله بإغراقه بحروب طائفية تعتمد على استخدام «الإسلام» ذريعة انقسام وجدت طبيعياً لا علاقة لأيّ دسّ فيها.
نجحت «إسرائيل» باستخدام عنصر قادر على إحراج حزب الله وحلفائه في المنطقة، خصوصاً الإيرانيين بالضرب على الوتر الحساس المتعلق بنثر النزاعات والتشنّجات الطائفية وبعض الأحداث غير المفهومة والتي تحصل غالباً بشكل مفاجئ لمعرفتها أنّ حزب الله عاجز عن الردّ بالمثل لئلا تقع فتن مذهبية لا يريد الذهاب اليها. وقد ساعدت في هذا الأمر بلبنان عندما كان السفير الأميركي جيفري فيلتمان مسؤولاً عن السياسة الأميركية وحليفاً لخصوم حزب الله. واستفادت من اغتيال الحريري لتعزيز الانقسام بإدارة فيلتمان واستفادت أيضاً بإدخال حزب الله دوامة الحرب السورية التي غذتها مع الغرب من أجل التخلص منه ومن سورية وإنهاك النظام الإيراني كتحصيل حاصل.
ليس وارداً بالنسبة لحزب الله الانخراط في دوامة العنف المذهبي. وقد حذر أمينه العام أكثر من مرة اللبنانيين من مغبة انفلات الأمور راجياً عدم الالتفات إلى ايّ ضغط، لكن هذا لا يعني أنّ «إسرائيل» لم تستطع الاستفادة من جانب آخر من جوانب تعدّد المدارس الإسلامية، وفيها ما يكفي من التطرف من أجل إدارته بوجه حزب الله وحلفائه، فكانت القوى الإرهابية التكفيرية مثل داعش والنصرة قادرة على تنفيذ المهمة بشكل لا يؤذي «إسرائيل» ولا يريح حزب الله بالوقت نفسه.
هذه القوى التي وصلت للدول الغربية وضعتها أمام الخطر نفسها الذي يعيشه الشرق الأوسط، خصوصاً ما تعرّضت اليه سورية، فما كان على الخبراء والقانونيين الأوروبيين سوى مراجعة الأسباب من وراء انتشار التطرف في دول لا تمتّ للشرق الأوسط ونزاعاتها بصلة ليتبيّن فشل حكومي ذريع نتيجة الإمعان في إهمال بعض الجاليات العربية التي تعيش في دول مثل فرنسا وبلجيكا وغيرها.
يتحدّث مصدر ديبلوماسي عاش في دولة غربية لعقود لـ «البناء» عن أبرز أسباب انتشار التطرف في فرنسا فيقول «إنّ أبرز أسباب ما يجري اليوم هو ما ارتكبته الحكومات المتعاقبة من تعزيز لظاهرة الإسلاموفوبيا بسبب الإهمال الذي لحق بالمسلمين من أصول عربية من الذين يعيشون في ضواحي باريس التي يصعب أن ينوجد مثلها في بعض الدول العربية النامية. وهذه قد تكون مفاجأة للبعض»، ويتابع المصدر: «ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تنتشر كالنار بالهشيم في أوروبا أنشأت نوعاً من مشاعر التطرف والاصطفاف بصفوف أصحاب الأرض وهؤلاء ما يعني أننا قادمون على المزيد من الارهاب اذا لم تتمّ معالجة هذه الظاهرة وتحسين فرص معيشة اللاجئين الذي ينزحون نحو التطرف بسبب الاهمال».
يبدو أن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو الغارق في تسويق نظرياته الحدودية مع الروس والأميركيين بانتظار المفاوضات السورية يعاني إحراجاً أمام الرأي العام «الإسرائيلي» الذي يحيي ذكرى حرب تموز منتظراً رؤية «إسرائيلية» جديدة تحميه من مخاطر هجوم حزب الله في أيّ وقت يراه مناسباً، خصوصاً أنّ حساب الحزب لم يقفل للانتقام لدماء مغنية ومن بعده كثر.
يخاطب نتنياهو في الذكرى العاشرة لحرب تموز شعبه من أمام مقبرة العسكريين في القدس المحتلة فيقول إنّ «إسرائيل» ستردّ بقبضة من حديد في حال مهاجمتها من قبل حزب الله معتبراً أنّ الحرب كانت اصطداماً بين تنظيم إرهابي متطرف يعتنق «عقيدة إسلامية» متشدّدة و«إسرائيل» الدولة الديمقراطية و«الحرة».
يحاول نتنياهو استجداء ولاء «الإسرائيليين» والتزامهم عبر تخويفهم بما يعرّض عقيدتهم للخطر، فمواجهة «إسرائيل» مع متطرفين إسلاميين كحزب الله، برأيه تعني خطر إبادة وسحق هذا الكيان الذي يتواجه مع دمويين لا يؤمنون بوجودها، مستغلاً الموجة العالمية التي تنثر هاجس الإسلام «الإسلاموفوبيا» ويسيء له كديانة وكمنتمين إليه، مستفيداً من التعاطف الدولي والموحّد ضدّ الارهاب، معتبراً ان «الإسرائيليين» يتعرّضون لمثيل له واضعاً حزب الله بخانة «داعش» والنصرة» او «القاعدة» ومتفرّعاتها نفسها امام الجبهة الداخلية.
لا يجد نتنياهو في الذكرى العاشرة للحرب أيّ تفسير للفشل «الإسرائيلي» باعتراض الطائرة من دون طيار المنطلقة من مرتفعات الجولان التي أكدت لـ «الإسرائيليين» أنّ حكومتهم ليست حاضرة لأيّ حرب ولا يجدون ايضاً تفسيراً لفشل أجهزتهم الأمنية في اكتشاف محاولة تفخيخ 12 طائرة جرت في مطار تل أبيب على شكل اختبار لجهوزية الأمن هناك وما بثته من ذعر في صفوف «الإسرائيليين».
اليوم، يتذرّع نتنياهو «بالإسلاموفوبيا» ليبرّر عجزه وأسباب إخفاقاته وعدم قدرة «إسرائيل» على مواجهة تعاظم قدرات حزب الله منذ دخوله الحرب السورية، كما اعترفت أجهزة استخباراتها.