فرنسا مجدّداً… نتعاطف ولكن أليس طابخ السم أكله؟
هشام الهبيشان
ها هي جمعة «دامية» جديدة تعيشها فرنسا، هولاند يستدعي احتياط الجيش من المواطنين لتعزيز قوات الأمن ويمدّد حالة الطوارئ في فرنسا لثلاثة أشهر بعد اعتداء دهس بشاحنة خلّف مئات الضحايا بين قتيل وجريح في مدينة نيس الفرنسية. وفي زحمة كلّ هذه التطورات التي تعيشها فرنسا ومعها القارة العجوزة تستمرّ الحملة الأمنية الفرنسية بمناطق مختلفة من العاصمة باريس ومختلف المدن الفرنسية والتي ترافقها حملات أمنية أخرى بمدن وعواصم أوروبية مختلفة من بروكسل مروراً ببرلين إلخ… للكشف عن الخلايا الإرهابية المرتبطة بأحداث نيس وغيرها.
من هنا وبعد حادثة نيس واحتمالات تكرار مثل هذه الحوادث في مدن أوروبية عدة، برز قلق واشنطن من سيناريوات إرهابية محتملة قد تتعرّض لها أميركا، ومن هنا يبدو واضحاً أنّ القارة العجوز ومعها واشنطن، بدأت تستشعر بشكل أو بآخر خطورة تمدّد الإرهاب، فالمنظومة الغربية بمجموعها والتي لطالما كان لها دور بارز بدعم الإرهاب في المنطقة العربية ليحقق لها مصالح آنية ومستقبلية استراتيجية، بدا الإرهاب الذي دعمته يرتدّ عليها، فطابخ السم آكله، ومن هنا يمكن أن نقرأ انّ المنظومة الغربية وتحت وقع الإرهاب العائد اليها بدأت اليوم فعلياً تبحث عن حلول عاجلة لمكافحة هذا الإرهاب الذي بدأ يهدّد أمنها حقاً.
اليوم من الواضح أنّ الغرب ورأس حربته اميركا، بدأ بشكل واضح يبحث عن حلول لأزمات المنطقة العربية، فهو اليوم أصبح بين مطرقة الإرهاب العائد اليه وسندان المهجرين من العرب الى الغرب. وهذا ما ظهر جلياً من خلال حديث وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو عن قرب انطلاق مسار الحلول والتحالفات الخاصة بالوصول الى حلّ سياسي للحرب المفروضة على الدولة السورية ولتوحيد الجهود للحرب على الإرهاب. ومن هنا يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول السياسية للحرب على سورية، بدأ يشهد تغيّراً ملحوظاً وخصوصاً في استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سورية. فأحداث نيس الأخيرة من المؤكد أنها ستفرض واقعاً جديداً على واشنطن وحلفائها، ومن ينظر الى حديث الرئيس الفرنسي هولاند وتعقيبه على احداث نيس سيدرك انّ هناك عملية عسكرية فرنسية جوية ستبدأ ضدّ تنظيم داعش في أماكن مختلفة من سورية الى ليبيا وغيرها.
إنّ ما يجري في سورية ميدانياً اليوم بدأ يفرض نفسه وبقوة على ملف الإرهاب، واليوم هناك تقارير دولية عدة أكدت عودة المئات من المقاتلين الأوروبيين والعرب والشيشان الفارّين من زحمة هذه المعارك بالشمال السوري إلى بلدانهم الأوروبية وبعضهم توجّه إلى ليبيا وأفغانستان واليمن والسعودية وبعضهم استقرّ في تركيا، هؤلاء المقاتلون الفارّون من معارك الشمال السوري أكدت التقارير الدولية انهم بصدد تنفيذ عمليات إرهابية في الدول التي عادوا إليها او استقرّوا فيها. وهذا بدوره ما ساهم بخلط أوراق وحسابات شركاء الحرب على سورية، فعودة هؤلاء الارهابيين إلى دولهم وتنفيذ عمليات إرهابية كالتي حصلت في نيس او باريس، شكلت حالة صدمة كبرى عند الدول الأوروبية الشريكة بالحرب على سورية، فإرهابهم الذي دعموه لإسقاط سورية يرتدّ عليهم اليوم، ولذلك هم اليوم في صراع مع الوقت لإيجاد حلّ ما يضمن القضاء على هذه المجاميع الإرهابية بسورية وعدم السماح بعودتها الى بلدانها وداعميها.
في زحمة كلّ التطورات الآتية من سورية، تبرز الى الواجهة خطورة تمدّد تنظيم «داعش «في شمال افريقيا في سيناء المصرية وفي أجزاء واسعة من شرق وجنوب شرق ليبيا، تمدّد التنظيم بمصر وليبيا بدأ يشكل عوامل ضغط اضافية على المصريين، كما على الأوروبيين وعلى الروس ايضاً. هذه التطورات بمعظمها تؤكد انّ المرحلة المقبلة ستشهد تطورات كبرى بملف مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد المعلومات التي رشحت من عناصر قيادية بالتنظيم أنّه ينوي نقل مقرّ قيادته الرئيسية من العراق وسورية الى ليبيا.
ختاماً، إن معظم التطورات الخاصة بملف الإرهاب الذي بات فعلياً يهدّد المنظومة الغربية، تؤكد أنّ الغرب بدأ يستشعر خطورة عودة هذا الإرهاب الى اراضيه، والمرحلة المقبلة ستشهد بشكل مؤكد تطورات مهمة ودراماتيكية بملف مكافحة الإرهاب غربياً، ولكن هذه المهمة ليست سهلة وستكون لها نتائج دموية وآثار سلبية كبرى على المجتمعات الغربية بعمومها، فهذه المجتمعات للأسف تتحمّل اليوم نتائج دعم ساستها وحكوماتها للإرهاب في المنطقة العربية، ومع كلّ هذه التطورات سننتظر المرحلة المقبلة، لأنها ستحمل الكثير من المفاجآت الكبرى بملف مكافحة الإرهاب غربياً.