عبد الله سينام قرير العين ولكن نظراته ستبقى تلاحقنا
ميسم حمزة
أطفالنا رجالات المستقبل المقاومون الصامدون لا يخشون الموت.
اختبروا التهجير، والحروب، وعاشوا الفقر والظلم، والمعاناة، والتهجير، والحرق، وفقدان الأهل، واليوم يختبرون الذبح…!!
إنه الحوار بين الطفل وكلّ ما يحيط بنا من ظلم، تخطّى قدرتنا على التحمّل، فكيف بهم؟
ولم ينقذهم لا بكاء، ولا توسّل، ولم يشفع بهم صغر سنهم أو البراءة في أعينهم، صاروا هم الشهداء وصاروا هم الخبر، وصارت الإنسانية كلها متفرّجاً وسامعاً أو قارئاً للخبر، ونحن ما نحن أمام مشهد لا يحتمله إنسان، ولا يمكن وصفه بكلمات، فقد تيبّست الكلمات على شفتي، واختنقت العبرات في حلقي حتى كادت تقتلني.
للوهلة الأولى وجدت نفسي عاجزة، مشلولة القدرة على التفكير أو الكتابة، وما الذي يمكن قوله في حالة كهذه، وأنا أمام مخلوق تخجل الوحوش مما يفعل. وأمام شهيد ذبيح مظلوم لم يتخطَّ عمر الورد…
حتى التتار والمغول إبّان اجتياحهم البلاد، كانوا يقطعون الرؤوس ويضعونها على الرماح ليرهبوا الشعوب التي يريدون اجتياح أرضها، لكنها كانت رؤوس قتلى الحروب.
أما هذه المخلوقات التي تزعم أنها تقاتل باسم الإسلام والمسلمين، فعلى مرأى الملايين، ودون أن يرفّ لهم جفن، أصدروا حكم الإعدام بحق طفل لا يتعدّى عمره اثني عشر عاماً، ثم ذبحوه دون رحمة، وقطعوا رأسه وحملوه يتفاخرون بفعلتهم التي لا توجد كلمة في معاجم لغات الدنيا تصف مدى حقارتها وجبانتها. كأنه… لا والله لن أشبِّه أبداً! لأنّ الله عز وجلّ رحمة ورأفة بنبيّه جعل التضحية بالحيوان بدلاً من الطفل، ثم أمر أن لا يقطع رأس الحيوان بعد ذبحه إلا بعد موته، فما الذي تفعلونه أنتم؟
عبد الله العيسى، طفل في جعبته أحلام وردية، وأمنيات بمستقبل جميل أبعد حدوده كان النجاح واللعب. جعله هذا التكفيري مقاتلاً يستحق القتل بوحشية، لا يقبل بها لا شرع ولا دين، ولا تعاليم سماوية ولا بشرية، فحتى الوحوش المفترسة لا تقطع لحم فريستها إلا بعد موتها، إلا الضباع، وهي كما يسمّيها العلماء من الحيوانات القمَّامة، وهي أبشع الحيوانات رائحة وشكلاً.
عبد الله هذا الطفل الفلسطيني ذكّرني بأطفال دير ياسين، وقبية وبحر البقر وقانا، وهؤلاء القتلة يعيدون تمثيل المشاهد الصهيونية نفسها.
عبد الله ليس الطفل الأول الذي تُسرق طفولته على يد هذه الجماعات الإرهابية ولن يكون الأخير، فيد هذه الجماعات التكفيرية لن تكفّ عن ارتكاب الجرائم حتى تقطع، وآلاف الأطفال يسقطون يومياً شهداء بسبب مجازرهم، ولكنها المرة الأولى التي ينشر فيها فيديو مصوّر بهذا الشكل الاستفزازي الإجرامي والإرهابي البشع، يسجل عملية ذبح طفل على صيحات الله أكبر…
أهذا هو الدين؟ أهكذا يُطبَّق شرع الله؟ ألهذا الحدّ أصبح البعض مجرداً من الإنسانية؟ ألم تكن وصية رسول الله خلال الحروب: انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين…
وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: « اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ».
نعم، عبدالله، سينام قرير العين، مرتاحاً، لأنه ترك الأرض الفانية، وجاور ربه، سيرقد بسلام بعدما يُخبر إله الكون عن ظلم هؤلاء البشر، إنْ جاز وصفهم بالبشر، ولكن هل سننام نحن مرتاحي الضمير وبيننا بشر يصمتون عن الظلم أو يدعمونه أو حتى يمارسوه على الأبرياء؟ هل سننام نحن مرتاحي الضمير وحقوق الأطفال تُنتهك دون رحمة، وأين هم مَن وضعوا شرعة حقوق الطفل التي يحميها المجتمع الدولي وما الداعي لوجودها إنْ كان هذا المجتمع هو مَن يدعم قاتلي الأطفال ويموّلهم ويسلّحهم؟