جيش «محمد» في الأطلسي؟
روزانا رمَّال
يتحدّث المقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معرض دفاعهم عن سياسته بلغة تذكّر المهتمّين بما انفتحت عليه تركيا منذ تسلّمه السلطة وبالإنجاز الاقتصادي والسياحي الذي رفعها، بحسب الإحصاءات للائحة أكثر الدول الشرق الأوسطية المقصودة سياحياً، ما وسّع من علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الجوار، خصوصاً في سنوات ما قبل «الربيع العربي»، لكن هذا الأمر لم يعُد وارداً بالنسبة لأردوغان، فسياسة الانفتاح هذه كانت حينها جزءاً لا يتجزأ من حلم تركيا بدخول الاتحاد الأوروبي الذي خصّص له أردوغان ما يكفي من جهد وإثباتات للغرب بين حماية قواعده العسكرية في تركيا «انجرليك» والمنطقة وصولاً الى التماهي الكامل مع سياسات قوات حلف الأطلسي العسكري لحين وصول الأمور لطريق مسدود مؤخراً بعدما أصبحت مشكلة اللجوء السوري وتورّط تركيا فيها أخطر ما يعيق العملية، فانكفأ حزب العدالة والتنمية بشكل ملحوظ وتبدّلت استراتيجيته بشكل لافت أخذ تركيا من طرف المشهد لطرفه الآخر فبعد أن كان الحلم دخول الاتحاد الأوروبي والانفتاح، بات الحلم بمجرد انعدام الفرص وخفوتها نوعاً آخر من الأماني وهي أسلمة او أخونة الدولة بانتظار فرصة مؤاتية إلا انّ أردوغان لم ينتظر كثيراً ليقمع حريات الصحافيين ويتعاطى بإجحاف مع مَن لا يؤيد سياسته الداخلية، إضافة الى بذل كلّ ما أمكن للحصول على نتيجة تسمح له بالتفرّد بتشكيل حكومة من لون واحد بعد فشله بالدورة أو الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية التي خرقها بشكل لافت حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إضافة الى حزب الشعب الجمهوري بطبيعة الحال وآخرين.
اليوم يستفيد أردوغان من الانقلاب لتطهير البلاد من العلمنة والأرقام الكبيرة من المشتبه بهم الذين يُحاكمون اليوم على «النيات» تتحدث عن هوية جديدة للحكم في تركيا راسمة أسئلة كثيرة أبرزها مصير تركيا في قوات حلف شمال الأطلسي، بعدما تقدّم أردوغان بخطاب لافت للشعب التركي أعلن فيه أسلمة الجيش التركي وقطع الشك باليقين، فقال من مطار أتاتورك: «إنّ من قاموا بالانقلاب سيدفعون ثمن خيانتهم، والمجموعة التي قامت بمحاولة الانقلاب تلقت أوامر من «الكيان الموازي» لا يمكن للجيش أن يوجه سلاحه ضدّ الشعب، بلطف الله ورعايته سيؤدّي هذا التمرّد إلى تنظيف القوات المسلحة التركية التي يجب أن تكون نظيفة مئة بالمئة». وتابع: «أنا لست ذاهباً إلى أيّ مكان، أنا مع الشعب التركي، أقول للجنود الأتراك وضباط الصف أنتم «جيش محمد»! وتقفون أمام أمهات الشعب التركي ولا أقبل أبداً أن توجهوا أسلحتكم ضدّ الشعب».
هذا الخطاب لم يكن وارداً لولا يقين الرئيس التركي باستحالة دخول بلاده للاتحاد الأوروبي ما يطرح اليوم السؤال الأبرز حول كيف يمكن للأطلسي تقبّل عقيدة إسلامية لا تنسجم مع هوية الجيوش المنضوية تحت لوائه من أوروبيين وغرب «علمانيين»؟ بالتالي فإنّ ما جرى سياسياً لجهة استحالة حضور تركيا في الاتحاد الأوروبي مرجحٌ، لأن يصبح واقعاً يطرد منه الجيش التركي من قوات حلف الأطلسي. فالحقيقة ستأخذ الأمور الى مكان آخر لن يستطيع أردوغان تفاديه ولو تأجّل.
يُعتبر الجيش التركي من أقوى جيوش المنطقة بالنسبة للناتو، ولا يبدو أن الناتو سيستغني بسهولة عن اهتزاز يحدثه أي طرد او سوء علاقة معه، بالتالي فإنّ المصلحة الأوروبية والغربية تقتضي المحافظة على الجيش التركي ضمن المنظومة نفسها، وإذا كان هناك من مجال للتضحية فستكون على الشكل الآتي:
أولاً: دعم محاولة ثانية وثالثة للتخلص من نظام حزب العدالة والتنمية الذي قدّم بساعات قليلة نموذجاً عن تطهير وأخونة تركيا بكل ما فيها، صروحها التعليمية ومؤسساتها المدنية ومراكز المحافظات والأقضية والقضاء والصحافة والعسكر.
ثانياً: أن يتمّ إخضاع أردوغان محلياً وخارجياً فيحافظ على وجود بلاده بالأطلسي عبر تغيير سياسات تركيا الخارجية فتتقدم بالتالي للمجتمع الدولي بصورة جديدة أو وجه جديد يدفع أردوغان ثمنه للبقاء رئيساً شرعياً مع نيات تغيير جذري لموقفه المسبق مع الإفراج عن المشتبه بهم وبلسمة ما أمكن من جروح الداخل والخارج بليونة واضحة.
ينعى الرئيس التركي فكرة أيّ انسجام ممكن مع الأوروبيين بعد الذي أقدم عليه. هذا ما تقوله صحيفة الغارديان البريطانية التي تؤكد أنّ انضمام تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي أصبح أبعد ما يكون من ذي قبل، فمشهد الدبابات في شوارع تركيا والاعتداءات التي شهدها البرلمان سلط الضوء على هشاشة الديمقراطية في البلاد، وأظهرت إلى أيّ مدى أضحت تركيا بعيدة المنال من الانضمام للاتحاد الأوروبي… «الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعد المسافة بين انضمام بلاده لدول الاتحاد»…
يؤكد ديبلوماسي سابق لـ «البناء» أهمية الالتفات الى استحالة تقبّل المجتمع الأوروبي تدفق الإسلاميين بهذا الحجم للبلاد الأوروبية وإلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الهاجس الأوروبي الذي لم ينسه حتى الساعة سكان بلاد مثل اسبانيا التي كانت واجهة بلاد الفتح العثماني التي لا تزال تتخوّف من الوجود الإسلامي التركي فيها وإعادة عقارب الساعة الى الوراء. يتابع المصدر: «هذه أمور موجودة ولا يعتقد أحد أنها أصبحت من الماضي فالخوف من الإسلاميين في اوروبا يتصاعد بكثافة».
هذا الكلام يؤكد بطبيعة الحال حظوظ أردوغان الصعبة في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، لكنها تؤكد بشكل أكبر أن نسبة السعي لإنقاذ الجيش التركي من هوية يسعى أردوغان لصبغه فيها باتت أكثر حضوراً، وإلا فإن التخلص من أردوغان بات وارداً بقوة.