مَنْ يطبخ السمّ فلا بدّ أن يتذوّقه

عبد الحكيم مرزوق

هل يمكن القول إنّ ما تشهده بعض العواصم الأوروبية من إرهاب هو ارتداد لما أنتجته خلال السنوات الماضية على الأرض السورية، ومقولة إنّ صانع السمّ لا بدّ أن يتذوّقه أصبحت ترجمتها واضحة على أرض الواقع، بمعنى أنّ الإرهاب الذي تمّ تصنيعه وإنتاجه خلال السنوات الماضية بدأ بالهجرة العكسية إلى الأراضي التي انطلق منها، ولعلّ الأحداث التي جرت مؤخراً في العاصمة الألمانية ميونيخ ليست البداية وليست النهاية، وكذلك ما جرى في مدينة نيس الفرنسية، وفي العاصمة البريطانية، وبعض الدول التي تآمرت بشكل علني تارة وتحت الطاولة تارة أخرى، فالأحداث الإرهابية لم تنج منها وذلك ببساطة لأنها هي التي ساهمت في تصنيع وإنتاج ذلك الإرهاب المنظم من خلال دعم وتسليح العصابات الإرهابية المتأسلمة، والتي جعلت غطاءها الشرعي الدين الإسلامي الحنيف، وهو براء منها ومن أفعالها.

لا شك بأنّ غطاء محاربة الإرهاب الذي اعتمدته بعض الدول، وإحلال الديمقراطيات والحريات ليس له أساس من الصحة، إذ أنّ الجميع يدرك أنّ تلك الدول العظمى لها تاريخ حافل بالقتل والإجرام والمجازر البشرية التي ارتكبتها خلال تاريخها الطويل من خلال احتلالها لأجزاء من الدول العربية لنهب خيراتها وثرواتها، ولم تنته حقبة الاحتلال بخروج المستعمرين والمحتلين، حيث عاد الاحتلال بوجوه جديدة إلى المنطقة العربية من خلال الاستعمار الاقتصادي الذي يذهب الثروات الباطنية كالنفط في الدول الغنية بهذه الثروة تحت مسمّيات مختلفة، والهيمنة على القرار السيادي لدول المنطقة العربية حتى لا تقوم لها قائمة وتبقى ضعيفة ومستسلمة للقوى الاستعمارية العظمى التي لم تتغيّر عبر عشرات السنين الماضية مع تغيّر سياساتها في أسلوب الهيمنة والسيطرة مستخدمة السرطان «الإسرائيلي» الذي زرعته في المنطقة العربية وذلك لتكون العصا الغليظة التي تهدّد بها الدول العربية وتمنعها من أن يكون لها أيّ دور بارز على المستوى الوطني والقومي، ولهذا فقد كان الأغرب على مدى تاريخهم الحديث غير المشرّف ضعفاء لا أقوياء خانعين مذلولين للقرار الغربي الذي يملي قراراته على تلك الدول فأصبحت جامعة الدول العربية أداة طيعة في يد الإدارة الأميركية، وصار ممثلو الدول العربية مجرد بيادق تتحرك كيفما يشاء السيد الأميركي، وأقصى ما يمكن أن تفعله هو التنديد والإدانة والشجب وهذا ما جعل منظر الدول العربية أضحوكة أمام العالم.

ولم ينج من تلك المعادلة إلا بعض الدول التي أبى حكامها أن يكونوا شهود زور في التاريخ العربي الحديث، وأن يكونوا مجرد أدوات ومهرّجين يظهرون أمام العالم أنهم زعماء وملوك وأمراء وهم في الواقع مثل فقاعات الهواء لا يملكون من أمرهم شيئاً، ولذلك فقد كانت الحرب شعواء على محور المقاومة الذي لم يخنع ولم يخضع للإملاءات الأميركية وجعل محاربة الكيان الإسرائيلي من أولوياته وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أهلها من أهدافه التي لم يتخل عنها في يوم من الأيام. ولذلك فقد كانت النقمة كبيرة والمؤامرة أكبر على سورية التي خاضت أكبر حرب في التاريخ الحديث، حيث لم تتعرّض أيّ دولة في التاريخ لمثل تلك الحرب التي تعرّضت لها سورية منذ ست سنوات لإسقاطها، وذلك لأنها لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من المشروع الأميركي على المنطقة.

ست سنوات وسورية صامدة قيادة وشعباً في وجه أكبر حرب دنيئة عليها من قبل أكبر دولة في العالم كانت تخطط عبر أجهزة مخابراتها مع دول أخرى خليعة لها عربية وأجنبية، ولم تفلح كلّ السيناريوات التي وضعوها في تحقيق أهدافهم لإسقاط الدولة، وذلك بسبب صمود جيشها وشعبها وقيادتها ودعم دول محورية حليفة لها كروسيا وإيران، وهذا ما أفشل وأسقط كلّ السيناريوات الموضوعة عبر ست سنوات، وبدأت حركة الخط البياني بالنزول مشيراً إلى تطورات هامة على الأرض عبر الانتصارات المتلاحقة للجيش السوري في الجبهة الشمالية، وبدأت رحلة الإرهابيين بالهجرة المعاكسة لنشهد العديد من الأعمال الإرهابية في تلك الأراضي للدول المصدرة للإرهاب.

ولعلنا لا نغفل الدور الدنيء الذي قامت به القيادة التركية ممثلة بالسفاح أردوغان الذي أدخل مئات الآلاف من الإرهابيين، ولم تنج أيضاً تركيا من الأعمال الإرهابية، إذ شهدنا الكثير من العمليات الإرهابية لتلك العصابات التي كان يدعمها أردوغان وأعوانه ومشغلوه وبدأ رصيده بالهبوط إلى أدنى درجاته مشيراً إلى قرب نهايته المحتومة التي بدأت مؤشراتها تلوح في الأفق.

لقد قال المحلل السياسي الصربي الكسندر بافيتش أستاذ العلوم السياسية إنّ الحكومات الغربية الحالية فتحت «صندوق باندورا» على شعوبها، وهو ما يعرف في الميثيولوجيا الإغريقية بأنه يتضمّن كلّ شرور البشرية من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن ووقاحة. فما حدث في مدينة نيس الفرنسية لن يتوقف هناك بل سيتكرّر كثيراً في أوروبا.

وهذا ما نجد ترجمته على أرض الواقع، فما يحدث في بعض العواصم الأوربية سيتكرّر والإرهاب سيطالهم، فمن يدعم الإرهاب سيتذوّق لظاه عاجلاً أم آجلاً، وستكون الفترة المقبلة حبلى بالكثير من الأحداث التي تؤكد أنّ الإرهاب سيرتدّ على صانعيه عاجلاً أم آجلاً.. ومن يطبخ السمّ لا بدّ أن يتذوّقه مهما طال أو قصر الزمن.

كاتب وصحافي سوري

Marzok.ab gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى