نصرالله بين ذكاء التشخيص وذكاء التوقيت: المعركة مع السعودية في اليمن وليس في حلب
ناصر قنديل
– بالتأكيد ابتسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما تبلّغ التغريدات التي أطلقها الرئيس سعد الحريري رداً على خطابه، مع قدر من الإشفاق على موقع سياسي لبناني فقد كل شيء، وبات مضطراً أن يبحث عن الكلمات ليقول ما يرضي السعوديين كلما وجد فرصة لتحسين صورته عندهم وعلاقته معهم. وهو يدرك كما يدرك السعوديون أن لبنان لم يعد ساحة مواجهة في ظل موازين الردع التي تحكم معادلاته، خصوصاً بوجه «إسرائيل» وتشكيلات القاعدة، وأن تيار المستقبل وحلفائه لم يعودوا في الحسبان السعودي واحداً من عناصر صناعة توازنات المنطقة، ولا من الخطة السعودية.
– يرسم السيد نصرالله معادلة للمواجهة الدائرة في المنطقة، تعيدها إلى الجذور، مشروع للمقاومة يقابله مشروع أميركي «إسرائيلي»، فقدت في خدمته أميركا و«إسرائيل» قدرة استخدام قوتهما المباشرة منذ ما بعد حرب تموز 2006، وباتت الثنائية التركية السعودية، وفي خدمتهما تنظيم القاعدة بمتفرعاته أدوات إعادة تعويمه، وتنشيطه، والدفاع عنه. ولذلك يضع معركة حلب تحت عنوان تثبيت إنهاء الحلم الإمبراطوري العثماني، ويمضي سريعاً لأن العثمانية تكرس سقوطها، وما عاد مهماً صرف الجهد في السجال والمواجهة معها، والمعركة الآن مع آخر أجنحة الاشتباك الذي يواصل بعناد ومكابرة رفض التسليم بالتوازنات الجديدة، وهو ما يمثله الموقع السعودي.
– يضع السيد التوجه السعودي للتطبيع مع «إسرائيل» في حجم يتخطّى الإطار التفصيلي للقاءات، فيعتبره تحولاً نوعياً ومفصلاً خطيراً، لأنه تعبير عن الذهاب السعودي إلى آخر الطريق، وكشف الأوراق، وإلغاء التحفظ، بلا مقابل سياسي يعوِّم الزعامة السعودية في المنطقة، كما كان التوجه السعودي سابقاً يربط هذا التطبيع بحل سياسي للقضية الفلسطينية يًعيد بعض الأرض وبعض الحقوق، بل كتعبير عن تموضع معلن لا يقيم حساباً لمستقبل هذه الزعامة السعودية، بقدر ما يقيم حساباً لإعلان حلف ثنائي سعودي «إسرائيلي» من جهة، يقاتل حلف المقاومة علناً من جهة، وتنفيذاً لطلبات أميركية «إسرائيلية» تستعجل شرعنة «إسرائيل» من البوابة السعودية، في سباق مع الزمن قبل نهاية حروب المنطقة، التي يتضح اتجاه الحسم فيها لصالح قوى المقاومة وانفتاح أبواب تسويات تخلط الأوراق، تسعى واشنطن لحجز مقعد فيها من بوابة الحرب على الإرهاب، بينما توضع السعودية فيها في خندق الاشتباك والمواجهة إلى جانب «إسرائيل».
– تزامن الهجوم العسكري في حلب، لحسم معادلة الجغرافيا السورية شمالاً، وهو شمال المنطقة كلها وليس شمال سوريا فقط، لتكريس إنهاء آخر أوهام الإمبراطورية العثمانية، لفتح الباب لتسويات تشمل السوريين المتوهمين بطول عمرها رغم كل ما جرى، وإفهامهم بالوقائع وبلغة الميدان أن اللعبة انتهت في الشمال، تزامناً مع هجوم سياسي نوعي في جنوب المنطقة، حيث أعلنت القوى الوطنية اليمنية مجلسها السياسي الدستوري لإدارة البلاد، بعدما عبث السعوديون كثيراً في مسارات التفاوض ومساعي التسويات، لتقول إن الحسم عسكري في الشمال وسياسي في الجنوب، وإن مقومات الصمود والقدرة على الثبات باتت متاحة لتلقي ردود الأفعال التي قد يقدم عليها السعوديون. فاليمن قادر على إفشال الحرب، كما قال السيد نصرالله، وكما قال السيد عبد الملك الحوثي تأكيداً، وفي البحرين نجح المتظاهرون بحماية الشيخ عيسى قاسم من الاعتقال، وسط ما يأتي من أخبار من البحرين تقول إن التصعيد الحكومي إذا حصل فسيقلب الطاولة ويغير قواعد اللعبة.
– يفتح السيد باب الجواب للسعوديين بالقول إن طريق التراجع إلى خط التسويات لا يزال مفتوحاً، بالتموضع على خط السعودية القديم، فليس مطلوباً نقل السعودية إلى محور المقاومة، بل عودة السعودية إلى مواقعها، فترتضي تسوية منصفة في اليمن والبحرين، وتسلّم بأنها خسرت حرب سوريا، وتعود إلى ربط التطبيع مع «إسرائيل» بالتقدم على مسار إنصاف الشعب الفلسطيني ونيل بعض حقوقه. فقضية المقاومة لم تكن يوماً هزيمة السعودية، ولا تغييرها، بل هزيمة «إسرائيل»، والسعودية هي من وضعت نفسها في طريق المقاومة، وليست المقاومة من اختار هذا الاشتباك.
– ذكاء التشخيص مرتين بردّ الصراع في المنطقة إلى البوصلة الرئيسية وهي الصراع مع «إسرائيل»، وبقراءة الحركة السعودية على ضوئه وفتح باب التسويات لها من بابه. وذكاء التوقيت مرتين، بربط معركة حلب بنهاية العثمانية ومتغيرات الوضع التركي، وربط المواجهة المقبلة والرسائل الراهنة بالتثبت والتحقق من موازين القوة في جنوب المنطقة، وقد حسم اتجاهها في الشمال، فالمعركة في حلب والحرب في اليمن، فلا تشعلوا البحرين، لهذا يصير كلام الحريري خارج النص.