داعش الوسيلة والذريعة

د. نسيب بوضرغم

لم يَعد خافياً دور أجهزة الاستخبارات الأميركية و«الإسرائيلية» في إظهار داعش إلى الوجود، بدءاً من عملية إخراج أبي بكر البغدادي من سجن أبي غريب في بغداد وإخضاعه لدورة مكثفة من قبل عملاء للموساد، بحسب ما ذكر سنودن أخيراً.

منذ أن انطلق أبو بكر البغدادي ميدانياً في العراق، كان أول نتائج انطلاقته هذه، مقتل أبي مصعب الزرقاوي، الذي توج الانقلاب على التنظيم الأم «القاعدة» الذي كان هو نفسه يمثله في بلاد الرافدين.

إن المتابع لمسار تنظيم داعش، يقف عند العطف الكبير الذي حظي به من قبل تركيا بشكل خاص، العطف الذي مازال قائماً والذي يمثل شريان الحياة لهذا التنظيم.

عندما تكون تركيا في هذا الدور، يعني أنها وكيل مكلف من قبل الولايات المتحدة، وبالتالي فإن تنظيم داعش يمثل في هذه المؤامرة دور المنفذ الميداني لمخطط الشرق الأوسط الجديد، المخطط الذي يقوم ويتحقق عبر الفوضى الخلاقة.

داعش الوسيلة، لعب دوره بشكل ناجح، مزّق الوحدة الاجتماعية في المناطق التي قُدّر له السيطرة عليها، واقتطع من الأرض الوطنية لكل من العراق والشام مساحات شكلت الشرط الضروري لقيام دولة «الخلافة»، نظراً إلى موقعها من جهة وما تحتويه من ثروات من جهة ثانية، وبالتالي ما يشكله اقتطاع هذه المساحات من ضرر بالغ سواء على منطقة الحدود الشمالية أو المنطقة الوسطى الشرقية من الشام، وما يعكسه قطع التواصل الجغرافي بين العراق والشام.

داعش الوسيلة، أكمل دوره المرسوم، وهو الآن يضيف إلى دور الوسيلة دور الذريعة.

لقد جَنَت الولايات المتحدة و«إسرائيل» المكاسب الاستراتيجية الكبيرة من داعش الوسيلة، مكاسب كانت حتى الأمس القريب شيئاً من الوهم، فإذا بداعش تحوله إلى حقيقة، بل حقيقة مرة.

وبذاك تكون الولايات المتحدة و«إسرائيل» قد فرضتا أمراً واقعاً تريدانه هو أن يتحول إلى ذريعة ، للتدخل وفرض المخططات العائدة لهما.

فإذا كان خلق داعش على الأرض قد مزق وحدة الأرض الوطنية لكلٍ من العراق والشام، وخلق بين مكونات الشعب الواحد أسباب الشقاق والفناء. إذا كان داعش الوسيلة قد فعل ذلك، فإن داعش الذريعة سيكمل دور الوسيلة. وهاهو جو بايدن نائب الرئيس الأميركي يدعو إلى عراق فدرالي المقصود عراق مُقسَّم في سياق مواجهة داعش. أي بكلمة، فإن داعش أصبح ذريعة لدى الأميركي لاستكمال مشروع تقسيمه للمنطقة.

ومَن يدري غداً، فقد تقوم الولايات المتحدة الأميركية – وتحت ذريعة مقاتلة داعش – بأعمال عسكرية، ضد الدولة الوطنية السورية، وضد وحدة شعبها! لو كانت الولايات المتحدة تريد فعلاً قتال داعش، لكانت أوعزت إلى أردوغان بأن يغلق حدوده مع الدولة الداعشية، فيوقف تدفق المقاتلين والسلاح وكذلك تدفق النفط المسروق من سورية والعراق، والذي يُشكل عصب الدولة الداعشية.

الولايات المتحدة، كاذبة في شأن حربها على داعش، فهي تستكمل حربها على سورية تحت عنوان آخر غير عنوان الكيماوي، وبذرائع جديدة غير ذريعة أسلحة الدمار الشامل. ربما، بل بالتأكيد، فإن جور داعش الذريعة أشد فتكاً وخطراً من دور داعش الوسيلة، ففي دور الذريعة كم كبير من الخداع والمكر، فيما دور الوسيلة واضح في شكله وأساسه.

الولايات المتحدة الأميركية تريد حتماً حرباً على داعش، لكن في المناطق التي تعنيها من الوجهة الاستراتيجية، داعش في مصر خطر على الولايات المتحدة، مثلها مثل السعودية والإمارات وقطر وكل الخليج وكذلك الأردن، وقبل ذلك كله كردستان العراق.

هذه المناطق هي ما تريد الولايات المتحدة حمايتها من داعش، وطالما أن داعش ملتزمة بهذه الخريطة المرسومة لها، فإن الولايات المتحدة تشجعها على استكمال تدميرها لسورية، ولا يعود داعش إذذاك تنظيماً إرهابياً، حتى لو ذبح كل يوم أميركي.

تدمير الدولة السورية والمجتمع السوري هدف حيوي للمشروع الصهيو-أميركي، فليس ثمة قضية أخلاقية-إنسانية، مهما كبرت قد تدفع بالولايات المتحدة لوقف داعش عن حربه على سورية.

إشارات الحرب على سوريا ظاهرة:

1 – نجاح أردوغان في تركيا، وظهوره بمظهر السلطان، وهذا يعني من الوجهة العملية جنوحاً سياسياً وعسكرياً مدعماً بالتأييد الشعبي سيقوم به أردوغان، واستطراداً يعني تكثيفاً للدور التركي على الصعد كافة.

2 – استمرار نهب النفط وتوريده عبر تركيا إلى «إسرائيل» بأبخس الأثمان، وذلك تحت رعاية الولايات المتحدة الأميركية وتشجيعها.

3 – استمرار التحويل والإمداد العسكري واللوجستي سواء عن طريق تركيا أو الأردن لداعش.

4 – اقتصار الضربات الأميركية على منطقة محددة تلامس الحدود مع إقليم كردستان.

وفي المحصلة، قد نكون على عتبة تدخل أميركي بشكل مختلف، ولكنه يستهدف فرض التقسيم على المنطقة برمتها، فإذا كانت فدرلة العراق وسيلة لمقاومة داعش وفق خطة جو بايدن، فمن يدري قد تكون فدرلة سورية أيضاً خطة مطلوبة لمواجهة داعش. حيث يجري كل ذلك على وقع التدخل العسكري الأميركي شكلاً ضد داعش وأساساً ضد وحدة سورية.

مازلنا في بداية الإعصار الصهيو-أميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى