هل يعود العرب إلى دمشق وبغداد عبر القاهرة؟
جمال العفلق
تسارع الأحداث وانسجام تصريحات العرب مع رؤية دمشق وبغداد حول الجماعات التكفيرية والمدّ الإرهابي الذي سيطاول عاجلاً أم آجلاً الذين دفعوا المال والسلاح له في عقر دارهم. هذا الانسجام كان لا بد له من مفتاح فوجد عرب المشروع الأميركي أنه لا بد من إشراك مصر في أثقل الملفات العربية بعد ملف القضية الفلسطينية، الملف الذي غاب عن الاجتماعات وأن تم التطرق له فيكون تطرقاً سطحياً ومكرراً للتسويق الإعلامي. وتصدّر ملف الإرهاب والرؤية السورية والعراقية حول هذا الملف ليس من باب الخوف على الشعبين العراقي والسوري إنما هناك إرادة دولية جديدة تتبناها أميركا. إن الإرهاب المحدد الأهداف حين تمت صناعته ودعمته خرج عن حدود مهمته وأدخل أصحاب المشروع في إرباك لم يكن ضمن حساباتهم.
قتل الصحافي الأميركي وإعلان داعش لخريطة تقول إنها الخطوة الأولى لما يسمى دولة الخلافة أجبرا الداعمين الأصليين والمكلفين بالتنفيذ على مراجعة الحسابات. فالخطر الذي كانت دمشق تتحدث عنه وكرة النار التي أشعلت في سورية والعراق سيأتي يوم وتتدحرج إلى خارج الحدود وتشعل المنطقة.
واجتماع جدة الأخير والذي ضم خمس دول عربية ثلاثة منها هي السعودية وقطر والأردن لا يمكن تجاوز مواقفها المعادية لسورية والعراق طوال سنوات الحرب. أما الإمارات فهي لا تتخلى عن الإجماع الخليجي ولكنها ليست معادية بالمعنى السياسي لسورية أو العراق ولم تحاول تبني مواقف متشددة اتجاه البلدين. أما مصر وبعد استلام الرئيسي عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة وإعلان توجه مصر الجديد الرافض للحركات الإسلامية بل وصل الأمر إلى إلغاء وجودها القانوني وحل الأحزاب المتشددة، وبنفس الوقت عدم رفع سقف المواجهة مع سورية أو العراق أو التدخل في شؤونهما من قريب أو بعيد إلا وفق اللياقة الدبلوماسية.
وقرار مصر عدم تبني مواقف متشددة اتجاه سورية والعراق والتحدث حول من سيحكم هنا أو هناك هو خطوة اتجاه وضع العلاقات المصرية العربية في الاتجاه الصحيح. لهذا كان وزير الخارجية المصري هو من أعلن عن الاجتماع العربي على رغم أن الاجتماع في بلد آخر.
جاء هذا الإعلان في سياق إعلان دولي آخر مصدره الولايات المتحدة الأميركية التي تركز اليوم في إعلامها ومن خلال تصريحاتها وعلى أعلى المستويات أن داعش إرهاب يجب وقفه.
وطبعاً الولايات المتحدة بإعلانها هذا تعترف أن الجيش السوري يحارب الإرهاب وليس ما روجت هي له أنه يحارب شعبة .
وقبول مصر لهذا الدور اليوم هو نتيجة حصولها على معلومات قد تكون دمشق أوصلتها لها أن هذه الجماعات الإرهابية تمتلك خلايا نائمة في دول عدة أهمها السعودية، حيث يشكل السعوديون النسبة الأكبر من المنخرطين في هذه التشكيلات منهم من أخرج من السجون ومنهم من التحق نتيجة انتماء عقائدي أساسه الأول تنظيم القاعدة الذي يملك أنصاراً كثراً في السعودية والأردن ومصر.
وعلى رغم أهمية الاجتماع واعتباره مقدمة لطرح حلول مستقبلية قد تخرج الجميع من هذه الحرب، إلا أن عدم حضور أصحاب القضية نفسها يفرغه من أهميته إلا إذا كان هو اجتماع تحضيري سيتبعه اجتماع ثلاثي يضم مصر وسورية والعراق. ينتج من هذا الاجتماع إقرار عربي بأن سورية والعراق يحاربان الإرهاب وأن تجفيف مصادر الدعم للإرهاب يجب أن يكون قراراً ملزماً للدول التي تدعمه وخصوصاً السعودية وقطر وعلى الأردن وقف الدعم اللوجيستي ومنع حركة التنقل عبر أراضيه إلى كل من سورية والعراق، وإذا ما تم ذلك يكون ملف الحرب على سورية قد طوي عربياً وإقليمياً، وتكون دول المحور المعادي للشعب السوري اعترفت بهزيمتها التي ظهر عنوانها الأول على لسان وزير الخارجية السعودي أن إسقاط النظام في دمشق ليس هدف الرياض؟
كما سيعيد هذا الملف الدور المصري بحجمه ووزنه إلى الواجهة العربية والدولية. خصوصاً أن ملف العدوان الصهيوني على غزة بيد القاهرة اليوم ولم تقدر تركيا أو قطر على سحبه وسلمتا بالأمر الواقع أن دورهما قد انتهى على الأقل في الوقت الحاضر.
وهنا تصبح تركيا أردوغان خارج اللعبة، خصوصاً أن قرار أميركا وأوروبا دعم قوات البيشمركة ومدها بالسلاح والخبراء يقض مضجع الساسة في تركيا وسيكون لهذا الدعم أثر مزلزل على السياسة التركية اتجاه القضية الكردية. فلا الأكراد يتناسون ما فعلت تركيا بهم ولا الأتراك سيسمحون بوجود قومية مناهضة لهم تعقد من حسابات دول الجوار.