ماذا تريد الولايات المتحدة من تودّدها إلى الـ«نيو نصرة»؟
كان واضحاً، ومنذ بداية المسرحية الكوميدية التي لعب دور البطولة فيها الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني، أنّ المُراد من فكّ ارتباط تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي بتنظيم «القاعدة» سيّئ الذكر، وتغيير التسمية إلى «جبهة فتح الشام»، إعادة إضفاء صفة «الاعتدال» على هذا التنظيم الذي لم يختلف عن غيره من التنظيمات الإرهابية، سوى بعدد الضحايا الذين أودى بحيواتهم.
وكان واضحاً أن مخرج هذه المسرحية الهزلية، لم يكُ إلّا أميركيّ، لم ترُقْ له الانتصارات التي يحققها الجيش السوري بالتعاون مع حلفاء سورية المخلصين. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة «إيزفستيا» الروسية تقريراً تطرّقت فيه إلى قرار «جبهة النصرة» فكّ ارتباطها بـ«القاعدة»، مشيرة إلى أنها بهذا تسعى لأن تنزع عن نفسها صفة الإرهاب. ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرّب من الدوائر الدبلوماسية الروسية إلى أن صاحبة فكرة تغيير اسم مجموعة «جبهة النصرة» إلى «جبهة فتح الشام» والتنصّل من تنظيم «القاعدة»، هي الولايات المتحدة، التي تريد بذلك إدراجها في قائمة «المعارضة المعتدلة» في سورية. ويؤيّد هذا الرأي اللواء السوري المتقاعد ثابت محمد، الذي قال إنه ليس سرّاً أن الولايات المتحدة أنشأت تنظيم «القاعدة». و«جبهة النصرة» هي جناحه في سورية، فلذلك هي تتبع الأجهزة الأمنية الأميركية. وحيث إن روسيا تطالب منذ عدة أشهر واشنطن بفصل ما يسمّى «المعارضة المعتدلة» عن «جبهة النصرة»، فإن واشنطن بدلاً من هذا، قرّرت تغيير اسمها وفصلها عن «القاعدة»، حيث سيكون بالإمكان مستقبلاً استثناؤها من المنظمات الإرهابية. بيد أن الجرائم الدموية التي اقترفها مسلّحو «النصرة» لن تسمح أبداً باعتبارها تنظيماً غير إرهابي.
إلى ذلك، رأت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن إعلان «جبهة النصرة» في سورية انفصالها عن تنظيم «القاعدة» أو أيّ كيان خارجي آخر يحمل في طيّاته تحرّكاً استراتيجياً مهماً تسعى «الجبهة» من خلاله إلى الهيمنة على تنظيمات «معارِضة» لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقالت الصحيفة في تقرير بثّته على موقعها الإلكتروني إن قليلين من قادة الحرب في سورية التي تدور رحاها للسنة الخامسة على التوالي، اعتبروا إعلان «زعيم الجبهة» أبو محمد الجولاني انتصاراً لصالح «الأيديولوجية المعتدلة لفكر المعارضة».
وذكرت أنه رغم قرار الجولاني تغيير اسم «الجبهة» إلى «جبهة فتح الشام»، فإن قليلين جدّاً من النقّاد والمحلّلين يصدقون أنه حقاً قرّر أن يُحدث تغييراً في «عقيدة جبهته».
«إيزفستيا»: الولايات المتحدة تُدرج «جبهة النصرة» في قائمة «المعارضة المعتدلة»
تطرّقت صحيفة «إيزفستيا» الروسية إلى قرار «جبهة النصرة» فكّ ارتباطها بـ«القاعدة»، مشيرة إلى أنها بهذا تسعى لأن تنزع عن نفسها صفة الإرهاب.
وجاء في المقال: أشار مصدر مقرّب من الدوائر الدبلوماسية الروسية إلى أن صاحبة فكرة تغيير اسم مجموعة «جبهة النصرة» إلى «جبهة فتح الشام» والتنصّل من تنظيم «القاعدة»، هي الولايات المتحدة، التي تريد بذلك إدراجها في قائمة «المعارضة المعتدلة» في سورية.
ويؤيّد هذا الرأي اللواء السوري المتقاعد ثابت محمد، الذي قال إنه ليس سرّاً أن الولايات المتحدة أنشأت تنظيم «القاعدة». و«جبهة النصرة» هي جناحه في سورية، فلذلك هي تتبع الأجهزة الأمنية الأميركية. وحيث أن روسيا تطالب منذ عدة أشهر واشنطن بفصل ما يسمّى «المعارضة المعتدلة» عن «جبهة النصرة»، فإن واشنطن بدلاً من هذا، قرّرت تغيير اسمها وفصلها عن «القاعدة»، حيث سيكون بالإمكان مستقبلاً استثناؤها من المنظمات الإرهابية.
بيد أن الجرائم الدموية التي اقترفها مسلّحو «النصرة» لن تسمح أبداً باعتبارها تنظيماً غير إرهابي.
وقد نشرت وزارة الخارجية الروسية على موقعها الإلكتروني في هذا الشأن ما يلي: «ليس هناك من حاجة لإثبات أن الإرهابيين يحاولون عبثاً تغيير صورتهم لأن جبهة النصرة مهما غيرت اسمها، كانت وستبقى منظمة إرهابية خارجة عن القانون، ولا هدف لديها سوى إنشاء ما يسمّى دولة الخلافة باستخدام وسائل وطرق وحشية وبربرية. لذلك سوف تستمر محاربتها بدعم من المجتمع الدولي إلى حين القضاء عليها تماماً».
من جانبه، أشار المستشرق ليونيد إيسايف في حديث أدلى به إلى «إيزفستيا» إلى أن «جبهة النصرة» لن تكتفي بتغيير اسمها والانفصال عن «القاعدة». فقد أعلن ممثلو «جبهة النصرة» قبل فترة عن استعدادهم لإنشاء تحالف مع «أحرار الشام» و«جيش الإسلام». وهذه خطوة منطقية للاختباء خلفهما. أي أنه عندما تبدأ روسيا بقصف «النصرة» التي غيّرت صورتها، وتحالفت مع مجموعات أخرى، فإن الغرب وغيره من «المدافعين عن حقوق الإنسان» سيتهمون موسكو بمهاجمة «المعارضة المعتدلة».
ويذكر أن «جبهة النصرة» أعلنت انفصالها عن تنظيم «القاعدة» وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» يوم 28 تموز 2016. وقد شكر «زعيم» التنظيم أبو محمد الجولاني قادة «القاعدة» «على تفهّمهم ضرورة قطع الارتباط بهم».
ولم تظهر من جانب «القاعدة» أيّ اعتراضات على انفصال «النصرة». فقد قال «زعيم التنظيم» أيمن الظواهري لوكالة «رويترز»: «يمكنكم أن تضحّوا بالعلاقات التنظيمية والحزبية، إذا كانت تهدّد وحدتكم وتكاتفكم».
هذا، وتجدر الاشارة إلى أنّ «جبهة النصرة» أُسّست في سورية عام 2011، وأعلنت عن نفسها رسمياً في شباط 2012، عندما نشرت شريط فيديو حول معارضتها النظام ومحاربتها إياه. وقد حدّدت هدفها الرئيس بإطاحة نظام الأسد، وتأسيس إمارة إسلامية في سورية. وتدعم هذه المنظمة عدداً من المجموعات المسلحة التي تعدُّها الولايات المتحدة وحلفاؤها «معتدلة». لذلك تبقى مسألة الفصل بين «المعارضة المعتدلة» والمنظمات الإرهابية مطلباً رئيساً لموسكو من واشنطن.
«فاينانشيال تايمز»: انفصال «النصرة» عن «القاعدة» جزء من خطوة استراتيجية للهيمنة على «المعارضة»
رأت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن إعلان «جبهة النصرة» في سورية انفصالها عن تنظيم «القاعدة» أو أيّ كيان خارجي آخر يحمل في طيّاته تحرّكاً استراتيجياً مهماً تسعى «الجبهة» من خلاله إلى الهيمنة على تنظيمات «معارِضة» لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقالت الصحيفة في تقرير بثّته على موقعها الإلكتروني إن قليلين من قادة الحرب في سورية التي تدور رحاها للسنة الخامسة على التوالي، اعتبروا إعلان «زعيم الجبهة» أبو محمد الجولاني انتصاراً لصالح «الأيديولوجية المعتدلة لفكر المعارضة».
وذكرت أنه رغم قرار الجولاني تغيير اسم «الجبهة» إلى «جبهة فتح الشام»، فإن قليلين جدّاً من النقّاد والمحلّلين يصدقون أنه حقاً قرّر أن يُحدث تغييراً في «عقيدة جبهته»، ويعتقدون أن الجولاني يسعى بخطوته تلك إلى بسط هيمنته على مناطق شمال غرب سورية، وهي أكبر معقل متبقّي لدى صفوف «المعارضة» في حربهم ضدّ الرئيس بشار الأسد.
وأضافت: بالتالي، فإن فصائل «المعارضة» الهشّة والضعيفة في سورية قد تجد نفسها مضطرة للاختيار بين أمرين مستحيلين، هما إما أن تتّحد مع «الجماعات الجهادية» أو مع من يتلقون دعماً من الغرب من أجل إنهاء الصراع.
ونقلت الصحيفة عن أحد رموز «المعارضة» ـ فضّل عدم ذكر اسمه ـ قوله إن «جبهة النصرة» تبذل محاولة من أجل قيادة «المعارضة» في الشمال، وبالتالي فإنها قد تكسب من وراء انفصالها عن «القاعدة»، وتخرج أقوى مما كانت عليه.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا القرار الجديد الذي اتخذه الجولاني جاء بالتزامن مع تفعيل اتفاق طالما طال انتظاره بين المتناحرتين موسكو وواشنطن، حيث من المحتمل أن تنسق القوتان شنّ هجمات عسكرية ضدّ «جبهة النصرة»، فيما تسعى الولايات المتحدة وروسيا إلى التوافق في شأن صوغ إطار لاتفاق سلام ينهي الصراع في سورية.
وأردفت الصحيفة البريطانية تقول إنه رغم وصف الأمر على أنه انفصال عن تنظيم «القاعدة»، إلا أن الجولاني الذي أظهر وجهه للمرة الأولى في شريط الفيديو الذي سجّله للإعلان عن قراره، لم يعلن بشكل واضح تراجعه عن ولائه للتنظيم، فيما توجد مؤشرات واضحة تؤكد أنه لم يهجر «أيديولوجية فكر القاعدة»، حيث ظهر الجولاني وهو يرتدي زيّاً أشبه بزيّ قائد «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، وهو الزيّ العسكري والعمامة البيضاء، متعهّداً «بحماية الجهاد في سورية».
في السياق ذاته، قال مسؤولون غربيون وروس إن التسمية الجديدة لـ«الجبهة» لن تثنيهم عن استهداف «الجبهة»، التي تعدّ أقوى جماعة مسلّحة في سورية، غير أن بعض «المعارضين» يرون أن استهداف «الجبهة»، الذي سوف يضرّ بالتأكيد بالمدنيين، قد يؤدّي إلى تعزيز قوّة الجولاني وزيادة حجم التأييد له.
«موسكوفسكي كومسوموليتس»: لماذا حاصرت القوّات التركية قاعدة إنجرليك؟
تناولت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية مسألة محاصرة القوات التركية قاعدة إنجرليك العسكرية، التي لا يستخدمها الناتو فحسب، لا بل تركيا.
وجاء في المقال: حاصرت القوات التركية قاعدة إنجرليك الجوية، التي يستخدمها أعضاء حلف شمال الأطلسي، وتستخدمها تركيا أيضاً. وتشير صحيفة «حرييت» التركية إلى أن سبب هذه العملية كان ورود أنباء عن محاولة انقلابية في مدينة أضنة، القريبة من القاعدة. أما الخبراء فيرون في هذه العملية محاولة لتخويف واشنطن.
ففي يوم الأحد 31 تموز 2016، حاصر نحو 7 آلاف عسكري قاعدة إنجرليك. وقد كتب وزير الشؤون الأوروبية في الحكومة التركية عمر تشيليك على صفحته في «تويتر»: «أنا موجود الآن في أضنة، حيث أجرينا اختباراً شاملاً لمنظومة الأمن، ولم نعثر على أيّ مشكلة فيها». ولكن صحيفة «خبر ترك» ربطت محاصرة القاعدة بوصول رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية جوزف دانفورد في اليوم نفسه.
ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتهم ممثلي البنتاغون بالضلوع في المحاولة الانقلابية الفاشلة حيث وجّه آخر انتقاداته إلى الجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة الوسطى الأميركية، الذي أشار إلى تضرّر عمليات مكافحة «داعش» نتيجة حملة الاعتقالات بين عناصر القوات المسلحة التركية. فقد قال أردوغان إن الجنرال بنّاء على تصريحاته، يقف إلى جانب المتمردين.
وقد علق المستشرق غومير إيسايف المقيم في اسطنبول على محاصرة القاعدة، بأن هذا لا يستبعد أن يكون شكلاً من أشكال الضغط على الولايات المتحدة. فمن المعلوم أن قاعدة إنجرليك تعدُّ موقعاً أساسياً للولايات المتحدة، التي تهاجم منه مواقع داعش في العراق وسورية. وأنه عندما قُطع التيار الكهربائي عن القاعدة فقد كان ذلك أيضاً شكلاً من أشكال الضغط.
وتتخذ السلطات التركية حالياً إجراءات داخلية لا تقبل بها أوروبا والولايات المتحدة حيث إن التعاطف مع تركيا التي تعرضت لمحاولة انقلابية شيء، وعمليات التطهير الجارية فعلاً شيء آخر.
ففي الوسط الأكاديمي تُجرى عمليات تطهير شاملة، حيث يُفصل المعلمون الذين لا يمكن أن تكون لهم صلة بالمحاولة الانقلابية. لهذا يوجّه الغرب انتقاداته إلى أردوغان، الذي يطالب أولا بضرورة تسليم المتهمين بالتخطيط للانقلاب ويقصد الداعية فتح الله غولن.
ويضيف المستشرق أن هدف تركيا من هذه الإجراءات الاستعراضية إعلام الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، بأنها تحاول انتهاج سياستها الذاتية. ولا أعتقد أن المقصود بذلك هو الخروج من الناتو، ولكنه برأيي محاولة لوضع عراقيل أمام عمل إنجرليك، مع أنني لا أعتقد أنها ستبقى محاصرة بصورة نهائية. وعندما اعتقل عسكريون من القاعدة بعد المحاولة الانقلابية كان ذلك رسالة إلى العالم وبالذات إلى الولايات المتحدة.
ويقول المستشرق إن بعض الاتهامات التركية إلى الجانب الأميركي تصل إلى درجة السخافة. فمثلاً، أعلن وزير العدل التركي بكير بوزداغ عن العثور لدى المتمردين على أوراق عملة من فئة دولار واحد كشفت أرقامها التسلسلية والحروف موقع الشخص في تنظيم غولن. أما عمدة أنقرة، فقال إن غولن يوجه المتمردين بواسطة الجنّ. وهذه المعلومات برأيي تخلق هالة من الغموض، ولكنها سخافة. لقد جمع أردوغان في سلة واحدة خصومه ومعارضيه كافة واتهمهم بالتآمر. وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الأمور. ففي عام 2007، عند النظر في قضية منظمة «إيرجينيكون»، التي قيل إنها كانت تخطّط لمحاولة انقلابية، وُجّهت الاتهامات إلى اليسار والكماليين والعسكر والاشتراكيين. أما مسألة الدولارات فهي موجهة إلى ناخبي أردوغان غير المتعلمين والعاملين في الريف، حيث يسعدهم سماع مثل هذه الأنباء.
«نيويورك تايمز»: ترامب وأردوغان
كتب توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: تبعد تركيا مسافة طويلة للغاية عن مدينة كليفلاند حيث يعقد الجمهوريون مؤتمرهم الانتخابي الرئاسي. ولكنني أودّ منكم أن تعكفوا على دراسة الانقلاب العسكري التركي الفاشل ضدّ الرئيس أردوغان. الولايات المتحدة ليست تركيا بكل تأكيد، ولكن من حيث الشخصية والاستراتيجية السياسية، أعتقد أن أردوغان ودونالد ترامب توأمان انفصلا لحظة الولادة.
والدراما السياسية التي تدور حلقاتها في تركيا اليوم ليست إلا قصة الدولة الناجحة التي انحرفت عن مسارها عندما «يشيطن» زعيمها معارضيه وخصومه ويتوه في مستنقعات نظرية المؤامرة حتى يظن أنه وحده المستهدف والمقصود ـ وهو الوحيد الذي بإمكانه أن يعيد العظمة والفخار لبلاده دون غيره.
دعونا نبدأ بأردوغان، الذي شغل منصب رئيس وزراء تركيا في الفترة منذ عام 2003 وحتى 2014، ثم حاور وناور ليتبوأ منصب الرئيس الشرفي للبلاد بغية تحويل كافة مفاتيح الحكم والسلطة إلى يديه عبر منصبه الجديد. أعترف أنني عندما سمعت عن محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في 15 تموز الحالي، كان حدسي الأول هو مشورة جوديث مارتن، الكاتبة العريقة في صحيفة «واشنطن بوست» التي تحمل الاسم المستعار «ميس مانرز»، وذلك لأنني كنت أسأل نفسي: «ما هو الردّ السليم عندما تحدث الأشياء السيئة للشخصيات السيئة؟».
أيّ شخص كان يتابع تركيا عن كثب خلال الفترة الأخيرة سوف يقرّ بأن أردوغان كان يسير على طريق الانقلاب ضدّ الديمقراطية التركية، خطوة تلو الأخرى، على مدى سنوات، فلقد سجن الصحافيين.
أشعر بسعادة لفشل الانقلاب التركي، خصوصاً على النحو الذي سارت به الأمور، وأشارك كثيرين من العلمانيين الأتراك الذين عارضوا حكم أردوغان الاستبدادي، إلا أنهم عارضوا الانقلاب ووقفوا في مواجهة المتآمرين استناداً إلى مبدأ وجوب المحافظة على الديمقراطية التركية. أدّى نضج الشعب التركي إلى حصول أردوغان على ما يعرفه لاعبو الغولف بِاسم «موليغان»، أو البدء من جديد، لإظهار مدى التزامه بالمبادئ العالمية للديمقراطية. فهل سيفعل؟ أو ربما ينطلق إلى وسائله المفضلة للبقاء في السلطة: تقسيم الشعب التركي إلى مؤيدين للدولة وأعداء لها؟
العلامات المبكرة لما بعد الانقلاب التركي سيئة. بعد يوم من الانقلاب الفاشل، فصل أردوغان 2745 من القضاة وأعضاء النيابة العامة من مناصبهم. فكيف تمكن وخلال يوم واحد فقط من تحديد هويات القضاة والمدعين المفصولين؟ هل كانت بحوزته قائمة بأسماء الأعداء قبل الانقلاب؟ وإليكم المأساة الحقيقية: كان أردوغان زعيماً بارزاً خلال السنوات الخمس الأولى من رئاسته للبلاد، حيث عمل على تعزيز اقتصاد البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقة المتوسطة. ولكن منذ ذلك الحين بدأ في التكبر، وشرع في سلوكياته السيئة على نحو متزايد ومحاولة خلق «نحن في مواجهة الآخر» داخلياً بين أنصاره الأكثر التزاماً من الناحية الدينية، والمجتمعات الأكثر علمانية في البلاد.
وإذ إن أنصاره يعتبرون أن كرامتهم الشخصية تظل محفوظة ببقاء الرجل على رأس السلطة، فيمكنه نظراً إلى ذلك أن يقول ويفعل أيّ شيء ومن دون أن يكلف نفسه سداد ثمن أفعاله من الناحية السياسية.
يعتمد ترامب على التكتيكات نفسها فهو يلفّق الحقائق والأرقام على نطاق كبير. وهو دائماً ما يلوّح وبانتظام بنظريات المؤامرة ـ وآخرها أن «لغة الجسد» الخاصة بالرئيس باراك أوباما توحي بأن «هنالك شيئاً ما يجري في الخفاء» لدى الرئيس ـ في إشارة إلى أنه يشعر بنوع من التعاطف ناحية التطرّف الإسلاموي.
كما يعتمد ترامب على رابطة «نحن في مواجهة الآخر» بينه وبين أنصاره لتفادي العقاب على أي سلوك سيّئ من سلوكياته. كما أنه مهووس أيضاً ببراعته الخاصة، وهو يستخدم موقع «تويتر» للالتفاف حول حراس وسائل الإعلام التقليدية ـ والمدققين في الحقائق أيضاً ـ بغية أن يحقن أيّ شيء يريده في شرايين وسائل الإعلام العاملة في البلاد. وغالبية الناس الذين يحيطون بترامب إما أن يكونوا من أفراد أسرته أو أصحاب الدرجة الثانية من الذين يبحثون عن دور في الحياة.
إذا ما انتُخب ترامب رئيساً للبلاد، فلا أعتقد أنه سوف يشهد انقلاباً عسكرياً، ولكنني أؤكد لكم صحة تنبؤات جيب بوش وقتذاك، من أنه سوف يصبح «رئيس الفوضى» بالضبط كما كان «مرشح الفوضى».
إذا كان يروق لكم ما ترونه يجري في تركيا الآن، فمن دون شك أنكم سوف تعشقون الولايات المتحدة في عهد ترامب.
«لوفيغارو»: تركيا تغيّر سياستها إزاء سورية
نشر الكاتب جورج مالبرينو، المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، مقالاً في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بعنوان: «تركيا تغيّر سياستها إزاء سورية»، تحدّث فيه عن المتغيّرات الجديدة في أنقرة بعد فشل محاولة الانقلاب الأخيرة، وهي متغيّرات تدعو إلى الاعتقاد بأن السياسة التركية تجاه الأزمة السورية في طريقها إلى التغيّر بشكل كبير، وستفقد على الأرجح كثيراً من عناصر التصميم والزخم، نظراً إلى تركيز أنقرة المتوقع خلال الفترة المقبلة على مواجهة مشكلات الوضع الداخلي التركي نفسه، بكل تعقيداته وتحدياته الجديدة.
وقال مالبرينو إن أهمّ سمة لسياسة الرئيس أردوغان إزاء سورية، بعد فشل الانقلاب، ستكون التركيز بشكل خاص على محاربة مشروع الأكراد السوريين الرامي إلى إيجاد منطقة حكم ذاتيّ في شمال سورية قريباً من الحدود التركية. ومن هذا المنطلق يفترض أن تخفت النبرة التركية الداعية إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وخروجه من السلطة من دون قيد أو شرط.
ويعتبر كثيرون من الخبراء العسكريين والسياسيين الأتراك أن سياسة أردوغان حيال سورية أدّت إلى مأزق، بسبب رهانه قبل كل شيء على وجوب ذهاب الأسد وخروجه من المشهد في أسرع وقت ممكن. ولكن المشكلة أنه على رغم مرور أكثر من خمس سنوات على بداية الاحداث السورية، ما زال الرئيس السوري المدعوم من قبل روسيا وإيران، ممسكاً بالسلطة في دمشق. وحتى قبل الانقلاب الفاشل في تركيا، بدا خروج أحمد داود أوغلو، وهو مهندس السياسة التركية تجاه سورية، وذهابه من رئاسة الحكومة، وحلول بن علي يلدرم بدلاً منه رئيساً للوزراء، كل هذا أشّر إلى بداية تحوّل جذريّ في المقاربة التركية إزاء تعقيدات الصراع السوري. وعلى الأرجح، فإن هذا التحوّل سيستمرّ وفق مقاربة جديدة، بسقف أهداف مختلف، تأتي على رأسه أولوية مواجهة التحدّي الكردي في شمال سورية، بشكل جذري، ووفق ما يتماشى مع المصالح التركية في المقام الأول والأخير.
«حرييت»: الانقلاب كلّف تركيا مئة مليار دولار
كلّف الانقلاب الفاشل في 15 تموز الاقتصاد التركي حوالى 90 مليار يورو وأدّى إلى الغاء مليون من الحجوزات السياحية كما نقلت الصحف التركية الثلاثاء عن وزير التجارة.
وقال بولنت توفنكجي لصحيفة «حرييت» التركية إنه إذا أخذنا في الاعتبار كل المقاتلات والمروحيات والأسلحة والقنابل والمباني المتضرّرة فإن الكلفة تقدّر بـ300 مليار ليرة تركية على الأقل وفقاً لحساباتنا الأولية. مشيراً أيضاً إلى إلغاء طلبات تجارية من الخارج وزيارات سياحية.
وليل 15 إلى 16 تموز حاولت مجموعة من العسكريين إطاحة الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته. وقد استولوا على دبابات وأطلقوا النار على الحشود وقصفوا عدّة أهداف منها البرلمان في أنقرة. وأُفشِل الانقلاب لكن أعمال العنف أوقعت 271 قتيلاً بينهم 34 انقلابياً.
وقال وزير التجارة إن الخسائر التي لحقت بالاقتصاد التركي قد تكون أكبر على الأمد المتوسط بسبب تأثيرها على السياحة والمبادلات مع الخارج.
وأضاف: أُلغِيَت عدّة طلبات من الخارج ولم يعد الكثير من الأجانب يزورون تركيا. للأسف أعطى الانقلابيون صورة عن تركيا وكأنها بلد من العالم الثالث مع انتشار دبابات في الشوارع.
وذكر أنّ تم إلغاء مليون حجز في القطاع السياحي، يُبرَّر القسم الأكبر منها بقرار الحكومة إلغاء عُطل ثلاثة ملايين موظف حكومي بعد الانقلاب للقيام بعملية التطهير أو تفادي احتمال فرار أشخاص يشتبه في أنهم مرتبطون بهذه المحاولة، إلى الخارج.
وكان قطاع السياحة قد تأثر أصلاً بالاعتداءات التي نُسبت إلى جهاديين أو المتمرّدين الأكراد، بما أن نسبة وصول سيّاح أجانب إلى تركيا تراجعت 40 في المئة في حزيران مقارنة مع الشهر نفسه السنة المنصرمة.
لكن الوزير التركي أعرب عن الارتياح لعودة الأمور إلى طبيعتها اعتباراً من الاثنين الذي تلى الانقلاب الفاشل الذي وقع يوم جمعة. وأكّد أن سعر صرف الليرة التركية بقي مستقرّاً نسبياً بحسب الوزير، ولم تُراجَع أرقام الصادرات أو النمو الاقتصادي بعد.
وشهدت تركيا نموّاً بنسبة 4 في المئة في 2015 وهو معدّل لا يتوقعه صندوق النقد الدولي لهذه السنة.
وحذّرت الأسبوع الماضي مؤسسة «إنستيتيوت أوف إنترناشونال فاينانس» ومقرّها واشنطن، وتضمّ 500 مؤسسة مصرفية، أنّ الخسائر الفورية لجهة تراجع عدد السيّاح والاستثمارات ستساهم على الأرجح في تباطؤ النمو في 2016 و2017.