قصر العظم أحد أبرز معالم دمشق القديمة ومن أجمل المباني الإسلاميّة
دمشق ـ ك.د.
قصر العظم بناء من أهم المباني التاريخية الضخمة في مدينة دمشق، وواحد من أفضل نماذج العمارة المبكرة للبيوت الدمشقية الكبيرة، وأحد أهم معالم دمشق القديمة، ومن أروع وأجمل المباني الإسلامية على الإطلاق فوق مساحة تبلغ 5500 متر مربع.
وتقول مديرة القصر صفاء أبو إدريس: «اختار أسعد باشا العظم موقع هذا القصر بعناية فائقة وبناه عام 1749 ميلادي 1163 هجري عندما كان والياً لإقليم دمشق، واختار الموقع الجغرافي للقصر ليفيد من المزايا الاقتصادية والسياسية لسوقين من الأسواق الرئيسية في المدينة القديمة حيث يتمركز في نقطة تقاطع مهمة بين طرق القوافل المارة في المدينة بين الجامع الأموي وشارع مدحت باشا، وعلى مقربة منه بنى خان أسعد باشا. يعتقد أن قصر العظم يقع على بقايا القصر الذهبي لـ «تنكز» الحاكم المملوكي لدمشق بين عامي 1312 و1339 ميلادي والذي هدمه الاجتياح المغولي لمدينة دمشق على يد تيمورلنك عام 1401 ميلادي بحسب الاعتقاد السائد. وبحسب الموروث الشعبي بني القصر الذهبي لـ «تنكز» فوق القصر الأخضر، أي قصر معاوية بن أبي سفيان الحاكم الأموي الأول لخلافة بني أمية عام 680 ميلادي، وبدوره يقوم القصر الأخضر على الآثار الكلاسيكية لمدينة دمشق من العصر البيزنطي الروماني والهيلينستي والتي ترقد فوق المستويات الفارسية والآرامية المبكرة. إن قصر العظم هو القصر الوحيد المتبقي من قصور حكام دمشق التي تعتبر أقدم مدينة مأهولة بشكل مستمر في التاريخ إذ عمل في القصر نحو 800 حرفي من أمهر الصناع والعمال من أبناء الفيحاء جندوا خلال ثلاث سنوات لإتمام القصر، كما تشير الروايات التاريخية واجتهد وكلاء العمل بحثا عن أعمال فنية في دمشق وجنوب بصرى وبلاد الشام عامة لتزيين مكان إقامة الباشا، ومثال ذلك الأعمدة الرومانية المأخوذة من بصرى والموجودة في فناء الحرملك».
ينقل دليل قصر العظم الذي ألفته الباحثة الأميركية الدكتورة سنثيا فنلايسون عن روايات تاريخية بأن أعمال البناء المنزلية في دمشق توقفت في تلك الفترة بسبب الخدمة الإلزامية التي فرضها الباشا على النجارين والبنائين لإتمام بناء القصر، كما قطعت تمديدات المياه العامة حتى انتهاء أعمال التمديدات الصحية للقصر الذي يعتبر عالماً من الأناقة والمهارة في الصناعة والفنون التقليدية والحدائق والمياه المتدفقة، ممثلاً الإبداع وحسن الضيافة السورية من خلال النوافير والحدائق في قصر العظم في مشهد من الجنة بأشكال متنوعة وتتمتع كل منها بتصميم فريد بعضها كبير يرش الماء في الهواء ليرطب جو الإيوانات حيث يجتمع أفراد العائلة لتبادل الأحاديث والراحة في فترة ما بعد الظهر والمساء، وبعضها الآخر يتدفق على صحيفة رخامية السلسبيل في غرف الاستقبال الخاصة والحمامات، بينما يعطي بعضها الماء على شكل متاهة دائرية تتسابق فيها براعم الورود لتصل إلى مركز حجارة المتاهة ناشرة شذاها في الجو.
للحدائق في البيوت الدمشقية وظيفة مهمة بالإضافة إلى رموزها الدينية، وتستخدم الأشجار الموسمية من الحمضيات الليمون والبرتقال والنارنج والكباد وشجر السرو والياسمين لأجل فاكهتها أو رائحتها، مثلما كانت الأعشاب العطرية والطبية تزرع في أي مكان يستحسن لها، وهذه عادة متأثرة بالحدائق الإغريقية الرومانية البيزنطية والفارسية السابقة تتعاون المياه المتدفقة مع الحدائق على تبريد الأماكن الداخلية للبيوت وتعطي جواً من الراحة والهدوء.
يقسم القصر إلى الحرملك الخاص بالعائلة وضيوف نساء المنزل، وهو مؤلف من طبقتين، تستخدم الثانية للنوم في الشتاء للحصول على الدفء من حرارة الشمس المختزنة ويشغل الحرملك القسم الأكبر من المساحة إذ يحتل ثلثي المساحة الإجمالية للقصر وهو الأكثر جمالاً والأغنى لناحية الزخرفة، كما يحتوي الحرملك على حمام مترف البناء ذي قبة سقف مثقوبة لإدخال الضوء من الخارج. والقسم الثاني الخدملك، الركن الخاص بالخدم، وهو عبارة عن فناء خاص فيه بحرة كبيرة تحيطها غرف خاصة للمعيشة والنوم وهو قريب من المطبخ. والقسم الثالث السلملك، مخصص للضيوف الرجال من خارج العائلة من أصدقاء الباشا ومساعديه في السياسة والأعمال الخاصة.
استخدم في بناء القصر ما يزيد على ألف شجرة أرسل بعضها هدية لأسعد باشا من قبل حكام الأقاليم الذين رافقوا الباشا في حكمه لإقليم دمشق، واستخدم الكثير من هذه الألواح الخشبية في بناء هيكل القصر، وعدد كبير من أشجار الحور أصبح جزءاً من السقف الخشبي متعدد الطبقة والمزخرف ليدلّ على غنى البيوت في تلك الفترة. كما زينت الكثير من السقوف داخل القصر بالخشب المزخرف بتصاميم نباتية هندسية وبفن الخط العربي والملون بألوان قوس قزح، واستخدم الجص والصمغ العربي لصنع سطوح مزخرفة نافرة لتعزيز التركيبة الفنية سمي بالعجمي، وتحتوي قاعة الاستقبال على السقف الأكثر زخرفة وغنى من البيت إذ استخدمت لاستقبال ضيوف الباشا المميزين، وزخرفت ببذخ في الرخام والنافورات الداخلية، وكتب فوق الباب من الداخل «تشييد أسعد باشا العظم باني هذا القصر 1749 ميلادي 1163 هجري».
استخدم الخط العربي بزخرفة السقوف أو كناراتها، وغالباً ما كتبت فيه سور من القرآن الكريم والحكم أو النصوص الفلسفية والأبيات الشعرية أو المديح. أما بالنسبة إلى التزيين داخل قصر العظم فيعتبر المحمل الموجود مثالاً للمحمل التقليدي السائد في القرن التاسع عشر وهو مصنوع من مخمل أخضر غامق مطرز بزخرفات فضية وذهبية معقدة الأشكال زينت روءوس الأعمدة الأربعة للمحمل بكرات مطلية بالذهب.
لا نجد في هذا المحمل فكرة الأقمار الهلالية إذ تم التخلص منها غالباً في تلك الفترة العثمانية وتركزت جمالية محمل القصر في الآيات القرآنية المطرزة بخط اليد على جوانب المحمل، وطرز الجانب الأمامي من المحمل بالآيات 26و27 من سورة الحج وتتحدث عن التقليد الذي اتبعه النبي ابراهيم في شعائر الحج. كما مجدت الشعارات المعروضة في القصر لفظ الجلالة «الله».
من البناء الى المفروشات في قصر العظم حيث التفنّن في صناعة مفروشات فاخرة، فالصناديق الخشبية متميّزة بألوانها واستخدمت فيها مواد من مصر القديمة وبلاد الرافدين، خاصة الخشب القاسي للأشجار المثمرة والعطرة.
مع بداية الاحتلال الفرنسي عام 1920 اتخذ المفوض السامي من القصر مقراً لإقامته ثم حوّله إلى معهد للدراسات العلمية، لكنه تعرض لأضرار كبيرة خلال القصف الفرنسي لدمشق إبان الثورة السورية عام 1925 إذ وجهت له بعض الضربات المباشرة، ما أدى إلى هدم وحرق قسم كبير منه. وعام 1954 رممت مديرية الآثار جميع أقسام القصر الداخلية والخارجية وقاعاته وحولته إلى متحف شعبي بعد إعادته إلى حالته الأولى، ليكون شاهداً على تاريخ دمشق منذ القرن الثامن عشر، وشاهداً على الفنون الدمشقية في العمارة. وتحوّل إلى متحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية وجهّزت قاعات عديدة تعرض الكثير من العادات والتقاليد وتمثل الفولكلور السوري ليعتبر من أهم مقاصد السياح في مدينة دمشق القديمة كأجمل بناء إسلامي.