الوسيط القطري مجدّداً وما بعد «الوساطة»

روزانا رمَّال

ليس مفهوماً حتى الساعة بالنسبة للاعبين الإقليميين من جهة وللبنانيين من جهة أخرى مساحة الدور القطري المعطاة غربياً وخليجياً وتوقيت تحرّك الإدارة فيه نحو ملفات ما تلبث أن تعود معها للانكفاء بهدوء، فقطر التي لعبت دوراً بارزاً في مصر إبان ثورة الإخوان المسلمين انكفأت لصالح السعودية بعدما قررت الأخيرة التدخل على خط الرئاسة وتجيير سقوط الاخوان لصالحها مع تتابع مجريات الاحداث على وقع خلافات خليجية خليجية وصلت ذروتها بعد سوء العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر على خلفية استخدامها إعلاماً مناوئاً لسياسة الخليج وبالأخص الرياض، التي سحبت السفراء من الإمارات والبحرين والكويت في خطوة اكدت فيها ان لقطر حيثية خاصة لا تتلاقى دائماً مع مصلحة دول مجلس التعاون.

هذه الحقيقة وحدها قادرة على ترجمة أدوار وصيغ انتهجتها الحكومة القطرية، ودخلت على أكثر من ملف كلاعب فاعل وكطرف سياسي مقبول من الاطراف الاقليمية كافة. فقطر التي اظهرت علاقة ودية مع الرئيس الروسي في زيارة أميرها موسكو مرتين وتبادل الهدايا بينهما، قدمت أيضاً نموذج العلاقة الجيدة مع إيران وهي الخصم الأساسي للسعودية. وبالتالي فانّ خصوصية قطر التي تحفظ لنفسها ما لها فيه من حق الاختلاف والتمايز تؤكد على تموضع مغاير على أمرين أساسيّين… الاول قدرتها على التأقلم السريع بوجه اي تسوية سياسية مستقبلية تحفظ لإيران وسورية وروسيا موقفاً ونفوذاً واضحاً، والثاني عدم ممانعة الدوحة في أن تخرج عن انسجام مجلس التعاون الخليجي بل المسارعة لقطف فرص الدخول إلى «عالم المفاوضات» والتسويات واقتناص فرص تمكنها من الجلوس على طاولة الحسم في نهاية المطاف.

لا ينسى اللبنانيون تلك اللحظة التي سافر فيها كلّ الأفرقاء بطائرة واحدة الى الدوحة من اجل حلّ معضلة الرئاسة وإيقاف «حرب الشوارع» التي انطلقت لأيام معدودة عام 2008 وكادت تحسم وتكشف الخليجيين في لبنان وقدرتهم على الصمود لولا هذا التدخل. وهذا وحده كفيل ان يؤكد إمكانية الحضور مجدّداً على الموجة الرئاسية اللبنانية بدليل «الوقوع» وإذا كان هذا الأمر وارداً فانّ هذا يعني التالي، أولاً: أن يكون التدخل القطري هذه المرة مبنياً على اقتناص فرصة داخلية تتقاطع مع ظروف واضحة المعالم إقليمياً تحضر وتهيّئ الأجواء للبدء ببحث جدي بملف الرئاسة، اما الثاني: فإمكانية ان يكون هذا الدخول منعاً لكشف جديد للقوى الخليجية العاجزة في لبنان عن الحسم والمقصود السعودية غير القادرة على أخذ الملف الرئاسي لدفتها. بالتالي تكون قطر وحدها القادرة على ابراز الحلول بطريقة لا تعتبر نكسة للنفوذ السعودي في لبنان رغم كل ما تشير اليه من ثغرات في الادارة السعودية للملف اللبناني.

تشكل قطر حالياً بالنسبة للبنانيين طرفاً مقبولاً بالأغلبية العظمى منه قادرة على الدخول كعنصر عربي مفوض من قبل الغرب والخليجيين الذين تتقاطع معهم المصلحة في الملف السوري، وعلى انّ الملف اللبناني والاستحقاق الرئاسي هو الأكثر ارتباطاً وانتظاراً للحلّ السوري، فإنّ هذا يعني اتفاق الخليجيين جميعاً على المخارج اللبنانية فيه أيضاً كتحصيل حاصل.

يذكر اللبنانيون لقطر نجاحها في اطلاق العسكريين من يد تنظيم النصرة الإرهابي ويذكرون ايضاً انّ الامير تميم لبّى سريعاً دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالتدخل شخصياً لإطلاقهم حينها ووقتها لم يكن سراً ان العلاقة القطرية التركية بجبهة النصرة التي لا تصنف إرهاباً بالنسبة للحكومتين جيدة جداً بعكس تنظيم داعش الأكثر قرباً للسعوديين. واليوم تتدخل قطر مجدداً حسب معلومات صحافية على خط تحرير العسكريين اللبنانيين المخطوفين على يد تنظيم «داعش» بقدوم الوسيط القطري نفسه أحمد الخطيب إلى لبنان من أجل السعي للتفاوض مع تنظيم «داعش» في القلمون السوري الذي كان قد أسر 9 عسكريين لبنانيين.

عودة الاهتمام القطري الى لبنان أو إعادة طرح الموضوع يلعب دوراً واضحاً في محاولة إعادة إحياء «الدور» في أذهان اللبنانيين وهذا من شأنه أن يبدأ بملف العسكريين فيكون مقدمة لملفات أكبر تتقدّم فيها قطر لتدخل معها حسم الاستحقاقات اللبنانية.

تجدر الإشارة هنا الى انها ليست المحاولة الوحيدة لقطر بالتدخل واستغلال مسألة إطلاق العسكريين محلياً لغايات داخلية ففي لحظة تحرك الشباب اللبناني ضمن أطر الحراك المدني كان لافتا جداً. الدعم القطري للمؤسسات التي نقلت الحدث باهتمام واسع النطاق، والذي كان من شأنه أخذ البلاد من ضفة لأخرى ففشلت لعدم نضج الفرصة وقتها. مرة أخرى تدخلت قطر في موقف بارز لحظة إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لترشيح العماد ميشال عون وايصاله لرئاسة الجمهورية بتصريح سريع وداعم لوزير خارجيتها حينها.

نجاح قطر اليوم في مهمتها مع العسكريين «إذا» تبيّنت جديتها فتعني أنها اختارت توقيتاً على وقع دخول اللبنانيين غرفة الحوار الوطني لبحث الملف الرئاسي وقانون الانتخاب بأرضية محلية جاهزة للحلّ، فهل تدعم مجدّداً العماد ميشال عون الذي دعمت ترشيحه أولاً بأول؟ ام انها تحتفظ مجدّداً بفرصة اقتناص لحظة رئيس توافقي جديد على غرار ميشال سليمان. وهذا يعني انتظار «خضة أمنية» في لبنان يجتمع اللبنانيون إثرها في دوحة ثانية؟

الأكيد أنّ دوراً قطرياً ما في لبنان يلوح في الأفق..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى