الجيش وتغيّر المعادلة في عرسال
محمد حمية
في ظلّ التعثر السياسي والتخبّط الحكومي وتعطيل المؤسسات، تبقى الآمال معلقة على مؤسسة الجيش الذي يخوض مواجهة مع التنظيمات الإرهابية في الجرود، رغم إمكاناته المتواضعة والضغوط السياسية الداخلية وغياب القرار الحكومي الذي يؤمن له الغطاء السياسي لحسم الوضع وإنهاء ظاهرة الإرهاب على الحدود مع سورية.
وفي إطار العمليات النوعية الهجومية التي ينفذها الجيش ضدّ الارهاب، تمكّن أمس من توقيف قياديين من تنظيم «داعش» بعملية أمنية في عرسال.
وفي التفاصيل فقد هاجمت دورية من مخابرات الجيش مركزاً للتنظيم في وادي عطا – محيط عرسال، واعتقلت عدداً من الإرهابيين الخطيرين جداً، وجرى نقلهم الى إحدى الثكنات العسكرية.
وقد تمكنت القوة من توقيف 4 إرهابيين بينهم المطلوبان الخطيران طارق فليطي وسامح البريدي واثنان من التابعية السورية. وقد توفي الموقوف البريدي متأثراً بجروحه.
وأشار مصدر أمني لـ «البناء» «أنّ الموقوفين الفليطي والبريدي متورّطان بتفخيخ سيارات وإدخالها إلى لبنان وإلى الضاحية الجنوبية تحديداً، وفي قتل الرائد في الجيش بيار بشعلاني والرقيب إبراهيم زهرمان ومواطنين آخرين في البلدة، وقتال الجيش بحوادث عرسال».
ووفق المصدر الأمني نفسه، فـ «إنّ البريدي مسؤول عن اقتحام فصيلة قوى الأمن الداخلي في عرسال واختطاف وحجز عناصرها وتسليمهم لداعش وإطلاق الصواريخ على قرى علي النهري واللبوة وتفخيخ السيارات وإرسالها الى الضاحية الجنوبية، أما الفليطي فهو المسؤول المباشر عن إعطاء الأومر بإعدام الجندي في الجيش علي البزال وقتيبة الحجيري وهو المسؤول المباشر عن التصفيات».
هذا وتمّ نقل الفليطي وبريدي الى بيروت بمواكبة أمنية مشددة اتخذتها الوحدات الخاصة في الجيش اللبناني.
وسادت حال من البلبلة والتخبط في صفوف «داعش» في عرسال ومحيطها عقب العملية النوعية وتوقيف القياديين في التنظيم. واستهدف الجيش مواقع وتحركات المسلحين في وادي الخيل في جرود عرسال مستخدماً القذائف الصاروخية ومدفعية الميدان الثقيلة وسط إطلاق قنابل مضيئة فوق مواقع وتحركات المسلحين.
وقالت مصادر عسكرية لـ «البناء» إنّ «عملية اليوم تدخل في إطار المتابعة العملانية للجيش ضدّ الإرهابيين، فالجيش عندما يحصل على معلومة أو هدف يقوم بضربه ضمن قدراته المتاحة. وهذا ما يؤكد أمرين: الأول جهوزية الجيش على جمع المعلومات والاستعلام، والثاني قوة الجيش على استثمار المعلومة في الزمان والمكان المناسبين».
وأوضحت المصادر أنّ «المسلحين في الجرود باتوا في وضع الانتظار وفقدوا زمام المبادرة وبالتالي ليسوا في موقع تنفيذ العمليات القتالية الهجومية بعد أن تلقوا ضربات مؤلمة في الشهرين الماضيين وعقب التدابير المشددة التي اتخذها الجيش في القاع وعرسال بعد هجمات القاع». وطمأنت المصادر إلى أن «الوضع الأمني مضبوط ولا خطر على لبنان من التنظيمات الإرهابية».
واستغربت مصادر في 8 آذار التأخير المتعمّد لدعم الجيش بالسلاح والعتاد الذي يحتاجه ويمكنه من مواجهة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، مشددة على أن «هذا يتحقق من خلال قرار جدي تتخذه الحكومة والمؤسسات المعنية بتسليح الجيش بالسلاح الثقيل والنوعي والمتطور من مصادر وجهات متعددة وليس حصر الأمر بدولة أو دولتين وربط ذلك بشروط سياسية وأيّ عمل خارج هذا الإطار يعدّ تقصيراً متعمداً ومؤامرة تستهدف الجيش».
واتهمت المصادر تيار المستقبل بـ «الوقوف سداً منيعاً أمام تسليح الجيش بضغوط من السعودية التي ترفض تسليح الجيش قبل أن يغير عقيدته القتالية تجاه حزب الله».
على الرغم من التعقيدات الداخلية والظروف الأمنية على الحدود وتورط أطراف سياسية في الداخل مع التنظيمات الارهابية إلا أن الجيش وفي عيده وبعد ثلاث سنوات على غزوة عرسال وأسر عدد من جنوده، استطاع تغيير المعادلة في عرسال لصالحه وتوقيف عدد كبير من الرؤوس الإرهابية المدبرة للهجمات على الجيش وفرض وقائع عسكرية وأمنية جديدة وانتزاع زمام المبادرة من أيدي الإرهابيين الذين باتوا في موقع الدفاع وليس الهجوم، وما فشل هجمات القاع الأخيرة إلا دليل على الضعف والإرباك والمأزق الذي تعاني منه تلك المجموعات. لكن هل تستطيع الحكومة توفير البيئة السياسية اللازمة للجيش لاستكمال مهامه الملقاة على عاتقه، وهل يسمح له بالدخول إلى عرسال ومخيماتها التي لا تزال مخطوفة من بعض النافذين وإعادتها الى حضن الدولة؟ وهل يُزال الفيتو أمام انخراطه في عملية مشتركة مع الجيش السوري لتنظيف الجرود بين البلدين من الإرهابيين؟