القضية هي الإنسان
ريم شطيح
ما زالت المشكلة أنّ كل متناوليّ الديمقراطية في البلدان العربية يطرحونها بشكلها السياسي فقط وبما يرتبط هذا الشكل مع كينونة نظام الحكم والسلطة الدينية وليس بشكلها الفلسفي الإنساني المُرتبِط بوجود الإنسان وقيمته.
فلم يبقَ من الأحزاب في تلك الأرض مَن يَحمل رسالة إنسانية حقيقية حتى المُتكلِّمين باسم العلمانية والليبرالية اليوم تَفوحُ منهم رائحة الطائفية وقد سُيِّسَت أهدافهم وأقوالهم باتّجاه المصلحة الخاصة وخدمة أشخاص وأجندات داخلية وخارجية وليس مصلحة الوطن!
يَلزمنا الكثير من الوقت والطاقة الفِكرية والبشرية لإزالة وغسل تلك العقول التي لا تَرى في الوطن إلاّ حزباً سياسياً أو مشروعاً دينياً أو مُلكاً عائلياً خاصاً! ولا أعرف كم سيلزمنا بعد من الوقت والمعارك والدماء كي تفهم شعوب هذه الأمة أنّ الأحقاد لن تصنع وطناً، وأنّ عليها اللحاق بركب الأمم والمجتمعات المتطوِّرة، وبأنّ السياسة والقانون وُجِدا لبِناء المجتمعات والدين لخدمة الإنسان وليس العكس.
أتساءل، وبعد متابعة طويلة وقراءات عديدة وتحليلات وغيرها تُرى ما هي القضية؟ وأخشى أن تكون القضية أنه لا يوجد قضية!
أَمّا قضية مَن يعملون من أجل التنوير من كُتّاب ومُثقَّفين حقيقيين ومن أحزاب حقيقية، فقضيّتهم هي الإنسان. ولا بُدَّ لمجتمعاتنا إنْ أرادتْ التقدم والتغيير أن تضع الإنسان القضية الأهم لأن هذا هو معيار التقدُّم.
تطوير الخطاب الديني أولاً
– يقول لي: أنتم الكُتّاب والمثقفون لماذا تطالبون رجال الدين بالتطوير وتعديل الخطاب الديني بينما الكثير من المثقفين العرب أيضاً بحاجة إلى تطوير، وهو دوركم دور النُّخبة بتثقيف الشارع فالشعب أجدَر بالتوعية.
قلتُ له: التطوير مطلوب من كلّ الفئات بدءاً من المناهج الدراسية وصولاً لممارسة العمل الأدبي والثقافي. ولكن لننظر إلى الموضوع من ناحية التأثير الشعبي فرجال الدين لديهم تأثير على الشعب والشارع يفوق مفعوله – خاصةً السريع – تأثير المثقفين، والسبب عدم التهييء لهذا التأثير من الأسرة إلى مناهج الدراسة… حتى تلك الحالة، وهيمنة الدين على كافة مناحي الحياة والعقول. خطاب رجل الدين يؤثّر على الكثير من أصحاب التفكير السطحي أو المغلق والذين لا يقرأون أصلاً للمثقفين في الوقت الذي تُكَمّ أفواه الكثير من المثقفين والكُتَّاب والمُبدِعين الحقيقيين من قِبَل السلطات السياسية منها والدينية ويتمّ تغييبهم عن دورهم الحقيقي في توعية الشعب ورفع المستوى الثقافي للمجتمع، وكانت السجون العربية تعجّ بالمعتقَلين المثقّفين، حتى أصبح هناك مثقفون للسُّطلة بين الإغواء والإلغاء، ومثقفون يكرزون بالطائفية أكثر من رجال الدين أنفسهم، وهؤلاء ببساطة ليسوا بمثقفين حقيقيين. العملية مُتداخِلة من عدة عوامل ونواح ومن الضروري البدء من إحدى النواحي للتعديل والتطوير بهدف أن يشمل هذا التعديل جميع النواحي.