مختصر مفيد
مختصر مفيد
موسكو تحسم نهاية مهل كيري: انتهى عهد باراك أوباما لحساب كلينتون
جرت العادة بإطلاق تسمية «البطّة العرجاء» على الرئيس الأميركي في الفترة الفاصلة بين انتخاب الرئيس الجديد ونهاية ولاية الرئيس القائم، والقصد دخول الرئيس القائم مرحلة لا يمكنه فيها اتخاذ قرارات كبرى، وحسر سلطاته إلى الحدود الدنيا لتصريف الأعمال، منعاً للقيام بما يرتّب على الرئيس المنتخب الذي بات منذ لحظة انتخابه المعبّر الأدقّ عن إرادة الشعب الأميركي. وهذا التقليد المشفوع بالتزام الرئيس القائم في ما تبقى من ولايته بعد انتخاب رئيس جديد، في حلّ ووقع أحداث كبرى، بالتشاور مع الرئيس المنتخب قبل اتخاذ القرار في كيفية التعامل معها، خصوصاً عندما تتصل بحالة حرب، يجعل الرئيس المنتخب شريكاً فعلياً في الحكم في فترة انتقالية يتولى خلالها التعرّف من الرئيس القائم وإدارته إلى الملفّات الكبرى التي تتنظره عندما ينتقل إلى البيت الأبيض في بدء ولايته الجديدة.
يبدو الوضع في واشنطن هذه المرّة مغايراً، فخلال ثلاثة شهور مضت، حدثت جملة متغيّرات لترسم وضع مختلف وغير مسبوق. فقد انقلبت المنافسة بين المرشّحَين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي هيلاري كلينتون، من حال منافسة ضارية إلى شبه حسم كلّي لصالح كلينتون. وبالتالي ستكون من المرّات النادرة التي يتولى الرئاسة فيها مرشّح من الحزب ذاته الذي ينتمي إليه الرئيس القائم. وفي الحالة المعاكسة، يقاتل الرئيس القائم على حدّ السيف دفاعاً عن صلاحياته الدستورية كرئيس قائم يتعامل مع رئيس منتخب، وهذا لن يحدث في حال انتقال الرئاسة داخل الحزب نفسه من رئيس قائم إلى رئيس منتخب. وستُحدَّد العلاقة السابقة للانتخاب بين الرئيس ومرشّح حزبه. من جهة، على ضوء مدى حاجة المرشح لقيام الرئيس بخطوات ومبادرات تعزّز فرص فوز مرشح الحزب، وتفقد الكثير من أهميتها بعد الانتخابات، لا بل ربما تحتمل أن يضحّي الرئيس من رصيده لحساب حزبه، بتحمّل انتقادات وحملات بهدف هذه الخطوات التي تمنح مرشّح الحزب فرصاً أفضل. ومن جهة مقابلة، على حجم التلاقي والافتراق في السلوك المعتمد تجاه القضايا الحسّاسة بين الرئيس والمرشّح المنتميين للحزب نفسه. وفي حالة المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون والرئيس الديمقراطي باراك أوباما، يفعل العاملان لصالح بدء تصرّف كلينتون كرئيس مقبل منذ الآن، وتحوّل أوباما إلى بطة عرجاء منذ الآن.
تفقد واشنطن قدرة التحرّك تجاه الأزمة السورية والحرب فيها والتسويات المقترحات لها، لأن كلينتون التي تموضعت منذ زمن بعيد عند الخطوط السعودية «الإسرائيلية» في سورية ودعت للحرب عليها قبل تنحيتها من وزارة الخارجية، كما شريكها السابق والحالي ديفيد بتريوس الذي شاركها الدعوة لخيار الحرب قبيل تنحيته أيضاً مع شريكهما الثالث وزير الدفاع السابق ليون بانيتا، ويلتقيان على الدعوة للتعاون مع «جبهة النصرة»، التي لم تقم بمسرحية التغيير عبثاً، بل بصفتها التي ينتظرها ثنائيّ كلينتون ـ بتريوس كحليف محتمل، في الحرب على «داعش» يغني عن التنسيق مع روسيا وسورية وإيران، ويضمن أمن «إسرائيل» من جهة، والقدرة السعودية على التأثير في الشأن السوري من جهة مقابلة. ولذلك تجد موسكو بعد مُهَلٍ متكرّرة منحتها لواشنطن وإدارة أوباما ـ كيري، أنها تضيّع الوقت، وأن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر يبدو موضع شكّ في المسؤولية عن وصول صواريخ أميركية إلى أيدي «جبهة النصرة» ترتب عليها إسقاط الطوافة الروسية وقتل طاقهما، فلا يبدو أمام موسكو سوى العودة للتموضع وراء منهج بدأته وأنتج الكثير في مرحلة عاصفة السوخوي وحيث يتمتع الحلفاء السوري والإيراني ومعهم حزب الله بمقدرات تتيح تغيير الخارطة العسكرية في سورية، خصوصاً مع التموضع التركي الجديد، السابق للانقلاب والمتشكّك بعده في دور لكلينتون وكيلة أعمال فتح الله غولن، وبتريوس منسّق قيادة المنطقة الوسطى في الجيوش الأميركية، التي تتولى قاعدة إنجرليك، وكارتر وزير الدفاع المسؤول عن الدور السياسي للجيش الأميركي.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.