صباحات

صباحات

عندما تحبس الأنفاس ويلعلع الرصاص، وتشتعل النيران ويعلو في السماء الدخان، وتكثر الألاعيب ويختلط الحبّ بالحرب، ويبكي الحبيب حبيباً ويصير الشعر بلا روح، وتتفتح فوق التاريخ جروح، وتظهر الأفاعي من جحورها وتعلن مواعيد ظهورها، لا تؤذن بقدوم مهيب ولا بحدث عجيب، بل أن حلب تستعدّ لتغيير مسار التاريخ، وأن الكلام للصواريخ.

لم يذهب محمود عباس إلى مريم رجوي أملاً بقتال رجالها من أجل فلسطين، وهو يعلم أن قرارهم في واشنطن أو في الرياض. ولا ذهب استباقاً لنصرهم الآتي في عاصمة حاسمة كطهران، وقد صاروا بعضاً من مومياءات محنّطة تصلح كوسائل إيضاح لمراحل غابرة لا كعلامات للمستقبل. فقد ذهب فقط لأنه مثلهم عبد مأمور لعبد مأمور… تخجل فلسطين بأمثالك.

عندما تكون المرأة قد باعت كبرياءها بحثاً عن منصب ومال، لا تسامحاً وحبّاً، وشاركت في سفك دماء الأطفال بتوقيع من حبر سال دماء، لا تنسى وتتلوّن كحرباء وتتلوّى كأفعى وتستطيب الحديث عن الحضارة من قعر الحقارة، وتصير سيدة مستقبل الدولة العظمى، لأن في وجهها منافساً يأتي من مستشفيات الأمراض العقلية، تكون هيلاري كلينتون عنواناً لأبشع السنوات المقبلة… حيث ثمة مكان للموت والكذب والصفقات ورائحة الفساد والدماء ولا مكان للأخلاق… فيرحل الصباح خجلاً من الليل.

ترتسم المعارك الفاصلة في الانتقال من حقبة إلى حقبة عندما ينقسم التاريخ على خندقين متقابلين، يحتشد فيه كلّ تخلّف الماضي مقابل وعود المستقبل وآمال الحاضر. وتختزل في طلقات الرصاص والمدافع نداءات عمقها العواصم المنتشرة في أصقاع الجغرافيا البعيدة، وقد صارت في مدى يطاله السيف بين المتحاربين. ويولد من رحمها عالم مختلف كلّياً عن الذي كان… تلك هي معارك حلب.

عندما يبوح الياسمين شعراً، تكون كلماته الطيب والإحساس، وتصير الأزقّة القديمة نهراً ماؤه الياسمين والناس، تكون دمشق قد لبست ثوب عرسها وتزيّنت بالماس. وماسها شارة نصر على قاسيون وصوت فيروز وشعر نزار وفنجان قهوة ونداء رجال الله يا قدس إنا قادمون.

لا تسأليني عن تعبي وعن سقمي، ولا تسيئي فهم ابتسامتي تخفي ألمي. فامتناع الدمع والتأفّف ترفّعاً لا يعنيان أنّ الجرح لا ينزف من دمي، لكنني واثق من غدي كما ترسم أمّ الشهيد بزغرودة شارة النصر، ويولد الأمل في العدم ويأتي النهار من عتم.

تعود أسراب السنونو من سماء حلب وتهاجر إليها. وفي حلب تتفتح الزنابق وينبت الجوري بألوان تتناقل بذارها الريح. ومن حلب نشأت الدولة وتقاليد الإدارة والحضارة. وفي حلب كتب المتنبي أجمل أشعاره وغنّى القصيد أبو فراس على أنغام قيثارة. فهل يمكن أن يكتب تاريخ حلب المحسيني يركب حماره؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى