«إسرائيل» تحصد الأمان… الأسد ينتصر لكن ماذا عن دفعِ الأثمان؟!
د. محمد بكر
تقلق «إسرائيل» مما يحصل وتتصاعد وتيرته في حلب، يتطاول القلق ليصل حدّ الخوفِ من تقلصِ الحضور الأميركي في المنطقة لصالح الروس، محلل الشؤون العربية في القناة «الإسرائيلية» الثانية ايهود يعاري يرى في السيطرةِ على حلب انتصاراً للأسد في المعركةِ على امتدادِ سورية كلها، كذلك محللُ الشؤونِ العسكرية في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل يجد أنّ الانتهاء الظاهر من تطويق حلب لا يشير فقط للإنجاز الذي يحققه الأسد ميدانياً، بل إلى إسدال الستارة على طموحاتِ أميركا في الشرق الأوسط، قلقٌ يصطبغ كلياً في ذاتِ الوقت بلهجةِ الواثق المفاخر المباهي، يكتب زلمان شوفال السفير الإسرائيلي الأسبق لدى واشنطن، مقالاً ينقل فيه ما جاء على لسان مسؤول رفيع في مؤسسةِ السياسة الخارجية في واشنطن قوله: الشرق الأوسط يغرق في الفوضى والسياسة الأميركية تتهاوى، المكان الوحيد المستقرّ هو «إسرائيل»، يضيف السفير زلمان رداً على مزاعم البعض في أوروبا بأنّ «إسرائيل» باتت معزولة «انظروا إلى اتفاق إعادة العلاقة مع تركيا، والرحلة الهامة جداً لنتنياهو إلى أفريقيا، والتقارب مع مصر، والقواسم المشتركة مع بعض الدول العربية، والأهمّ تعزيز العلاقات مع الروس، إذ تدرك «إسرائيل» دور روسيا الجيد التي تعمل من خلاله موسكو على إنهاء أو تقليص التهديدات المحتملة على الحدود الشمالية، يضيف زلمان: «لم يعد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي الموضوع الأساسي الذي يهمّ واضعي السياسة في العالم العربي السني».
كلّ ما أسلفناه بات اليوم في ملعب محور المقاومة لجهة ماهية الأداء السياسي، وطبيعة ما ستكون عليه المواقف بعد أن يرخي الكباش الدولي في المنطقة بأحماله ويضع أوزاره، ويبقى السؤال أين سيُصرف الانتصار الروسي في اللعبة الدولية؟ وهل سيكون هناك ثمنٌ يدفعه حلفاء موسكو متبنّو ومهندسو الممانعة لجهة تعزيز رؤية زلمان شوفال في حرف البوصلة عن الصراع الأساسي.
قالها السيد حسن نصرالله، وكذلك قالت إيران لجهة أنّ التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني بالمجان، وأنّ السعودية تطعن الأمة الإسلامية في الظهر من خلال علاقتها بالكيان الصهيوني، وأنّ قضية فلسطين صارت مجرد رفع عتب، ومن هنا نقف لنسأل وبرغم كلّ إيماننا بأنّ المعركة مع المشروع التكفيري هي معركة محورية واستراتيجية، هل نملك اليوم قرارنا القومي الذي نمتلك فيه القدرة لأن نقف ضدّ أيّ مفرزات قد تفرزها أو تفرضها علينا التسوية الدولية لجهة تقليص وتقويض، وربما إنهاء الروح الوطنية في سلوكنا ومنهجنا وشعارنا بمركزية القضية الفلسطينية؟ وتالياً هل نملك القدرة لإعادة فلسطين إلى الواجهة الأساسية للصراع ونسف كلّ ما باتت تتغنّى وتباهي به «إسرائيل» وما تصوّره وسائل إعلامها، لجهة أنّ الشتاء العربي هو «ربيع إسرائيل» ولا سيما بعد جبال من الدمار والخراب تراكمت وصنعت على العين الإسرائيلية؟ حتى في صورة التطورات الأمنية الحاصلة اليوم في أوروبا فهي الأخرى مصنوعة أيضاً على العين «الإسرائيلية»، وتعمل على هندستها اليد «الإسرائيلية» نفسها، وما تحذير السفير زلمان لأوروبا لجهة أن تلتفت إلى مشاكلها وأن لا تتدخل بمبادرات المبادرة الفرنسية لصياغة حلول للصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني، إلا دليل على عمق الإشراف الصهيوني المباشر على جملة الحاصل اليوم في المنطقة والعالم.
نعم السيطرة على حلب يعني خلوّ «الدُّرج» الأميركي من المخططات تماماً كتوصيف محلل الشؤون العربية في «هآرتس»، لكن ماذا عن «الدُرج» الروسي وكيف سترخي الاستعادة الروسية للحضور الدولي بظلالها على ما بات في نظر «الإسرائيليين» صراعاً هامشياً، ولا سيما أنّ جلّ الانتصار الروسي في سورية اليوم إنما يركز في اعتقادنا على جزئية التصدّي للهيمنة الأميركية، تماماً كما جاء في عنوان لمقال كتبه البروفيسور المعروف ايال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم» بوتين يتلقى الضربات في سورية ليضرب أوباما .
بالتأكيد يحق للكيان الصهيوني أن يفاخر بما زرع وبما حصد، وأن يفرش الابتسامات العريضة على محيّاه، وأن يتغنى بالاستقرار والأمان، أمام ما يأكل ديارنا من دماء ونيران، وما تسوقه لوثات النفط والإمارات والممالك والمشيخات من مشاهد وسياسات، لا نعرف في حضرتها ومآلاتها هل ما زالت الأرض «بتتكلم عربي» أم لا؟ أم أنّ الجواب بات مدفوناً مع المبدع الراحل سيد مكاوي.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com