خريطة الصوت اليهودي في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة

رغم انشغال العامة بتطورات السباق الانتخابي في أميركا، ألا انّ قضايا أخرى «منتقاة» تزاحم المشهد الإعلامي، آخرها كان «بروز» قضية تسلّم إيران لمبلغ 400 مليون دولار نقداً «بالتزامن مع إطلاق سراح سجناء أميركيين محتجزين في طهران»، مطلع العام الحالي، مما أعاد الى الواجهة تنشيط الجدل المعارض للاتفاق النووي الذي تمّ التوصل اليه.

سيستعرض قسم التحليل توزيع الخريطة الانتخابية الأميركية في ما يخصّ الصوت اليهودي، ودوره الفاعل الذي يتعدّى حجمه الحقيقي في تقرير مصير الانتخابات. كما ستجري مراجعة جهود الحزب الجمهوري لتعديل نسبة حضور اليهود بين صفوفه وإطلاق تصريحات مؤيدة لـ«إسرائيل» للتنافس مع توجهات الحزب الديمقراطي. اللافت في هذه الدورة الانتخابية انّ مسألة مستقبل العلاقة «الأميركية الإسرائيلية» لا تحظى بالأولوية التقليدية السابقة بين الجمهور العام.

جدل مقايضة أميركا لإيران

سارعت المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية بالانضمام إلى حملة اتهام إدارة الرئيس أوباما بالرضوخ لشروط إيران ودفعه «فدية» مالية لها بلغت 400 مليون دولار لقاء إطلاق سراح عدد محدود من الأميركيين المحتجزين في طهران.

وأوضح مركز السياسة الأمنية انّ السجل التفاوضي لإيران لا يبعث على الارتياح «وتصديق رواية انه لا يوجد علاقة بين الاتفاق النووي وإطلاق سراح السجناء الأميركيين هو ضرب من المستحيل». ورجح المركز فرضية «حاجة إدارة الرئيس أوباما الماسّة لحمل إيران إطلاق سراح الأميركيين كجزء مكون من الاتفاق النووي، بيد انه تلقى رفض إيران لحين رفع العقوبات المفروضة عليها». وزعم انها ليست المرة الأولى التي «تقدم إدارة الرئيس أوباما على دفع فدية لإيران، بل سبقها دفع مبلغ 500.000 لكل فرد محتجز في طهران من طاقم المتجوّلين على الأقدام عام 2011 عبر وساطة حكومة عُمان».

تمدّد «إسرائيل»

لفت المجلس الأميركي للسياسة الخارجية الأنظار الى تنامي الحضور «الإسرائيلي» عبر العالم مرجحاً أولوية قضايا أخرى لدى «الدول على امتداد الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تفوق أهميتها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووضع مدينة القدس». واضاف أنّ لتل أبيب «علاقة وثيقة مع مصر… نظراً لتشاطرهما القلق من النشاطات الإرهابية في صحراء شبه جزيرة سيناء». واضاف انّ علاقات تل أبيب تشهد انتعاشاً إقليمياً أيضاً جسّدته «زيارة ضابط استخبارات سعودي متقاعد لإسرائيل على رأس وفد من الأكاديميين ورجال الأعمال، مما يشير الى تنامي حاجة الرياض لتوثيق علاقاتها مع تل ابيب في ظلّ مواجهة كليهما تنامي النفوذ الإيراني». واردف انه على الرغم من الأهمية المرافقة لتلك العلاقات «الا انّ ما هو أكثر إثارة للاعجاب نجاحات إسرائيل في افريقيا».

سورية

دقّ معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ناقوس الخطر للنجاحات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري «وسيطرته على دمشق» التي تعزّز وضع الرئيس الأسد، إذ انّ «من يسيطر على دمشق يسيطر على سورية… ووسع الجيش السوري سيطرته من جرمانا الى جهتي طريق مطار دمشق الدولي كما انّ التقدّم في مدينة حلب وضع «المعارضة السورية في موقف صعب». واضاف انّ قوى المعارضة المسلحة «فقدت الأمل في ان ينقذهم ايّ تدخل خارجي لأنّ غرفة مركز العمليات العسكرية في عمّان… لم تعد تعطي أولوية لدعم هجوم منسق ضدّ النظام السوري بل ضدّ تنظيم داعش». واستدرك المعهد بالقول انّ «العاصمة السورية تعتبر هادئة نسبياً، اذ تعمل الخدمات العامة بشكل طبيعي، والمطار الدولي يعمل من جديد، كما انّ الطرق الرئيسة المؤدية إلى حمص ودرعا وبيروت آمنة». وشدّد المعهد على انّ الشعور الاستقلالي للرئيس السوري أفضى الى «عدم حاجته لمساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدفاع عن مجال دمشق الجوي، مما يقلل احتمال رضوخه للضغوط الروسية، ناهيك عن الضغوط الدولية الأخرى».

مصر

حاضر العلاقات المصرية الأميركية كان محور اهتمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في ظلّ «التغيّرات على امتداد السنوات الخمس الماضية والتي هزّت العلاقة الثنائية من أساسها». وأوضح انّ «الموقف الأميركي الرسمي ناحية كلّ من حكومتي محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي لم يؤدّ لكسب بضعة أصدقاء». وأضاف انّ تفاقم العلاقات «كان حاضراً لدى الطرفين، فالعديد على الجانب الأميركي يعتقدون انّ المصريين أضاعوا فرصاً ثمينة اولاً لتحقيق انفتاح ديمقراطي حقيقي، وتسخيره لرسم معالم توجه فعّال لمعالجة بعضاً من الصعوبات المصرية المستدامة، بما فيها مسألتي تفشي الفقر وانتشار التطرف».

ليبيا

رحب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى استئناف واشنطن للغارات الجوية في ليبيا لما يشكله من «انتصار لحكومة الاتفاق الوطني… والتي جاءت ثمرة لطلبها، وبما يتسق مع النهج الأميركي الشامل لمواجهة الجماعة الجهادية»، واعتبر القرار الأميركي «خطوة إضافية من واشنطن تتخطى آفاق الدور الذي كانت تعترف به سابقاً.» خاصة لناحية «تزامن الغارات مع حادث تحطم طائرة هيليوكبتر في بنغازي ومقتل ثلاثة من عناصر القوات الخاصة الفرنسية في تموز/ يوليو». واوضح انه بصرف النظر عن معارضة «حكومة الاتفاق الوطني» للوجود الفرنسي في بنغازي فإنه دليل على تقديم «الفرنسيين مساعدة غير علنية في المعركة التي يشنّها خليفة حفتر ضدّ القوى الإسلامية». واضاف انّ حكومة طرابلس، برئاسة فايز السراج، اتخذت خطوات ملحوظة للأمام… لإرساء مصداقيتها ولا يزال أمامها شوطاً طويلاً، وسوف تشهد كلّ يوم صراعات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة». وخلص بالقول انّ حادث القوات الخاصة الفرنسية سوف تثبت طمأنة شرائح من المجتمع الليبي حول الضربات الجوية الأميركية بأنها تشكل تحدياً سياسياً… اذ انّ إضعاف تنظيم داعش سيؤدّي الى تعزيز حكومة الوفاق الوطني، ويسهم اأيضاً في تقوية مكانة الولايات المتحدة في ليبيا».

المغرب

استعرض معهد أبحاث السياسة الخارجية إمكانية عودة الرباط إلى كنف الاتحاد الأفريقي «وتداعياته على السياسة الخارجية الأميركية» في المنطقة، في ظلّ خلافات مستعصية بين الرباط والجزائر حول وضع الصحراء الغربية. واضاف انّ «كلاً من الجزائر والمغرب يقدّم فوائد استراتيجية هامة للولايات المتحدة على صعد متعدّدة، ولذا عليها الاستمرار في سياسة الانخراط المزدوج» معهما. واوضح انّ «الجزائر بلد قوي واثبت حضوره كشريك في مكافحة الإرهاب بينما لم يقطف المغرب ثمار جهوده «الناعمة» في مكافحة الإرهاب التي أعلن عنها بشكل واسع». واضاف انّ الرباط أعربت عن «استعدادها وانفتاحها للتعاون وتشجيع الانخراط مع الولايات المتحدة في مجالات تتعدّى الشراكة العسكرية… بينما في الشق المقابل تبدو الجزائر أسيرة أجواء الحرب الباردة وقناعتها بأنّ الآخر بحاجة اليها أكثر من حاجتها اليه». واعتبر المعهد انّ الموقف الأميركي الرسمي من قضية الصحراء الغربية «يتخذ مقعداً خلفياً، يدعم ضمناً مطالب المغرب، وفي نفس الوقت إصدار إيماءة رأس ناحية الجزائر بالاعتراض على مسألتي تقرير المصير وحقوق الانسان». وشدّد المعهد على ضرورة استمرار انخراط واشنطن في تطورات المنطقة وإشراك الجزائر والمغرب سوياً مع دول الاتحاد الأفريقي والساحل أيضاً.

تركيا

أعرب صندوق مارشال الألماني عن اعتقاده بأنّ إحدى نتائج محاولة الانقلاب الأخيرة كانت «تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية والتضامن بين صفوف النخبة السياسية التركية والمجتمع التركي». كما اعتبر أنّ الدول الغربية «فشلت في تفهّم موجات الغضب التركية حيال محاولة الانقلاب، وما نجم عنها من تعزيز الشعور الوطني… مما يهدّد ليس الحكومة التركية فحسب، بل المجتمع التركي بأكمله، ومن ضمنه النخب الموالية للغرب». وحذر من تمادي الحكومة التركية في إجراءاتها القمعية وملاحقتها للطرف الآخر «والتي لن تحقق الاستقرار الداخلي طويل الأجل او مكانة البلد في المجتمع الدولي».

أعرب معهد هدسون عن اعتقاده وخشيته في آن من «ميل بوصلة تركيا نحو روسيا» وما يترتب عليها من ردود فعل أميركية. وشدّد على انه لا ينبغي تفسير الموقف الرسمي الأميركي بأنه «منزوع الخيارات… ويتعيّن على الولايات المتحدة توسيع نطاق دوائر اهتماماتها أبعد من تنظيم داعش لتشمل مصالح تركيا الاستراتيجية في سورية. كما يتعيّن عليها تعديل لهجة انتقاداتها لأردوغان، الذي أضحى شعوره بجنون العظمة مبرّراً عقب محاولة الانقلاب». وحث المعهد الرئيس أوباما وإدارته على الاتّعاظ من تجربة الرئيس السابق جورج بوش الابن حيال باكستان، عام 2007، التي «عملت بعيداً عن الاضواء لتوفير حوافز وكوابح من شأنها التأثير على قرار الرئيس الباكستاني برويز مشرف ونزع فتيل الأزمة». واوضح بما لا يدع مجالاً للشك انه يتعيّن على السياسة الأميركية «الوقوف الى جانب الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً، وفي نفس الوقت حثّ الرئيس ادروغان من خلف الستار على ضبط النفس في مواجهة خصومة الداخليين». بل الأهمّ من ذلك كله، يقول المعهد، على الولايات المتحدة «تقديم ضمانات لتركيا حول مستقبل النظام السياسي المقبل في سورية وفي نفس الوقت توثيق تعاونها مع تركيا في مواجهة حزب العمال الكردي».

التركيبة السكانية مؤشر هامّ

حظي السباق الرئاسي لهذا العام بسلسلة اهتمامات، بعضها من خارج السياق المعتاد، تستدعي متابعتها بدقة التوقف أمام «التنبّؤات» بتصويت القسم الأعظم من شرائح معينة، سواء لمرشح معيّن أم للانخراط في عملية التصويت برمّتها. في هذا الصدد سنسعى لتسليط الضوء على اليهود الأميركيين، بمختلف توجهاتهم السياسية، وبتركيز أدقّ حول مدى تجاوبهم، سلباً أم ايجاباً، مع الحملات المكثفة من قبل الحزب الجمهوري لاستقطابهم.

درجت العادة على تمحور معظم أصوات اليهود في أميركا قياساً مع مدى تطابق مواقف المرشحين من مسألة «الدعم المطلق وغير المشروط لإسرائيل»، وميل الأغلبية الكبرى منهم لدعم الحزب الديمقراطي. بيد انّ الملاحظ في هذه الدورة تراجع تلك «الأولوية» بعض الشيء، بما فيها التردّد عن تأييد أكبر للحزب الجمهوري.

رصدت أسبوعية «ذي أميركان كونسيرفاتيف»، المحافظة، بوصلة توجّه يهود أميركا منذ بداية حملة الانتخابات التمهيدية، وأوضحت في عددها الصادر يوم 5 كانون الاول/ ديسمبر 2015، انّ «انخراط اليهود في مجمل العملية الانتخابية هو في تراجع… بل انّ الموقف من إسرائيل أضحى أقلّ أهمية لمعظم اليهود الأميركيين» مقارنة مع توجهات كبار المموّلين والأثرياء اليهود وعلى رأسهم «صاحب امبراطورية الكازينو شيلدون اديلسون» وآخرين.

واضافت انّ استطلاعاتها لتوجهات اليهود في أميركا تدلّ على ميل الاغلبية لتأييد سياسة إدارة الرئيس أوباما الشرق أوسطية، «ومن ضمنها تأييد الاتفاق النووي مع إيران». معظم استطلاعات الرأي، منذئذ، تشير الى تنامي قلق اليهود في أميركا من «تهديد تنظيم داعش باستهدافه مراكز وتجمّعات لليهود في أوروبا».

للدلالة على ذلك، نشير الى نتائج استطلاع أجراه معهد بيو للأبحاث أوضح فيه انّ نحو 40 من اليهود تعتبر الموقف من «إسرائيل» يحظى بأولوية اهتماماتها.

جملة من الأسئلة الهامة تلاحق مسألة التعرّف عن قرب لتوجهات اليهود في أميركا، في الدورة الانتخابية الراهنة: الحجم الإجمالي نسبة التأييد لكلا الحزبين مدى التجاوب مع سعي الحزب الجمهوري الحثيث لاستقطاب نسبة معتبرة لجانبه وتماهي أساليبه الاستقطابية مع منافسه الحزب الديمقراطي توقعات التوجهات الانتخابية المقبلة إلخ…

أحدث الإحصائيات المعتمدة تشير الى انّ نسبة اليهود في المجتمع الأميركي لا تتعدّى 2 من مجموع السكان تبلغ نسبة المسجلين في الدوائر الانتخابية والمشاركين 90 منهم «مقابل إقدام نسبة 74 لعموم الأميركيين». التوزيع الديموغرافي لليهود يشير الى نسبة 70 منهم تقطن في ولايات معدودة «نيويورك، كاليفورنيا، فلوريدا، نيو جيرسي، الينوي وبنسلفانيا». الولايات المذكورة تلعب دوراً حيوياً في تقرير نتائج الانتخابات العامة اذ تحظى بـ 167 مندوباً من مجموع 270 في المجلس الانتخابي الكلية الانتخابية، وهي نسبة تتجاوز النصف التي يحتاجها المرشح لإعلان النتائج النهائية للفوز.

التوزّع الانتخابي لليهود يشير الى شبه ثبات النسب المؤيدة للحزبين: 61 لصالح الحزب الديمقراطي، مقابل 29 لصالح الحزب الجمهوري وفق أحدث البيانات الصادرة عن معهد غالوب لعام 2015. واستدرك المعهد بالقول انّ «أغلبية المتديّنين اليهود من الذكور… الذين يشكلون نحو 19 من المجموع العام، تميل للتصويت لصالح الحزب الجمهوري». وعليه، باستطاعتنا استبعاد عامل القربى في حسم التوجهات الانتخابية، خاصة لاعتقاد البعض انّ قرينة ترامب اعتنقت الديانة اليهودية وتزوّجت من يهودي، واستمرار دعم الأغلبية منهم للمرشحة هيلاري كلينتون.

ينبغي الإشارة الى توزيع تصويت اليهود في أميركا في الدورة الانتخابية عام 2008، التي تتوفر بياناتها، وفق معهد بيو. اذ تدلّ الإحصائيات الى تصويت نحو 87 من اليهود لصالح الحزب الديمقراطي وتراجعت النسبة في انتخابات عام 2014 النصفية اذ بلغت 66 لصالح الديمقراطيين.

أهمية تصويت اليهود

عوّل الحزب الجمهوري طويلاً على استقطاب شريحة معتبرة من اليهود الأميركيين لصالحه، واعتقد قادته انّ حملة 2016 الانتخابية تشكل فرصة سانحة لكسب المزيد الى صفوفه. وسرعان ما تبدّدت تلك الطموحات بسبب القلق المتنامي من توجهات وعدم ثبات المرشح دونالد ترامب عند موقف محدّد.

أوضحت يومية «بوليتيكو»، في عددها الصادر يوم 16 أيار/ مايو 2016، انّ «بعض اليهود يعتبرون ترامب لعنة عليهم، بمن فيهم شريحة المحافظين اليهود» عينهم. وأضافت أسبوعية «ذي أميركان كونسيرفاتيف»، السالفة الذكر، انه يتعيّن على قادة الحزب الجمهوري الإقلاع عن توقعات تشير إلى تحقيق اختراق كبير في نسبة دعم اليهود لحزبهم.

تحذير النشرة المذكورة ينطوي على إدراك مسبق رمت لترسيخه لناحية ميل أصوات اليهود في الولايات «الحاسمة» لترجيح كفة دون أخرى. الأمر الذي وجد أرضية صاغية في أوساط قادة الحزب وعدد من نخبه الفكرية والإعلامية الذين سارعوا إلى إعلان دعمهم للمرشح الخصم، هيلاري كلينتون، وتسجيل امتعاضهم من تصريحات مرشح الحزب دونالد ترامب، علّ ذلك يخدمها في الدورات الانتخابية المقبلة.

تعديل الأولويات في توجهات يهود أميركا ذهبت الى تصدّر الأوضاع الاقتصادية على ما عداها من اهتمامات تقليدية، مستقبل «إسرائيل»، حسبما أفادت اللجنة الأميركية لليهود في نتائج استطلاعاتها لتوجهات اليهود. وأضافت انّ «القلق من حالة الاقتصاد تقدّم بنسبة 5 أضعاف على إسرائيل»، في المرتبة الأولى مقابل 15 أعربوا عن اعتقادهم بأولوية «إسرائيل» لديهم.

في هذا الصدد، تجدر الإشارة الى تركيز الحملات الدعائية لشريحة الحزب الجمهوري المؤيد لـ«إسرائيل» تبتعد عن مراضاة واستقطاب العنصر اليهودي والتركيز على كسب أصوات المتديّنيين المسيحيين، الشريحة الثابتة في دعم الحزب مع استناد قادة الحزب الى نتائج دراسات حديثة حول توجهات اليهود التي أشارت الى انتظام نسبة ضئيلة لا تتعدّى 17 من اليهود، من الفئة العمرية 18 – 29، في تأييد الحزب الجمهوري.

نفوذ اليهود

من البديهي انّ ايّ محاولة لسبر أغوار اليهود في أميركا لا تستقيم او تحقق توازنا ان تخلت عن التعرض لنفوذ اليهود في صنع القرار السياسي الأميركي، ومن ورائه لعب دور مميّز في المصالح الأميركية الكونية الامبريالية. بيد انّ الأمر بحاجة الى فصل خاص وموسع نظراً إلى تشابك المسألة مع مصالح اقتصادية عالمية، مما لا يتسع لها الحيّز أدناه. لكننا نستطيع الإشارة الى جملة من العناوين التي تقرّب الصورة من المشهد الحقيقي.

من الفرضيات المسلّم بها تمايز النفوذ الحقيقي عن الحجم الفعلي والديموغرافي لليهود… للدلالة، أوضح المدير السابق للشؤون القومية في اللجنة اليهودية الأميركية، ستيفن ستاينلايت، المسألة مطلع العام 2001 بقوله «إنّ اليهود يتمتّعون بقوة سياسية لا تتناسب مع عددهم… وهي أعظم من نفوذ ايّ مجموعة عرقية او ثقافية في أميركا». تلاه إقرار عدد من الكتاب اليهود الأميركيين تباعاً، وآخرين أيضاً.

في المشهد الانتخابي الأميركي، صرّح أحد الأعضاء البارزين في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، عام 1996، انّ إسهام اليهود في حملة انتخاب الرئيس بيل كلينتون بلغت نحو 50 من مجموع أموال الحملة الانتخابية لولايته الرئاسية الثانية. والأمر لا يشذّ عن تلك القاعدة في السباق الانتخابي لهذا العام خاصة في ما يتعلق بالمرشحة هيلاري كلينتون.

الكاتب الأميركي اليهودي، الفريد ليلينثال، وضع دراسة مفصلة في الأمر قيد البحث بعنوان الرابطة الصهيونية ما هو ثمن السلام، عام 1978، للتعرّف على مساعي الحركة الصهيونية التأثير في القرار الأميركي «وتنتشر تلك الصلة اليهودية الصهيونية في مناطق المدن الكبرى… والسيطرة الإعلامية لليهود هي أكثر مكونات الصلة اليهودية فاعلية وتأثيراً».

الأميرال ورئيس هيئة الأركان المشتركة الاسبق، توماس مورَرْ، أعرب عن معارضته الواضحة للنفوذ اليهودي في القرار الأميركي، في مقابلة أجراها في 24 آب/اغسطس 1983، قائلاً: «لم أر أبداً رئيساً أميركياً… أياً كان… يقف في وجههم» اللوبي «الإسرائيلي». ومضى قائلاً: «انّ ذلك يحيّر العقل، فهم يحصلون دائماً على ما يريدون… وصلت يوماً الى درجة الامتناع عن تدوين ايّ شيء». وأخطر ما جاء في تصريحاته انه «لو علم الأميركيون مدى سيطرة هؤلاء الناس على قرارات حكومتنا لحملوا السلاح وثاروا» ضدّها.

العامل الديموغرافي لليهود

يجهد بعض الباحثين الى تصنيف توجهات اليهود في أميركا بأنها تميل الى التيار الإصلاحي والأقلية تميل إلى تيار المحافظين. ووفق تفسير المؤرّخ العربي نصير عاروري فإنّ «الأغلبية الساحقة في الجالية اليهودية في أميركا» تدعم كلا التيارين بنسب متفاوتة نكاية بتيار الأرثوذوكس الأقرب إلى توجهات المستعمرين في مصادرة الأراضي الفلسطينية، بيد انّ «الشعور بالاغتراب لا يزال أمراً مزعجاً لقادة الجالية اليهودية في أميركا». ويضيف انّ هوية «إسرائيل» بالنسبة لعدد كبير من يهود أميركا تراجعت إذ اعتبرها «بعض علماء اللاهوت بأنها تمثل نهاية التاريخ اليهودي».

في بعد التحوّلات التي طرأت على توجهات يهود أميركا، أشارت يومية «نيويورك تايمز» إلى دراسة أجريت قبل نحو أربع سنوات توضح فيها تقلص أعداد اليهود «الليبراليين والأثرياء المترفين… لصالح مجموعات الأرثوذوكس مثل المجموعة الحسيدية» التي تتخذ من أحياء بروكلين في نيويورك مقراً لها.

واضافت انّ نحو 40 من يهود مقرّ المصارف العالمية يميلون إلى تأييد الأرثوذوكس، بينما ترتفع نسبة التأييد بين جيل الأطفال اليهود الى 74 . من المعروف انّ تلك الشريحة من اليهود تخشى من الاندماج في المجتمع وتقوقع على نفسها، وبلغت نسبة تأييدها لمرشح الحزب الجمهوري، ميت رومني، 51 مقابل 43 للرئيس أوباما.

العلاقة بين تياري اليهود الأميركيين طردية: تراجع حجم التوجهات الليبرالية يقابله تنامي حجم التيارات المتشدّدة المعروفة بالأرثوذوكس. كما انّ كلا مجموعتي التيار الليبرالي، الاصلاحيين والمحافظين، وفق التصنيفات المعتمدة، خسرت نحو 40،000 عضو لكلّ منها بين أعوام 2002 – 2011.

كما تجدر الإشارة الى ابتعاد يهود أميركا عن التأييد «الأعمى لإسرائيل»، وفق دراسة الصحيفة، وتراجع حجم اليهود الزائرين لفلسطين المحتلة الى نسبة 20 . أما اليهود الأميركيين الزائرين والمقيمين في فلسطين المحتلة، وتقدّر اعدادهم بنحو 150.000، فيميلون للتصويت لصالح الحزب الجمهوري وهي الشريحة التي تشعر بالإحباط الشديد من سياسات الرئيس أوباما ويرجّح تصويتها للمرشح دونالد ترامب، الذي قوبل بموجة تصفيق عالية عند اعتلائه منصة الخطابة امام مؤتمر ايباك الأخير.

تأييد النخب اليهودية بمعظمها يتجه نحو هيلاري كلينتون، بيد انّ مجمل تأييد اليهود للحزب الديمقراطي في تراجع، نظراً لكثافة الإنجاب بين صفوف الأرثوذوكس مقابل التيارات الليبرالية التقليدية.

للدلالة، تشير البيانات الانتخابية الى تأييد نحو 87 من اليهود لمرشحي الحزب الديمقراطي في جولة الانتخابات النصفية عام 2006 اما في دورة عام 2014 للانتخابات النصفية فقد تراجعت نسبة تأييد الحزب الديمقراطي الى 66 بين اليهود. ومن المرجح اتّساع الفجوة مرة أخرى في الجولة الحالية «قد» تذهب لصالح المرشح ترامب في الولايات فائقة الأهمية.

يقطن ولاية فلوريدا «الهامة» نحو نصف مليون من الناخبين اليهود، وتحظى الولاية بـ 29 صوت من المندوبين للهيئة الانتخابية، بما يشكل ما ينوف عن 10 من أصوات المندوبين الضرورية لفوز المرشح ترامب.

الرئيس السابق لحملة نيوت غينغريتش في فلوريدا، ستيف ابرامز، أوضح انّ نسبة التعديل المطلوب لصالح المرشح الجمهوري «لا تستدعي تحوّل الأغلبية… فأصوات اليهود يمكنها تعديل بوصلتها بنسبة تتراوح بين 2-3 كي تؤثر في المحصلة النهائية لأصوات الولاية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى