لأول مرة: الأغلبية «تؤيد» الحريري رئيساً للحكومة والرياض «تعطّل»
روزانا رمّال
لا تتحرك الرياض مقابل أغلبية لبنانية «لافتة» تؤيد عودة الحريري رئيساً لمجلس الوزراء ولا تتقدّم من أجل ضمان مكانة «تيار المستقبل» فتتوجّه نحو مرشح الأغلبية المسيحية العماد ميشال عون القادر على إنجاز هذا التوازن بوصوله للرئاسة.
كلّ الفريق السعودي «الخليجي» في لبنان يؤيد انتخاب رئيس للجمهورية أولاً قبل كلّ الإصلاحات التي تتمحور حول السلة المتكاملة أو تعديل أو تصحيح بعض بنود الطائف، ومع هذا لا يتمّ انتخاب رئيس، مع علم السعودية المسبق أنها قادرة على إحداث خرق في هذا الاتجاه بمجرد تلقّف كلام بري اللافت أمس الذي يؤيد عودة الرئيس الحريري رئيساً لمجلس الوزراء وهي تدرك أيضاً قدرة بري على تدوير الزوايا في هذا الإطار وتذليل العقبات «إذا وجدت».
من جهته، يرفض حزب الله التمترس وراء مقولة «أولوية انتخاب رئيس» قبل كلّ شيء، ممتنعاً عن النزول الى مجلس النواب لانتخاب مرشحه العماد عون الذي اتفقت عليه بشكل إيجابي ومفاجئ أكبر قوتين مسيحيتين متمثلتين بالتيار الوطني الحر وحزب القوات من ضمن المصالحة المسيحية، في خطوة أرادها حزب الله منسجمة مع الواقع اللبناني الدقيق، معلناً تمسكه بعدم تخطي المكوّن السني في مجلس النواب المتمثل بتيار المستقبل، وقد جاء ذلك خلال موقف لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله في وقت سابق كانت السعودية تشنّ فيه أعنف الهجمات على حزب الله وقاعدته الشعبية برسوم مسيئة ومواقف إعلامية وسياسية استطاع الحزب تمالك قاعدته حينها لعدم الانجرار نحو أيّ استدراج.
يحرص حزب الله بشكل ملحوظ على أهمية المشاركة السنية بتمثيلها الأكثري في البلاد ويحرص أيضاً على الاعتراف بأنّ تيار المستقبل هو «ممثلها» فيدعو الى الاتفاق معه كمكوّن أساسي على الرئيس المقبل للجمهورية مراعياً الحساسيات الأكثر خطورة في المنطقة المتمثلة بالتطرف الإسلامي وأهمية عدم توسيع الهوة في لبنان وإبقائه في مكان آمن من هذه الاعتبارات… وهنا فإنّ ايّ حديث عن انّ حزب الله سيرفض أو يرفض سلفاً فكرة عودة الحريري الى رئاسة الوزراء ضمن اتفاق على مرشحه للجمهورية «غير صحيح» لأنّ هذا لا ينسجم مع مراعاة المكوّن السني في مجلس النواب وموقفه المعروف، فمن يراعي الحيثية السنية ويدرك أهمية المشاركة في رئاسة الجمهورية يدرك تماماً أهمية أن تتولى الشخصية السنية الأكثر تمثيلاً في المجلس النيابي لرئاسة الوزراء التي تمثل أساساً الحيثية السنية ورمزيتها في البلاد، وإذا كانت الأمور بعيدة عن هذه المعادلة واتجهت نحو التسويات والحلول الوسط، كما تشيع المصادر عن نيات بعض الأطراف البحث مجدّداً في رئيس توافقي وإعادة هذا الطرح الى الواجهة، فإنّ هذا يعني استحالة أن يقبل حزب الله برئيس حكومة أكثري بمجرد نسف مرشحه العماد عون والتوجه نحو «التوافقي»، وهنا تتكشف الأمور أكثر أمام المملكة العربية السعودية التي تدرك أنها اليوم امام فرصتها للتمسك بمرشح سني قوي «تمثيلاً» قادرة على استثماره كنصر إقليمي، حيث لا يمكن لرئيس حكومة محايد أو وسطي تقديمه لها.
الرسائل الواردة للرياض والأجواء الواصلة من سفيرها في بيروت «علي عواض العسيري» لجهة انفتاح الأمور نحو الرئيس سعد الحريري هي الأكبر على الإطلاق، وتكاد تكون المرة الأولى التي يحظى فيها الحريري بتأييد وصوله لرئاسة الوزراء محلياً وبدون دعم سعودي أو ضغط منها، فقبل كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس الذي يشكل مفصلاً وقوله إنه «شخصياً يؤيد عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، لأنّ ذلك يساهم في تحصين الوضع الداخلي وحماية الاستقرار ووأد الفتنة، وأنّ هذا هو همّه وهاجسه الأول والأخير» كان هناك موقف لافت للنائب وليد جنبلاط في حوار على شاشة «المؤسسة اللبنانية للارسال» في وقت سابق كشف عن أنه طلب من الملك السعودي ومن المسؤولين السعوديين منذ سنة تقريباً أن «يتمسّكوا» بالرئيس سعد الحريري في لبنان ولم يلقَ جواباً منهم او إشارة حتى الساعة، وهذا تأكيد على تمسك جنبلاط بالحريري من جهة، ودليل على عكسه تماماً من قبل الرياض التي لا تقدّم او تحرك أيّ ساكن باتجاه عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة في لبنان.
إنها المرة الأولى التي يتقدّم فيها عامل التوافق اللبناني بشكله الأغلب على رئيس الحكومة التي اعتادت ان تتوقف عند رغبة الرياض دائماً وأن « تفرضه» على اللبنانيين من دون أن تتلقى السعودية هذا الأمر إيجاباً او تتمسك فيه ما يضع علامات الاستفهام نحو سياساتها في لبنان ونحو ممثليها، واذا كانت هوية ممثلها متعلقة بالأزمة السورية، فإنّ هذا يعني بكلام واضح أنّ الرياض لا تتبنّى حيثية سنية واضحة في لبنان ولا تريد الإبقاء على تعزيز مكانة أبرز البيوتات السنية في لبنان كآل الحريري «حصراً»، كما كانت تفعل دائماً في زمن الإدارة السابقة للملك عبدالله.
الحديث عن شكل السياسة السعودية الجديدة في لبنان وماهيتها وهوية ممثليها تحضر الى الواجهة شخصيات أكثر تشدداً وتطرفاً سياسياً على علاقة «مستجدة» بها كإطار قيادي مثل الوزير أشرف ريفي كاسم مضاف على لائحة أجندة الإدارة الجديدة التي تجد فيه أو في من يعادله تماهياً مع تطرف الموقف السعودي الحالي في سورية. فهل أعلنت المملكة رسمياً أنّ الاتفاق حول اسم الحريري لم يعُد انتصاراً لسياستها في لبنان؟