بولا يعقوبيان وأزمة مفاهيم

اعتدال صادق شومان

يبدو أنّ فيروساً معدياً يضرب التردّد الهوائي لبعض المحطات التلفزيونية في لبنان، فيصيبها بارتباك ذهنيّ، فـ«تتلخبط» لديها المفاهيم والقيم وتهتزّ الصورة.

بعد الضجة الكبيرة التي أثارها تلفزيون المر «mtv» منذ مدة على خلفية عرضه تحقيقاً حمل عنوان «ظاهرة قديمة جديدة: الإرهاب يستدرج الانتحاريّات»، وإدراج اسم الشهيدة سناء محيدلي في سياق العمليات «الانتحارية الإرهابية»، ها هي الإعلامية بولا يعقوبيان تطرح مفهومها الخاص عن المقاومة، بأنّ من يقاتل «إسرائيل»، «مش الشباب يللي بيحبّوا الفكر والثقافة والفنّ»!

جاء هذا الكلام في برنامجها الحواري «إنترفيو interview» الذي تقدّمه على شاشة «تلفزيون المستقبل»، في حلقة سابقة حاورت خلالها الصحافي رؤوف قبيسي حول عدد من مقالات له نشرها في جريدة «النهار»، على طريقة «رسائل». ومنها رسالة مفتوحة إلى السيد حسن نصر الله، يدعوه فيها إلى إقامة الدولة المدنية في لبنان. ونحن هنا لا نناقش مقال الزميل قبيسي، بل نسلّط الضوء على فحوى الحوار الذي أدارته يعقوبيان.

من البديهي أن تبادر يعقوبيان بسؤال ضيفها لماذا وقع اختياره على السيّد حسن ليدعوه إلى إقامة دولة مدنية، وهو ـ أي السيد نصر الله ـ أمين عام حزب الله «الذي يدعو إلى إقامة دولة دينية قبل أن يتلبنن» والكلام لبولا. وطبعاً، السؤال هنا مشروع ومحقّ ويطرح نفسه. ولكن الهرطقة بدأت عندما اتّخذت يعقوبيان وضعية المحلّلة النفسية، وتبدأ بالقول: «خلّيني إسألك كيف ممكن إنو أيّ فريق يقاتل إسرائيل، إذا ما كان عندو هذه الايديوليجية الدينية التي تحثّ على الاستشهاد، معروف إنو الدين هو الدينمو لهذه المسألة»، وتتابع يعقوبيان: «شو يعني بدّك تقول لهودي الجماعة الشباب المرفّهين يللي بيحبّوا الفكر والثقافة والفنّ والجمال يقاتلوا إسرائيل؟».

«عن جد مش حلوة منّك يا بولا». طبعاً لم يفت الزميل قبيسي أن يلفت نظر محاورته إلى التجربة الأوروبية، وأنّ الأوروبين دافعوا عن بلادهم ولم يكونوا متديّنين أو متحزّبين ولم يكونوا طوائف. والحق يقال، أنّ ما يُعرَف عن قبيسي نزعته العلمانية بمعايير عالية.

ولكن… لا بدّ من هذه الـ«لكن»، يبقى قبيسي معذوراً. قد يكون أصيب بفوبيا الكاميرا في إطلالته الأولى هذه، وقد يكون غاب عنه ـ وهو المغترب العريق ـ أنّ طليعة شهداء المقاومة هم تشكيل من الأحزاب العلمانية، وكانوا شباباً «مرفّهين»، وأبناء معرفة، ويدركون جيداً أنّ الأوطان لا تصان ولا تسمو إلّا بقيم الحقّ والخير والجمال والفنّ والثقافة. ومن أجل هذا القيم وسموّ مدلولاتها، خطوا مسار استشهادهم بوعي كامل لحقيقتهم.

ولكن، ما هي حجّتك يا بولا يعقوبيان؟ هل هي أزمة مفاهيم حقاً؟ أو أنّه الجهل المطبق؟ أم هي الشاشة التي تطلّين منها؟ أم أنها بليّة فحسب؟!

«بس عن جدّ»، شرّ البليّة لم يعد يضحك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى