على العالم كله أن يُعيد حساباته مع الأسد وليس «إسرائيل» فقط
سناء أسعد
لم تعد المحاولات الموبوءة لقلبِ موازين القوى وتغيير المعادلات تُجدي نفعاً، مهما تغيّرت الزوايا واختلفت القواعد التي تبنى عليها أو تنطلق منها. بل هي لا تخرج عن كونها مجرد اختبارٍ فاشل ورهانٍ خاسر، أو يمكن القول إنها مخاطرة الربع الساعة الأخيرة التي تمشي عقاربها عكس ما توقع المعسكر المعادي.
وإنْ صار وفتحت تلك المحاولات أبواباً للجدل والنقاش فذلك لن يكون إلا من باب فضح النيات وكشف المستور الذي طال تمريقه زمناً طويلاً من تحت الطاولة بحجج وذرائع واهية صار الآن مرفوضاً طرحها وإثارتها من قبل الجميع.
من يسمع تصريحات الغرب اليوم يكتشف حجم التخبّط الذي يعيشه ساسته ازاء الأزمة السورية، والتي يعترف أوباما أنها من أكثر الخيبات التي تعرّض لها طيلة فترة رئاسته.
أما وزير خارجيته جون كيري فهو قلق ويخشى أن تكون العملية الإنسانية التي أعلنت عنها روسيا في الأحياء الشرقية لمدينة حلب هي مجرد خدعة لتمرير الأسلحة.. ولذلك فهو يتوعّد ويهدّد بإنهاء التعاون مع روسيا في ما يخصّ الملف السوري إذا ما ثبتت صحة شكوكه وتوقعاته… فجميع المؤشرات حسب رأيه مقلقة ويأمل أن يكون بإمكانه تغيير المعادلة في الأيام المقبلة.. لذلك فهو يدعو موسكو ودمشق على وقع الانتصارات الساحقة إلى ضبط النفس، ووقف الهجمات في المعارك الدائرة في حلب وتحييد من يعتبرهم «معارضة معتدلة» من دائرة الاستهداف في تلك العمليات العسكرية…
ذلك التعاون الذي هو في الأساس ليس إلا خدعة سياسية أرادتها واشنطن للمماطلة ولإطالة عمر الحرب واستدامة عمليات الإستنزاف بغيَّةَ الحصول على أكبرِ قدرٍ ممكن من التنازلاتِ في العملية السياسية التي يستحيل أن تتقدّم خطوة إلى الأمام مهما كثر الحديث عن إحيائها من جديد.
عندما يقلق كيري كلّ هذا القلق لا لأنه يخشى تداعيات الصدمة بالثقة العمياء الممنوحة للروس.. بل لأنه يُدرك تماماً أنّ الخداع هو أكثر ما تمّت ممارسته من قبل أميركا ومعها حلفائها الإقليميين في الحرب السورية ابتداءً من تسميتها ربيعاً وثورة وصولاً إلى ما أسموه هدنة قتالية أو وقفاً لإطلاق النار بغيَّة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.. واتتهاءً بتسميةِ جبهة النصرة وحركة نور الدين الزنكي وغيرهما من فصائل إرهابية معارضة معتدلة…
هذه هي ازدواجية المعايير المتبعة غربياً في كيفية التعامل مع أيّ مفصلٍ سياسي أو عسكري، فالمعايير التي تُقاس وتُقدر من خلالها ما يجري داخل البلاد تختلف كلياً عن المعايير التي تُقاس بها مجريات الأمور خارج البلاد.
فالإرهاب الذي يطال بلادهم هو الإرهاب الذي يجب محاربته… أما الإرهاب الذي يقطع الرؤوس ويأكل الأكباد ويمتص الدماء البشرية في سورية.. فهو «معارضة معتدلة»، لا تزال أميركا حتى اللحظة تبحث عن آلية معينة لفصلها عن المنظمات التي تعتبرها إرهابية، ولكن دون أية نتيجة تستحق الذكر.
أكثر ما يُلفت النظر في تصريحات الساسة الأميركيين مؤخراً هو وعود هيلاري كلينتون الواهمة بالإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد فور تسلّمها الرئاسة.. لا نعلم إنْ كان بقي في جعبة قادةِ دولِ العالم من خططٍ أخرى لم توضع موضع التطبيق والتنفيذ، للنيل من وحدة الدولة السورية وشرعية حكومتها..
فنحن لسنا على دراية بما ترسم كلينتون من خططٍ مستقبلية لتدمير سورية ودعمٍ للجماعات الإرهابية المتطرفة لوجستياً وعسكرياً، والذي اعتبرته الطريق الوحيد للإطاحة بحكومة الأسد منذ كانت وزيرة للخارجية. فقد كان لها دور ضليع آنذاك بتسليم شحنات من السلاح الكيمائي الذي استخدم في غوطة دمشق لتبرير الحرب على سورية..
واليوم كشفت المعركة الدائرة في الشمال السوري ولا سيما بعد سيطرةِ الجيش السوري على حي بني زيد عن وجود أسلحةٍ متطورة مصنوعة في الولايات المتحدة بما في ذلك صورايخ مضادة للطيران، تركها مسلحو جبهة النصرة أثناء هروبهم من الحي، وهذا ما أثبته إسقاط الطوافة الروسية مؤخراً في الشمال السوري، حيث تُشير المعلومات الاستخبارية الروسية إلى دور أميركا البارز في تزويد جبهة النصرة بالعتاد والأسلحة النوعية، بما فيها الأسلحة المضادة للطيران.. وأصابع الإتهام إلى وزير الدفاع آشتون كارتر ومن ورائه هيلاري كلينتون..
كارتر الذي يصحّ عليه إطلاق اسم المرافق الشخصي لأوهام هيلاري كلينتون أو يمكن القول إنه شبيح كلينتون المطيع والمنفذ لجميع مخططاتها…
نحن لسنا على دراية ولكن على ثقةٍ ويقينٍ بل متأكدون أنّ ما عجزت عنه الدول المتآمرة على سورية طيلة السنوات السابقة يستحيل أن يتحقق اليوم، ولا سيما وسط التفجيرات الموغلة على كافة مفارق الطرق…
فمشهد المنطقة برمّته يتغير وملامح جديدة بدأت ترسم آفاق وأبعاد واستراتيجيات مختلفة انطلاقاً من مركز الصراع الأرض السورية …
فالغرب صاحب الخطوات الخجولة والعروض الخفية والمتردّدة على وشكِ الاستدارة الكاملة باتجاه الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد وجيشها، باعتباره أقوى الجيوش وأكثرها صلابة حيث أثبت للعالم كله قوته وبسالته وصموده في محاربة الإرهاب، من خلال الانتصارات المذهلة التي يحققها على أرض الميدان وفي طليعتها حلب أم المعارك…
حلب التي بكى عليها الأحرار وتباكى عليها المنافقون.. ستكون الرحم الذي ستولد منه جميع المعادلات، وستكون الميزان الحاكم الذي سترجح كفته لأصحاب الحق والأرض ولأصحاب القيم والمبادئ.. فالانتصار في حلب يعني الانتصار لسورية بأكملها.. انتصاراً للأسد ولبوتين ولإيران وحزب الله وهزيمةً لمشروع الامبراطورية العثمانية ولا يشكل فقط خيبةً وانكساراً للفصائلِ الإرهابية بل يشكل كسراً للهيمنة الإميركية وخيبات تلوح في الأفق في العجز الواضح عن خلق شرق أوسط جديد.. ومخطط استبدال الجنوب بالشمال ليكون مسرحاً لضربات التحالف الدولي ضدّ «داعش» حسب تصريحات وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر لن تُجدي نفعاً. ولن تكون طريقاً جديداً لتحقيق أحلام جديدة.. وباباً آخر لحمايةِ أمن «إسرائيل».. مهما حشد من أسلحةٍ ومسلحين في غرفةِ موك في الأردن. فالجحافل العسكرية التي قلبت الموازين والحسابات في الجنوب السوري والتي فاجأت «إسرائيل» ودفعت نائب رئيس الشاباك السابق فيها للتعليق على انتصاراتهم المذهلة قائلاً: من أين جاء بشار الأسد بكلّ هذه الجحافل العسكرية التي اقتلعت النصرة من مناطقٍ واسعة من الجنوب السوري وبعمليةٍ صاعقة؟ على جنرالاتنا أن يعيدوا حساباتهم دائما مع هذا الرجل…
هذه الجحافل ستُعطي العدو وأذنابه دروساً بكيفية هزيمة الإرهاب بكافةِ أشكاله ومسمياته في كلّ شبرٍ من الأراضي السورية، وسيكون على العالم كله أن يعيد حساباته مع الرجل العظيم الرئيس بشار الأسد وليس «إسرائيل» فقط..